الاندماج في المجتمع الاوروبي لايعني الانسلاخ من الوطن والناس والدين. الوطن الذي هو مروج الروح والارض الطيبة والناس محراب للألفة والمصير بل التواصل في القرب والحنين في موجعات الزمان. والأكثر آصرة ربما الدين باسلوبيه المسالم او المتطرف.ولذا فالاندماج يبقى ثانويا امام عمق الذات الاصيلة، وثالوثها المقدس: الناس الوطن العقيدة.
النظرة الى المجتمع الدانماركي على سبيل المثال، وبالنسبة للقادم الجديد المغترب او اللآجيء تكتنفها الحيرة والبحث عن اسلوب الحياة وكيفيات السلوك في عالم غريب كليا عن حقيبة العادات والثقافة التي يحملها اللآجيء على ظهره والتي يعتز بكل ما يحمله فيها مما قد يتناقض مع ماهو جديد!
انها نظرة حائرة لكنها في نهاية الأمر متفحصة لاتخلو من الاعجاب بطرائق العمل بين اللآجئين وتوفير الدراسة لهم والسكن والتجهيزات المنزلية والراتب المضمون في أيام الدراسة والعمل والعطالة والمرض. لكن تبقى المشاكل مرافقة لأية قضية يجري العمل على حلها ولابد من حلها وفق دولة القانون هذه.
ان الاندماج بميكانزم الحياة هو مسار الافراد والجماعات، ولابد من الاقرار بأفضليات التمثيل الانتخابي وتداول السلطة والتجديد والتعدد الذين هما سمتا الحياة الى جانب حرية التعبير والممارسة الديموقرطية.
أما النظرة الثانية فهي الخوف من هذا المجتمع المتجدد في كل شيء، اول المخاوف هو الاختلاط بين الجنسين ونظرة العوائل القادمة الى المغتربات هذه وموقفها ازاء مفهوم الحرية للجيل الثاني،وثانيهما حرية التعبير التي يتمتع هذا المجتمع بثمارها الى درجات قصوى. حرية التعبير في كل شيء حتى تلك التي تفجرت عبرها الرسومات الكاريكتيرية للرسام الدانماركي كورت فيسترجورد.
ان فريق النظرة الاولى المشار اليها اعلاه، هو فريق مآله الاندماج الايجابي، وهذا النوع يذوب بعد جيل او جيلين ويغدو دانماركيا بلا ادنى هاجس من الفـُرقة. اما فريق النظرة المتقاطعة فقد رسم له اتجاهين: الاتجاه النافر اي الذي لايشترك في أي ٍ من الفعاليات بل يتحسس من الاختلاط بأشكاله ولايتابع سوى فضائياته ولايقرأ سوى لغته وكتبه ولايذهب الى محاضرات مختلطة الخ. الاتجاه الثاني هو الفعال القريب من مؤسسات الدولة ونواديها وعلاقاتها ودوائرها المتنوعة وايضا المساهم في مواقع حساسة منها ! ولنأخذ مثالا معروفا هو الشاب الصومالي الذي حاول مؤخرا قتل رسام الكركتيرات، انه على ما بدا ويبدو، مندمج بدرجة جيدة في المجتمع اذ كان موظفا في الصليب الاحمر وانسان طيب ومتعاون. وقياسا على ذلك فان بحوثا ميدانية بهذا الصدد اشارت الى ان الشباب المسلمين مندمجون وتاقنو لغة الى درجة تثير الدهشة ولكن هذا لايمنع من ان يكون الشكل اندماجيا بينما المضمن ماضويا اصوليا او سلفيا!!!!
اي quot; ان التعلم في الصغر كالنقش في الحجر quot; يزيد من بلوى الأمر ان برامج الحوار والتلاقح الفكري والحضاري غير ناشطة بما فيه الكفاية اذ تشير احدى صحف الدانمارك المهمة يولاندس بوستن الى ان مبادرات الاندماج والوقاية من العنف لم ينفذ منها الا 16 مبادرة من اصل 53. وهذا تعبير عن نقص فيما يبذل من جهود في هذا الاتجاه..
انها نظرتان أسيفتان الاولى الذوبان الجزئي او التام والثانية اتجاه العزلة في المجتمع الجديد او رد الفعل العنفي ضده.
*******
* تـَوْقٌ أخير: ههنا تسكن العبرات ! ههنا يلتفت اللآجيء وعلى لسانه بيت شِعر هندي !:quot; اذا كان البستاني قاسيا فلمن تشكو الزهور؟quot; !!! ولعله كان يعني بالبستاني هو الكيان السلطوي الظالم في بلداننا التي ينخر فيها الاحتراب الديني والسياسي.
التعليقات