جمر تحت الرماد في تركيا بعد انحسار الحركة الاحتجاجية

ألغى وفد من البرلمان الأوروبي زيارة مقررة لتركيا بسبب تصريحات شديدة اللهجة من الحكومة التركية ضد البرلمان الاوروبي. إلا أن الشبان والجامعيين المنتمين إلى الطبقات الوسطى يواصلون المطالبة بمجتمع أكثر ديمقراطية، ويرفضون تهديدات إردوغان.

أنقرة: الغى وفد من البرلمان الاوروبي الاربعاء زيارة مقررة لتركيا بسبب تصريحات شديدة اللهجة من الحكومة التركية ضد البرلمان الاوروبي. وقال النائب الاوروبي المحافظ، الالماني ايلمار بروك، الذي كان سيرأس هذا الوفد، quot;بسبب التصريحات التي ادلت بها الحكومة التركية، قرر الوفد ارجاء زيارتهquot;.

واضاف بروك quot;آسف لذلكquot;. وقال ان quot;تركيا شريك مهم للاتحاد الاوروبي وستبقى كذلك، لكن يجب ان تعرف كيفية التعاطي مع الانتقاداتquot;. واكد النائب الالماني quot;سنتابع الاتصالات مع نظرائنا الاتراك لإجراء حوار بناء معهمquot;.

وكان وفد يضم 13 نائبا اوروبيا من لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الاوروبي سيزور انقرة وكردستان ودياربكر الاربعاء والخميس. وكان النواب سيلتقون مندوبين عن الحكومة ومسؤولين في البرلمان التركي وفي احزاب المعارضة ومجموعات الرأي ومندوبين عن وسائل الاعلام.

أوروبا منزعجة من خطابات رسمية
وكان وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو وصف بـ quot;غير المقبولquot; قرارًا تبناه الخميس البرلمان الاوروبي انتقد فيه quot;الإفراطquot; في استخدام القوة من قبل الشرطة التركية بحق المتظاهرين ضد الحكومة. وقال الوزير التركي ان quot;هذا القرار، عندما ينقل الينا، سنرفضه على الفورquot;.

وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان انتقد بشدة ايضًا قرار النواب الاوروبيين. وقال اردوغان الذي تستهدفه الاحتجاجات غير المسبوقة في تركيا quot;لمن تتعرضون انتم؟، وبأي جرأة تتبنون هذا القرار؟، لا اعترف بهquot;.

واعرب النواب الاوروبيون في قرارهم عن quot;قلقهم العميقquot; من quot;العنف المفرطquot; وquot;التدخل العنيف للشرطةquot; ضد اشخاص يتظاهرون quot;بطريقة سلمية ومشروعةquot;. وحذر البرلمان الاوروبي من جهة اخرى الحكومة التركية من اعتماد quot;تدابير قاسية ضد المتظاهرين بطريقة سلميةquot; وquot;حضّ رئيس الوزراء على اعتماد موقف توحيدي وتصالحي للحؤول دون تفاقم الوضعquot;.

هذا وافسحت الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي هزت الشارع التركي لثلاثة اسابيع، المكان لاعتراض اقل تطرفًا، لكنها حررت الرغبة في الديمقراطية لدى المتظاهرين، واحرجت رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان، وفق محللين. صحيح ان صدى قنابل الغاز المسيل للدموع تراجع منذ الثلاثاء، لكن المتظاهرين مصممون على عدم تسليم سلاحهم.

مناقشات معارضة في الحدائق
فكثر من هؤلاء يقلدون quot;الرجل الواقفquot; في ساحة تقسيم، فيما يضع اخرون احذيتهم في الشارع في ذكرى المتظاهرين الثلاثة الذين قتلوا إبان الازمة. اما المناقشات التي تنظم في حدائق اسطنبول فتتصاعد وتيرتها.

