لسنا بحاجة لخدمات أبو معشر الفلكي أو لبقية المنجمين لنتكهن بأن النائب السابق لرئيس الوزراء في نظام صدام الذي كان طارق عزيز بأنه سوف لن ينفذ حكم الإعدام الصادر بحقه من المحكمة الجنائية العراقية الخاصة لأسباب عديدة طبعا لا علاقة لها أبدا بالأسباب الإنسانية أو الظروف الصحية أو التقدم في السن! بل أن السبب هو مهادنة الرأي العام الدولي وخصوصا الأطراف التي كانت لعزيز علاقات عمل وتعاون مهمة معها مثل ( الفاتيكان ) أو الدولة الفرنسية بأجهزتها الأمنية و الدبلوماسية إشتراكية كانت أم يمينية!
خصوصا و إن طارق عزيز خلال إدارته لأزمة ما بعد تداعيات جريمة إحتلال دولة الكويت كان يعتمد كثيرا على الدعم الفرنسي نظرا للعلاقة الخاصة جدا التي كانت تربط فرنسا أيام ترؤس جاك شيراك لرئاسة الوزارة فيها منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي وحتى رئاسة شيراك الأخيرة في أوائل الألفية الثالثة! وصفقات التسلح العراقية من فرنسا وكانت مليارية إضافة للتعاون الأمني و الإستخباري إضافة للتعاون النووي السابق الذي تهشم مع إندلاع الحرب مع إيران وقيام الطيران الإسرائيلي بقصف مفاعل تموز في حزيران/يونيو 1981، كلها عوامل قد جعلت من فرنسا الشريك الدولي المفضل لنظام صدام حسين و كان لطارق عزيز شخصيا دور مهم في تنمية و تطوير و تصاعد وتيرة تلكم العلاقات، إلا أن عزيز في النهاية ليس هو من يمتلك مفاتيح السياسة العراقية أو يدير ملفات أزماتها بالطريقة التي يرغب بها و يفضلها، بل كانت هناك أطراف حزبية و سياسية عراقية مضادة له تفرض رؤيتها على عقلية صدام حسين الذي كان وحده يقرر مصير السياسة العراقية داخليا و خارجيا، وقد أضحكني كثيرا تأكيد الرئيس العراقي الحالي ( الذي لا يمتلك صلاحيات تنفيذية حقيقية ) على عدم توقيعه على قرار تنفيذ حكم الإعدام لأسباب ساقها أولها أنه أي الرئيس جلال طالباني ( إشتراكي ) لذلك فهو لا يوافق على تنفيذ أحكام الإعدام!
رغم أن تاريخ الإشتراكيين مع أحكام الإعدام هو تاريخ حافل و مجيد بأشكال و أصناف من أساليب الإعدام! بل أن حزب الرئيس ( الإتحاد الوطني الكردستاني ) كان في الثمانينيات مسؤول مسؤولية مباشرة عن مجزرة بشرية كبيرة بحق الأنصار الشيوعيين العراقيين في كردستان وهي مجزرة ظلت تثير شجن الشيوعيين العراقيين حتى فترة قريبة قبل أن يرفعوا الشعار الشهير (عفا الله عما مضى) و يحاولون الإيلاج في العملية السياسية رغم أن هوى الجماهير العراقية اليوم هو غير هواها عام 1959 في سنوات المجد و الإزدهار الشيوعي المنصرم و الذي ذهب مع الريح!!
على كل حال الرئيس العراقي ( طالباني ) يعلم علم اليقين بأن موافقته أو إعتراضه سيان! فهو قد سبق له أن إعترض علنا على إعدام صدام حسين ولم يوقع القرار الخاص لذلك بل أن من نفذ القرار هو رئيس الوزراء نوري المالكي و الذي يعتبر إعدام صدام حسين أحد أهم إنجازاته الرئاسية!! رغم أن عملية الإزاحة و الإعتقال و المحاكمة ومن ثم الإعدام كانت قرارا أمريكيا واضجا!
فلو شاء الأمريكان عدم إعدام صدام فلا أحد في العراق يمكنه معارضة قرارهم، و لكن صدام حسين كان بالنسبة للأميركان ورقة محروقة إنتهت صلاحيتها، فلقد عوم الأمريكان حكام آخرين كانوا من أشد خصوم السياسة الأمريكية ولكنهم تركوهم لحال سبيلهم بعد دفع المعلوم!! بينما لم يصفحوا عن صدام رغم أنه للحقيقة و التاريخ قدم خدمات جليلة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط!! وذلك موضوع آخر لا نناقشه الآن وفي هذه العجالة!
الرئيس العراقي وهو يحضر مؤتمر الإشتراكية الدولية في باريس الذي يضم أيضا حزب العمل الصهيوني إختار باريس للإعلان عن عدم توقيعه على قرار إعدام طارق عزيز الذي هو من الناحية الواقعية شخص ميت سريريا لأمراضه العديدة و لشيخوخته و لسنوات السجن الطوال منذ إستسلامه للقوات الأمريكية بعد إحتلال العراق، وطارق عزيز الذي كان صديقا شخصيا لوزير الدفاع الأمريكي الأسبق و بطل حرب إحتلال العراق دونالد رامسفيلد يعلم أن الزمن قد تجاوزه و إن تقلبات السياسة الدولية لا ترحم وهي لا تعرف الوفاء و لا الصداقة الدائمة و لا العداء الدائم بل تعرف لغة واحدة هي لغة المصالح و يا لبشاعتها من لغة عمياء و ثقيلة على النفس، أما قضية كون عدم إعدام طارق عزيز هو بمثابة رسالة تطمين للكنيسة الكاثوليكية و لتخفيف آثار العمليات الإرهابية في العراق ضد المسيحيين فهو قول غير دقيق لأن طارق عزيز لا يقدم نفسه بصفة مسيحي بل بصفة سياسي بعثي قومي عروبي و علماني وليس من ضمن تلك التصانيف أية إشارات دينية كما أن المسيحيين في العراق لا يتحملون أبدا اوزار و آثام النظام السابق بل أن هجرتهم من العراق لم تكن أساسا إلا بسبب سياسات نظام البعث العدوانية مما أجبر قطاعات كبيرة منهم على الهجرة للولايات المتحدة و لأستراليا و للغرب عموما، مسيحية طارق عزيز لم تشفع له أبدا، فإخلاصه لصدام حسين كان يفوق إخلاصه للسيد المسيح عليه السلام!
كما أن إيمانه بالفكر العفلقي أكثر بكثير من إيمانه الكنسي وولائه كان لسيده ولحزبه و لمجلس قيادته أكثر من ولائه للفاتيكان!! لذلك لا تحملوا المسيحيين في العراق ما لاطاقة لهم به أبدا.. من حق الرئيس العراقي رفض التوقيع و المصادقة على أحكام الإعدام لأسباب مبدأية محضة ولكنه في النهاية لا يملك القرار الحاسم أإبدا، بل أن من يمتلك ذلك القرار هو المنتج و المخرج و بطل الفيلم الأوحد أي الولايات المتحدة التي وحدها تعز من تشاء و تعدم من تشاء و ترفع من تشاء لرئاسة الوزارة أو للوزارة وملحقاتها!! و اي تصور خارج هذا السياق هو ضحك على الذقون.. أقول ذلك وأستغفر الله لي و لكم.. ولكن في حالة طارق عزيز ماهي الفائدة المتوخاة من... إعدام ميت..؟.. تلك هي المسألة.
التعليقات