يعيق ارتفاع المهر في العراق زواج الشباب في هذه الأيام، خصوصًا أن التقاليد تمنع الاستغناء عنه، ويستخدمه أهل الفتاة طريقًا للخروج من أزمة معيشية يرزحون تحتها.


بغداد: أدى ارتفاع تكاليف مهور الفتيات في العراق إلى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، بالرغم من ارتفاع اعداد النساء غير المتزوجات، في معادلة بدت غير متوازنة، بسبب العامل المادي الذي يحدد قرار الزواج. وينقسم المواطنون حيال الظاهرة بين من يراها عرفًا اجتماعيًا يسهم في تعزيز الزيجات المستقرة لأنه يعزل الشباب غير القادرين ماديًا على الزواج لحين تمكنهم من ذلك، وبين آخرين يرون أن المهر يحوّل الفتاة إلى سلعة تباع وتشترى.
عزاب يستسلمون لليأس
لا يفكر وعد الطائي (26 سنة ) بالزواج لأنه عاطل عن العمل. وحين حاول العام الماضي التقدم لطلب فتاة، اصطدم بقيمة المهر العالية، ما اضطره إلى الاستسلام لليأس، والبقاء اعزب بانتظار فرصة أخرى. وحال الطائي هو حال آلاف الشباب العراقي، العاطل عن العمل، أو الذي يعمل بأجور خفيضة. يقول: quot;الأصعب في مشروع الزواج هو قيمة المهر، أما متطلبات الحياة اليومية فيمكن تدبرهاquot;.
لا تشعر الجامعية استبرق العاملي بالدهشة من ارتفاع المهر، إذ تعتبره حقًا من حقوق الفتاة. تضيف: quot;لا بد من ضمانات اذا ما عرفنا أن كثرة الطلاقات تزداد بشكل كبير، لا سيما في الزيجات الحديثةquot;. غير أن الناشطة النسوية عفراء العبيدي تُرجع ارتفاع المهور إلى أسباب أخرى، وأولها تكاليف الحياة الصعبة والتضخم في الأسعار، ما يساهم بشكل كبير في ارتفاع المهور.
ويؤكد توفيق حسين أن انسحابه من مشروع الزواج هو الطلبات التعجيزية لعائلتها، quot;فإضافة إلى المهر اشترط أبوها مبلغ أربعة آلاف دولار، وإصرار الأب على ذلك كان حجر عثرة في طريق زواجيquot;.
العراق بلد العازبات
يعتبر العراق في مقدمة الدول التي تنتشر فيها ظاهرة العازبات بسبب الترمل والعنوسة والطلاق. وتفيد إحصائيات وزارة شؤون المرأة في العراق في العام 2012، أن هناك ثمانية ملايين أرملة، يشكلن 65 في المئة من نساء العراق. وبلغت نسبة العنوسة 85 في المئة ممّن بلغن سن الزواج وتجاوزن عمر الخامسة والثلاثين. ويقول المختار حسين الصفار، من مدينة المحمودية: quot;ظاهرة طلب المبالغ النقدية عدا المهر صارت مألوفة في العراق، لم يعرفها المجتمع العراقي من قبل، والكثير من الاباء يشترطون مبلغًا يتراوح بين ثلاثة إلى اربعة آلاف دولار نقدًا، عدا المهرquot;.
يؤكد الصفار أن هذه تحدث في الغالب بين الاسر الفقيرة، حين تستثمر الاسرة فرصة طلب يد الفتاة في تحسين حالتها المادية عبر طلب مبلغ مالي من الشاب. ويقول: quot;حتى إذا أدى ذلك إلى فشل مشروع زواج الفتاة، حيث يأتي المال في الدرجة الاولىquot;.
وفي العام الماضي، شهد العراق حالة استثنائية نادرًا ما تحدث، حين طلب والد فتاة شراء سيارة له كشرط لتزويج ابنته.