واعتبر جنكيز اكتار استاذ العلوم السياسية في جامعة باهتشسهير في اسطنبول ان quot;هذا الحراك سيستمر في شكل او في اخر، سيتحول الى شكل من العصيان المدنيquot;، مضيفا quot;ربما تملك الحكومة الامكانات المادية لكنها تفتقر الى الامكانات الفكرية للبقاء والتكيف مع هذه المطالبquot;.

واندلعت الحركة الاحتجاجية في 31 ايار/مايو رفضًا للتدخل العنيف للشرطة ضد حفنة من الناشطين البيئيين في ساحة تقسيم كانوا يعترضون على ازالة حديقة جيزي المعروفة. وسرعان ما تحولت الحركة غضبا شعبيا عارما على حزب العدالة والتنمية الاسلامي المحافظ وزعيمه اردوغان المتهم بالتسلط وبالسعي الى quot;اسلمةquot; المجتمع التركي.

وفي رأي عالمة الاجتماع نيلوفير نارلي ان quot;الوقت لا يزال مبكرا جداquot; لتحديد المسار الذي ستسلكه هذه الحركة، لكنها توقعت الا يستسلم الشبان والجامعيون المنتمون الى الطبقات الوسطى، والذين شكلوا راس حربة هذا الحراك، وان يواصلوا المطالبة بمجتمع اكثر ديمقراطية.

حقد قديم
وقالت نارلي quot;لا تزال مطالبهم هنا وكذلك عدم رضاهم السياسي، وهي باتت اليوم اقوى من السابقquot;. وفي مواجهة هذا الضغط، لجأ رئيس الوزراء على عادته الى الحزم والاستفزاز، منددا بمن وصفهم quot;الرعاعquot; الذين احتلوا شوارع غالبية المدن التركية الكبرى ومتحدثا عن quot;مؤامرةquot; حاكها quot;ارهابيونquot;.

وردا على الشبان العلمانيين، الذين احتلوا الشوارع، ركز إردوغان على quot;تركيا الحقيقيةquot; المحافظة والمسلمة، والتي صنعت الانتصارات الانتخابية لحزبه العدالة والتنمية الذي يتولى الحكم منذ 2002.

وعلقت عالمة الاجتماع نيلوفير غول على الموقع الالكتروني لقناة quot;تي 24quot; التلفزيونية quot;التاريخ يعيد نفسهquot;، لافتة الى الحقد القديم بين الجمهوريين والمسلمين في تركيا، ومعتبرة ان quot;الحذر المتبادل وانعدام الثقة يؤديان الى انقسامنا، ويقوداننا بسرعة كبيرة الى طريق مسدودquot;.

وقال الصحافي حسن جمال عبر القناة نفسها quot;بعد التحريض القومي بدا التحريض الديني متوجّها الى اناس اتقياء ومحافظينquot;.واضاف ان quot;هذه اللغة (...) تنشر التطرف في تركيا، وتدفع المجتمع برمته الى حدود قصوىquot;. ويبدو ان الخطاب المتصلب لاردوغان لم يحظ باجماع حتى داخل مناصريه.

في هذا السياق، قال عبدالله بوزكرت مدير مكتب صحيفة quot;توداي زمانquot; القريبة من الحكومة في انقرة quot;اذا قرر اردوغان تأجيج الانقسامات لتعزيز موقعه فانه لا يعرّض مستقبله السياسي للخطر فحسب، بل ايضا استقرار البلاد باسرهاquot;.

وكان العديد من ناشطي حزب العدالة والتنمية اتهموا هذا الاسبوع الصحيفة المذكورة بـquot;الخيانةquot; لنشرها استطلاعا للراي اظهر تاييدا لحزب اردوغان لا يتجاوز 35,3 في المئة مقارنة بنحو خمسين في المئة خلال انتخابات 2011 التشريعية.

ويجمع العديد من المحللين على ان صورة رئيس الوزراء اهتزت بعد quot;انتفاضةquot; الايام العشرين. وكتب احمد انسل في صحيفة quot;راديكالquot; الليبرالية quot;من قادوا هذه الحركة لا يمكنهم القول انهم ربحوا، لكن الجميع بدءا باردوغان يعلمون تماما ان هذا ما حصلquot;.