جريمة قتل القيادي الفلسطيني الحمساوي محمود المبحوح في دبي في العشرين من يناير الماضي ليست سوى إحدى الخطوات المتجددة في مسيرة حافلة من الإنتقام الدموي على المستوى الكوني، وهذه الجريمة طبعا لن تكون الأخيرة وهي بصرف النظر عن أية أسباب و ظروف و عوامل عملية إرهابية من الطراز الأول لا تختلف عن عملية خطف طائرة أو تفخيخ إنتحاري أو أي جريمة إرهابية أخرى في أي مدينة أوروبية أو أميركية، ولو كان الضمير الدولي سليما خالي من أمراض العنصرية و التحيز و الكيل بمكيالين، و المجتمع الدولي عادلا لعامل القتلة معاملة الإرهابيين الجبناء و لفرض عليهم وعلى من دفعهم و مولهم و خطط لهم عقوبات دولية صارمة فضلا عن ضرورة التشهير و الفضح الإعلامي لهم، وجميعنا يعرف بأن الجهة التي نفذت تلك العملية الإرهابية و أخترقت سيادة دولة مستقلة هي دولة الإمارات و مارست التخريب و الإرهاب في إمارة مسالمة هي مقصد سياحي دولي، وتدور الشبهات حول المخابرات الإسرائيلية و التي لها من إمكانيات التحرك الشيء الكثير بسبب الإحتضان الغربي المفتوح لهم، و سهولة تحركهم من خلال جوازات السفر الأوروبية و ليست المضروبة التي يستعملها ( ربعنا ) من الإرهابيين الذين لا تصل خبراتهم الإرهابية لعشر الخبرات الإسرائيلية المتمرسة تاريخيا في ميدان الإرهاب الدولي و المتباكية على الدوام و الشاكية من كونها هدفا للإرهابيين المفترضين!!

رغم إن إسرائيل من أقل دول العالم تعرضا للأعمال الإرهابية إلا إذا أعتبرنا أطفال الحجارة و المدافعين عن بيوتهم و بيارات برتقالهم إرهابيين من الطراز الرفيع!!

خطورة الضربة الجديدة هي في إختيارها لدبي كميدان عملي لها، وهو إختيار ينم عن خسة كبيرة و نذالة لا نظير لها و توهم من أن سلطات دولة الإمارات لن تعرف القتلة أو تقترب منهم!! وهو الوهم الكبير، فجريمة قتل عادية حدثت للمطربة الراحلة سوزان تميم تمكنت شرطة الإمارات من حل ألغازها خلال فترة قصيرة فلا يعقل أن تمر جريمة قتل قيادي و سياسي بهذه البساطة خصوصا و إن كل العيون مفتوحة و كل مطارات الدنيا مراقبة بسبب تصاعد الأعمال الإرهابية و إلا فلماذا مثلا يتم تفتيش مؤخرات المسافرين العرب و المسلمين بينما يعفى من تلكم الإجراءات السخيفة من نعرف و تعرفون؟

يبدو أن إن حماقة جهاز الموساد أنها ستكرر ذاتها في دبي بعد سلسلة طويلة من الفشل في عمليات إرهابية سابقة كان آخرها محاولة إغتيال خالد مشعل في عمان و تدخل الملك حسين رحمه الله لإجبار الموساد الإسرائيلي على جلب مضاد السموم و إنقاذ حياة مشعل رغم القبض على القتلة، وقبل سنوات و تحديدا في يوليو 1973 إرتكب جهاز الموساد الإغتيال الخطأ في مدينة ليلهامر النرويجية الصغيرة بحق مواطن مغربي إعتقدت المخابرات الإسرائيلية بأنه رئيس جهاز الأمن الفلسطيني؟ ولم يسألوا أنفسهم ماذا يفعل قائد الأمن الفلسطيني في النرويج وهو يعمل نادل هناك!! و تم القبض على القتلة أجمعين و لكن بسبب الصداقة النرويجية الإسرائيلية الوثيقة ولكون القتيل ليس من النرويجيين (عيال بطنها)!! تم تخفيف الحكم رغم الفضيحة بجلاجل و قد تكفل الزمن بمحوها!

أعتقد بأن نتائج كبيرة و خطيرة ستترتب على هذه الفعلة الإجرامية خصوصا إذا ما تمكنت شرطة دبي من تحديد هوية القتلة لإن القانون الدولي و الإعتبارات الأمنية السائدة حاليا تعتبر هؤلاء إرهابيون من الطراز الأول يجب تسليمهم دون تذرع بحصانة أو حماية وهذا هو الإختبار الأول و الحقيقي للإرادة الدولية إن كانت منصفة حقا، و إن تم تمييع القضية و إخفاء القتلة و هو ما سيحدث على الأرجح فإن مسألة الحرب الدولية على الإرهاب ستصبح في خبر كان و ستفقد مصداقيتها، ولرب ضارة نافعة! إذ أنها الفرصة الحقيقية لإظهار التصرف الإسرائيلي على حقيقته و طبيعته. و من حق شعوب العالم أجمع أن تعلم من هو الإرهابي الحقيقي الذي يطارد العلماء و المناضلين العرب و يقتلهم بدم بارد في فنادق الدنيا، ففي عام 1980 حدثت جريمة مشابهة في فندق شيراتون الباريسي راح ضحيتها العالم النووي المصري و أحد المسؤولين عن المشروع النووي العراقي د. يحيى المشد الذي قتل في غرفته بتهشيم رأسه بالفأس!! وهي الطريقة المفضلة لأهل الموساد! فرؤوس العرب هي المستهدفة دائما و أبدا، ولم يكشف عن القتلة أبدا رغم كون الجريمة في باريس!!! و رغم أن الجهة التي نفذت الإغتيال كانت معروفة و أقدمت بعد عام من تلك الجريمة على تدمير المفاعل النووي العراقي بالكامل في السابع من يونيو 1981!!.

جريمة دبي لا ينبغي أن تمر مر الكرام، بل يجب إستغلالها إعلاميا و تسليط الضوء على الإرهابي الحقيقي، و لكن الشيء المؤكد و المعلوم أن اوروبا لن تسلم أي مشتبه به!

تلك هي الحقيقة.. فعدالة الغرب نعرفها و تذوقنا حلاوتها جيدا!!... إنها البربرية الدولية وهي تفرز أقذر عصاراتها..!