في تسعينات القرن الماضي اصدر النظام العراقي حُكما في قضية واحدة بالاعدام على أثنين من المواطنين الأردنيين، وكان معروفا أن حكما بالموت وخصوصا ضد شخص غير عراقي لا بد أن يكون موضع رضا رأس السلطة إن لم يكن بتخطيط منه. ما لبث الحكم أن نُفّذ بواحد من الأردنيين وتُرِك الآخر حتى جاء حينها إلى العراق وسيطاً قائدٌ نقابي وسياسي quot;أردنيquot; معروف. فأُعفي عن الثاني واطلق سراحه واصطحبه الوسيط معه إلى الأردن.
بين الموت والحرية لشخصين في قضية واحدة لم يك ثمة شئٌ وسط!
منيت نفسي، حين كان السؤال حراما علينا، أن يسأل الوسيط نفسَه نيابة عنا السؤالَ التالي:
اثنان حكما بالاعدام في قضية واحدة، أعدم الأول وأعفي عن الثاني، هناك احتمالان لا ثالث لهما، اما أن يكون الاثنان بريئين، فلِم إذن أعدم الأول؟
أو أن يكونا مذنبين فلم أعف عن الثاني؟
طوينا الزمن الذي حدثت به هذه الواقعة وانتقلنا إلى عراق اليوم، عراق ما بعد الانتخابات.
لا شك أن محاولة رأب الصدع بين القوى السياسية العراقية هو في صالح الشعب العراقي وفي مصلحته أن تسود روح المصالحة والتسامح، ولكن التلميح الصادر عن الحكومة العراقية عن نيتها في أصدار عفو عن المسجونين من التيار الصدري ذكرني بالواقعة إياها وأثار لديّ نفسَ السؤال: فإما أن يكون المحكومون والموقوفون الصدريون أبرياء. عندها نسأل: لِمَ تم حجزهم كل هذه المدة بدون ذنب اقترفوه، وأما أن يكون هؤلاء مذنبين فيكون السؤال: هل تملك الحكومة الحق في اطلاق سراحهم؟
لا شك أن القائد النقابي والسياسي الأردني لم يشأ حينها أن يطرح السؤال، لا نيابة عنا ولا نيابة عن نفسه، لانه كان يعرف الجواب. كان حكم الاعدام والتنفيذ والعفو جزءا من صفقات الابتزاز السياسي موجها ضد انظمة سياسية ترفض الإذعان ومحاولة لجرها الى الجلوس على طاولة التوسل والتراجع. وفي هذه الحالة كما الحالة التي تستهدف سجناء التيار الصدري هو الابتزاز السياسي وجعل الانسان وحريته جزءا من صفقة سياسية للبقاء في الحكم عبر صفقات تقوم على الترضيات.
حين يكون السلوك السياسي محكوما بالرغبة بالبقاء في السلطة بأي ثمن سوف يكون ذلك فاتحة لكل اشكال القمع والتعسف والمصادرة ولن يساعد صندوق الاقتراع كثيرا في تغيير الصورة. واذا ما كانت امثال هذه الصفقات بشائر لشئ ما ودالة، فإنها لن تكون سوى بشير ودالة على دائرة جديدة من المرواحة في نفس المكان وتكرار نفس مساوئ الفترة السابقة وفق افضل التقديرات.
و لكي نكون صادقين علينا عندئذن ان نحاسب الذين قاموا باحتجاز اناس ابرياء وقاموا بسلبهم حريتهم. أو أن نقوم بما هو عكس ذلك محاسبة الذين يطلقون سراح خارجين عن القانون دون سند قانوني وفي الحالتين تكون السلطات هي موضع الاتهام.
و لكي لا يكون النظام الحالي في العراق تكرارا ملطفا لنظام الحكم السابق يجب أن تُرسى قواعد للتعامل لا تجعل من حرية الانسان وحقوقه موضع مساومة وابتزاز سياسي.