انتهت حرب القصير بعودتها إلى قبضة النظام السوري، فعاد من تركها سابقًا ليجد كل جنى عمره وقد حوّلته الصواريخ والمعارك الضارية إلى أنقاض، وليجد أن كنيسة البلدة وجامعها مهدمان.


بيروت: بلدة القصير السورية لا تشبه شيئًا مما كانت عليه سابقًا، بعد أن خسرها الثوار وعادت إلى يد القوات الحكومية، ليسكنها الخراب والدمار. في الوقت الذي استقل فيه مقاتلو حزب الله الباصات التي أعادتهم إلى لبنان يوم الأحد، بعد انتهاء معركتهم للسيطرة على القصير، تفاجأ السكان الذين عادوا إلى هذه البلدة بمنازلهم ومحالهم التي تحولت إلى انقاض.

وسيطرت الحكومة السورية على القصير بعد معركة شرسة استمرت ثلاثة أسابيع، انتهت في الاسبوع الماضي. واحتفل سوريون مناصرون لنظام الرئيس بشار الأسد بهذا النصر، إنما وسط الأنقاض التي أخفت معالم البلدة.

انتصار نفسي

واجهات المنازل والمباني مليئة بثقوب الرصاص، وكثير غيرها انهارت في أكوام من الحطام، ما يدل على شراسة المعارك الضارية التي اندلعت بين القوات الحكومية والثوار من أجل السيطرة على هذه البلدة التي تحمل أهمية استراتيجية في المعركة لإسقاط النظام.

استخدم كل جانب في القتال الأسلحة الثقيلة في القصير، لذلك من المستحيل معرفة أي طرف مسؤول عن أكثر نسبة من الضرر. ومع ذلك، فقد ظهرت القصير باعتبارها رمزًا للتغيير في قوة الدفع للحرب الأهلية السورية التي اندلعت منذ نحو عامين، وتعهد السلطات إعادة بناء البلدة واستعادة الخدمات فيها.

quot;لقد قطع الحبل السري الرئيس للمعارضةquot;، كما قال محافظ مدينة حمص أحمد منير محمد لصحيفة لوس انجيليس تايمز. وكانت القصير بمثابة مركز لوجستي للمعارضة من أجل نقل وتهريب اللوازم والمقاتلين من لبنان، إذ تبعد عنه 10 أميال فقط. ووفر سقوط القصير انتصارًا نفسيًا واستراتيجيًا للحكومة، كما وجّه ضربة قوية للثوار في سوريا، الذين يواجهون بالفعل نقصًا في الإمدادات ويعانون انقسامات حادة في صفوفهم.

بعد سقوط القصير، عرضت السلطات السورية صورًا ومشاهد لأسلحة ومتفجرات وقنابل محلية الصنع تعود للثوار، كما رفعوا أحذية الثوار الجديدة التي خلفوها وراءهم، كتب عليها أسماء الكتائب وتحمل عبارة quot;صنع في تركياquot; باللغة الانكليزية.

عاد المسيحيون

سقوط القصير في يد القوات الحكومية هو الاحدث في سلسلة من الانتصارات التي حققها النظام، الأمر الذي دفع بعض المحللين إلى إعادة النظر في التوقعات التي تقول إن الأسد لن يصمد لسنة أخرى. من جهتها، أعلنت الحكومة سقوط بلدة القصير على أنه نقطة تحول في الحرب.

لكن الذين عادوا لم يجدوا أي دليل على ما يمكن وصفه بالانتصار بالنسبة إليهم، فمنازلهم دمرت وكل ما عملوا لجنيه طوال سنوات، تحول في ثلاثة أسابيع إلى خراب. من بين أول العائدين كانت الأسر المسيحية الاقلية في القصير، التي تمثل نحو 10 بالمئة من سكان البلدة الذين يبلغون نحو 40 ألفًا. لكن العديد منهم وجدوا الأنقاض بانتظارهم بدلًا من المنازل التي سكنتها أسرهم لأجيال.

كلام طائفي

هناك بعض المبررات لخوف المسيحيين من الجماعات المتطرفة في صفوف المعارضة، فالعائلات التي عادت إلى القصير توجهت إلى كنيسة مار الياس الكاثوليكية الرومانية فوجدت مذبحها الرخامي مكسورًا وقد شُوهت تماثيل القديسين والمسيح وامتلأت الجدران بكتابات ضد المسيحيين من ضمنها عبارة quot;إن دين سيدنا محمد سينتصر على كل الطغاةquot;.

قال أسامة حسن، وهو موظف حكومي مسلم كان من بين الحشد الذي توجه إلى كنيسة مار الياس: quot;انها صدمة كبيرة لنا أن نرى شيئا مثل هذا القبيل في كنيسةquot;. أضاف: quot;الكنيسة هي ذاتها المسجد بالنسبة إليناquot;. يشار إلى أن المسجد القريب في البلدة أصيب أيضًا بأضرار جسيمة، وقد تدمرت أجزاء من مئذنته بسبب القذائف والصواريخ التي اطلقت خلال المعركة.

وقال أحد السكانquot;هنا، المدافن المسيحية والمسلمة بجانب بعضها البعض، ولم نشهد اي انقسامات في السابقquot;.

وفي شارع قريب، جلست عائلة سورية على جانب الطريق تحدق في بقايا منزلها. وقالت ربة المنزل إنها أمضت سنوات في العمل مصففة شعر وعاملة في متجر حتى تمكنت من شراء شقة تعيش فيها مع عائلتها. وأضافت بحسرة: quot;تمنيت أن يعيش أبنائي فيها، وعملت بجهد لسنوات حتى أتمكن من شرائها، لكن تعبي تحول إلى أنقاضquot;.