لا نعرف لمن يتوجه قادة حزب الله بخطاباتهم وهم يعلنون ان القرار 1559 قد دفن وانتهى مع ما تم دفنه وأنهي أمره. إذا كانوا يتوجهون بخطابهم هذا لأميركا او المجتمع الدولي، فإن في هذا التوجه ما يشبه تحريكاً غير مرغوب فيه لملف قرر هؤلاء تجميد العمل به إلى أن يحين الوقت الملائم لإعادة إحيائه. وإذا كانوا يتوجهون بخطابهم هذا إلى العدو الإسرائيلي، فإن مثل هذا الخطاب يقوي حجته إذا ما كان ثمة مخططات تجري في أروقة الحكومة الإسرائيلية لمعاودة بث مسلسل المغامرات العسكرية الإسرائيلية في لبنان في المستعجل من الزمن.
الأرجح ان المجتمع الدولي وإسرائيل على حد سواء، يراقبون ما يعلنه مسؤولو حزب الله عن كثب، ولا يرون داعياً للرد على مثل هذا الخطاب في اللحظة الراهنة. سيسجلون نقاطاً في السياسة، لكنهم لن يلجأوا إلى مغامرات الضربات القاضية في هذه اللحظة بالذات.
والحال، فإن المرجح ان خطاب حزب الله يتوجه إلى اللبنانيين انفسهم. وفي هذا التوجه ظلماً وجوراً لسببين على الأقل.
اولهما ان الاجتماع السياسي اللبناني قرر منذ ما قبل صدور هذا القرار، ان سلاح حزب الله قد يكون مادة للسجال الداخلي، وقد يصبح مادة للتحريض، لكنهم كانوا دوماً يدركون ان نزع السلاح على ما ينص عليه القرار الدولي، امر يتعلق برغبة حزب الله في نزعه، وليس برغبة اي كان عداه. واللبنانيون الذين يتوجه إليهم خطاب حزب الله اجمعوا منذ زمن، ان استخدام السلاح ليس مبرراً لا لنزع السلاح ولا لحماية السلاح على حد سواء. بل ان ما اعلنه الدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية مؤخراً، ربما يشكل رداً قاطعاً ولو بشكل غير مباشر على خطاب دفن القرار الدولي، حين اعتبر ان المهمة الألح على حزبه ومن يمثلهم هي تجنب العودة إلى الحرب مهما كان الثمن.
مع ذلك قد يكون خطاب الدفن هذا تعبيراً غير مباشر عن إعلان النصر على المشروع الدولي الذي يعتقد حزب الله انه استهدف سلاحه في الدرجة الأولى. وإعلان بطلان صلاحيته سياسياً وعسكرياً، وتالياً عجزه عن تنفيذ ما عزم على تنفيذه ولم يفلح امام صمود المقاومة سياسياً وعسكرياً. وهذا ضرب من التعبئة لا غبار عليه. لكن هذا الظن لا يميت الريبة في استهداف آخر، لنا في تاريخنا القريب بعضاً من دروسه المرة. ذلك ان حزب الله اثناء حرب تموز في العام 2006 وبعدها لم يكف عن الإعلان ان اسرائيل كانت تخطط للحرب منذ زمن. وان العناية الإلهية هي ما جعلت حزب الله يفاجئ اسرائيل بالضربة الاستباقية قبل ان تستكمل عدتها. يومها كان اللبنانيون الذين يتوجه خطاب الدفن إليهم اليوم، يقولون أنه كان من الأفضل ان لا يضرب حزب الله ضربته، ولو كانت إسرائيل تعد العدة وتتحين الفرص. ذلك ان كل يوم يمر على لبنان من دون اعتداء إسرائيلي كبير هو كسب للبنان وليس العكس. مع ذلك ترافق هذا الخطاب الذي اعلنه حزب الله يومذاك مع حملة تخوين للطرف الآخر بوصفه صانع الحرب والمحرض عليها ولم يتورع بعض ابرز قادة حزب الله، حتى لا نقول ابرزهم على الإطلاق، بالإعلان ان ثمة في لبنان من أمر جورج بوش بأن يأمر إيهود اولمرت بالهجوم على حزب الله، فما كان من جورج بوش إلا ان انصاع ودفع اولمرت إلى الانصياع.
سبب التذكير بهذه الوقائع يتعلق بسلوك خبرناه في السياسة. فلو ان قراراً دولياً صدر غداً او بعد عام يتوجه نحو تفعيل القرار الدولي المدفون، لما استطاع لبنان ان يرد هذا التوجه او يغير في مساراته. وهذا ما يعرفه الجميع، لكن الخشية كل الخشية، ان يكون مثل هذا التفعيل، إن حدث، سبباً لعودة نغمة التخوين إلى الارتفاع وإلصاقها بأطراف لبنانيين آخرين، استناداً إلى حجج تشبه تلك التي رافقت حملة التخوين السابقة.
لأميركا ان ترى ما تراه، فليس اللبنانيون من يقررون ما يسعها ان تراه وما تريد ان لا تراه، ولإسرائيل ان ترسم سياساتها كيفما شاءت، فليس ثمة بين اللبنانيين من يستطيع التأثير على سياساتها بطبيعة الحال. وإذا كان حزب الله جاداً فعلاً في معاداة أميركا وإسرائيل، فليس من حسن الفطن ان يعلن دفن القرار الدولي. ذلك لأن أمين عام حزب الله هو الذي يردد في كل مناسبة ان مفاتيح الحرب والسلم ليست في يده وليست في يد أي من الدول العربية، بل في يد إسرائيل. والحال، يجب ان يكون مفهوماً ان مفاتيح تفعيل القرارات الدولية وتمويتها ليس في يدنا ولا في يد حزب الله ولا في يد أي من العرب او القوى الإقليمية.
قديماً قال عبد المطلب جد الرسول الكريم لأبرها الحبشي: إني انا لرب الابل وللكعبة رب يحميها.