قروض للارامل والمطلقات
تقول هدى سجاد، عضولجنة المرأة والطفل النائبة، إن إطلاق قروض للأرامل والمطلقات في العام 2013، وفق ما تم التخطيط له، سيساهم في تعزيز مداخيل الاسر، ويخفض الشروط المادية التي تفرض في مشاريع الزواج.
لكن الناشطة العبيدي تذكّر بسبب آخر، quot;فليس غلاء المهور إلا نتاج كثرة الطلاقات بين الشباب المتزوجين حديثًا، ليمتزج العاملان سويًا، وهما عامل الخشية من الطلاق وعامل المال، ليصب في معادلة فرض شروط مالية واجتماعية على الشاب، مثل اشتراط سكنه في بيت منفصل عن اهله، أو إجباره على استئجار بيت قريب من بيت أهل الزوجةquot;.
وترى العبيدي أن هناك اعتقاداً خاطئاً في ذلك، لأن العامل المادي لن يمنع الطلاق اذا وقع، مؤكدة أن أي زواج يعتمد على الاشتراطات المادية له فرص فشل اكثر من غيره، quot;وبهذا نكون قد عالجنا الظاهرة الخطأ بالدواء الخطأ ايضًا، وأي حديث عن ضرورة معالجة ظاهرة غلاء المهور لا يجدي نفعًا، لأن المهر عادة اجتماعية متوارثة في الحياة العراقيةquot;.
خلاف القيمة
يختلف العراقيون في تحديد قيمة المهر، بحسب الخلفية الاقتصادية والاجتماعية التي ينحدرون منها. تقول المدرسة شيماء المفرجي إن قيمة المهر تتراوح بين تسعة إلى عشرة آلاف دولار، quot;ويرتفع الرقم بين عشرين إلى ثلاثين الف دولار لدى الاسر المتمكنة ماديًاquot;.
وترى افراح عباس، صاحبة صالون حلاقة وصالون حفلات زواج، أن بعض المهور لا يتعدى ستة آلاف دولار، quot;لكنه يتغيّر بحسب مؤهلات العروس الاكاديمية والاجتماعية وبحسب جمالها، وانحدار عائلتها الاجتماعي وصلتها العائلية بالرجل الذي تقدم لخطبتهاquot;.
تشير ابتسام فريح، المحامية في قضايا الاحوال المدنية، إلى أن الاساس في المهر، باعتباره عادة اجتماعية متوارثة، هو اعطاء قيمة للفتاة، واعتبار تلبية مطالبها جزءًا من الحب الذي يكنه لها زوجها.
تباهٍ وترف
لكن الامر، بحسب ابتسام، تغيّر مع مرور الوقت، وأصبح مظهرًا من مظاهر الترف. فالأسر الغنية تتباهى أمام الناس بارتفاع مهر البنت، وبالمقابل يتباعى أهل الرجل بقدرتهم على منح الفتاة مهرًا عاليًا، تكريمًا لابنهم.
تضيف: quot;الثقافة والمؤهل الاكاديمي يلعبان دورًا في تحديد المهر، حيث سينخفض نسبيًا بين الأسر التي تضم افرادًا مؤهلين اكاديميًاquot;.
وينتقد الشيخ رحيم الكلابي الحديث عن غلاء المهور في الاساس، مؤكدًا أن أي مساس بهذه الاعراف الاجتماعية هو مساس بأخلاقيات المجتمع. ويتحدث الكلابي بلهجة غاضبة، قائلًا: quot;للمهر اغراضه النبيلة، ولم يوجده اجدادنا عبثًا، كما أن المهر موجود منذ عهد الرسول الكريم، والاسلام أقر بالمهر، فهو عنوان المسؤولية التي يحملها الزوج في اتجاه زوجتهquot;.
يضيف: quot;إلغاء المهر سيجعل الزواج متاحًا حتى لغير المؤهلين له، ماديًا ومعنويًا، وستزداد حالات الطلاق اضعاف مضاعفة، والذي يستطيع دفع مهر جيد يعني أنه يستطيع تأمين سكن لائق لزوجته، وحياة كريمة لها ولأبنائه في المستقبلquot;.