تدور الآن على الساحة السياسية العراقية معارك طاحنة على مستويين، سياسي علني وأرهابي متستر لأرباك العملية السياسية وأفشالها بعد ان أخذت تخطو خطواتها نحو الديمقراطية.
الأنتخابات تمثل أحد أنصع وجوه الديمقراطية وعناوينها، لذلك ينبغي الحفاظ عليها قدر الأمكان وصيانتها من العبث والتشويه وصراع المصالح، انها تعاني من سلبيات متعددة تَفت في عضدها وتربك خطواتها الوليدة، وهذه السلبيات تظهر بأوجه واشكال متعددة، ويأتي على رأسها الطائفية المقيتة التي لا تخدم الا مصالح قادتها والتي فرخت امراض عديدة صارت تتجذر في النظام السياسي وتتحول الى مواصفات وعناوين بارزة له، ان لم تعالج سريعاً فأنها ستستوطن ويصعب اقتلاعها من جذورها.
ومن هذه الامراض الفساد المالي الذي ترتب عليه استنزاف موارد الشعب العراقي والفساد الأداري الذي أفرز أجهزة غير كفوءة لا يمكنها بناء دولة حديثة تحمي مصالح الشعب العراقي وتصون حقوقه، ويأتي نفوذ الدول الأقليمية المتناقضة والمتصارعة على الساحة السياسية العراقية، وقوداً لهذه الامراض الفتاكة وغيرها، تشجعها وتباركها.
لقد دخلت العراق خلال السنوات الأربع الماضية أكثر من مائتي مليار دولار كما قدرتها بعض المصادر الدولية، وهذا المبلغ يمكن ان يكون أساساً لأقتصاد متماسك ومنيع ويكفي لبناء دولة حديثة، لو توفرت له أجهزة كفوءة ونزيهة، بينما صارت معدلات الفقر ترتفع والأمراض الأجتماعية وغير الاجتماعية تتعمق، وثروات غالبية المسؤولين في الخارج تتضخم بصورة شبه علنية، ان الأموال الضخمة التي تهدر في الانتخابات على الساحة السياسية العراقية أحد مظاهر هذا الفساد المستشري وهذا الارتهان الأقليمي الصارخ.
والآن أفرزت أو أبتكرت الطائفية ظاهرة جديدة تتستر ورائها وهي (تحول الجميع بين ليلة وضحاها من مشاريعهم الدينية والطائفية الى مشاريع وطنية بمجرد أضافة أطر مفتعلة أو شخصيات لا يمثلون الا أنفسهم أو تكتلاتهم) شخصيات نزعت جلودها وصارت تتخندق وراء عناوين لا يملكونها، ويلهثون من منبر الى آخر عساهم يلحقون بالموجة الجديدة.
جاءت قرارات هيئة العدالة والمساءلة بتوقيت غير مناسب، فقد كان عليها فحص الكيانات واطراف العملية السياسية الأنتخابية مبكراً وأولاً بأول، وان لا تكون انتقائية في عملها، خاضعة لبعض الأطراف النافذة فيها، بل تشمل كافة الكتل والكيانات وفقاً لما يقرره الدستور العراقي.
ان تحفظنا الوحيد هو ان لا يشمل قانون المساءلة والعدالة المواطنين الذين (تورطوا بالأنضمام الشكلي لتنظيمات حزب السلطة بسبب الخوف أو الأكراه بالقوة أو البحث في فرصة عمل أو دراسة، لأي سبب آخر غير الأيمان بحزب صدام حسين وشعاراته المخادعة)، دون ان يعني ذلك السماح لمن يحنون الى عهد صدام الأسود بركوب منبر الديمقراطية أفتعالاً والتسلل الى الساحة الوطنية، بينما هم يتغنون بمحاسن صدام الوهمية وتحويل المقابر الجماعية وساحات الأنفال الى متنزهات لنفوسهم المريضة، مهما كانت سلبيات المرحلة التي نعيشها وهي كثيرة كما ذكرنا.
ان صيانة العملية الانتخابية، واعطاء الفرصة للمواطن العراقي ليقرر موقفه الحر امام صناديق الأنتخابات بدون ضغوط هي مهمة ينبغي ان يصونها ويلتزم بها الجميع، لكي تسير الأنتخابات بصورة انسيابية سلسة تحقق آمال الشعب العراقي وطموحاته، وتنقلها الى مرحلة متقدمة، بعيداً عن هذا التخندق الطائفي والفساد الذي طغى على أجهزة الدولة بكافة مستوياتها.