تعقيبا على مقال الزميل الدكتور شاكر النابلسي القيم في ايلاف يوم الاثنين 19 .4. 2010 quot; لماذا تقدمت مصر وتأخر العرب؟!quot; يمكن طرح السؤال بشكل مفارق وهو: لماذا تأخرت مصر وتقدمت اليابان؟!
وللاجابة على هذا السؤال نناقش دراسة قيمة لأستاذ العلوم السياسية في جامعة توبنغن في المانيا بيتر بافلكا quot; لماذا تخلف الشرق؟ quot; نشرها في مجلة فكر وفن عام 1984، وطرح فيها اشكالية التخلف والتقدم في الشرق. وهذه الدراسة هي بمثابة اضافة جديدة على ما كتبه عدد من الباحثين العرب والاجانب في هذا الموضوع.

يطرح بافلكا السؤال التالي: كيف حدث ان مصر في القرن التاسع عشر كانت الى جانب اليابان، البلد النامي الوحيد الذي حاول تشييد قاعدة صناعية مستقلة؟ وهل من الصحيح القول بان الرأسمالية والامبريالية والاستعمار هي وحدها المسؤولة عن المستوى المتدني لتطور الشرقين الادنى والأوسط؟ وهل هناك اسباب إقليمية مميزة لتخلف المنطقة اكثر أهمية من التفسيرات الدينية التي طرحها ماكس فيبر؟!
كانت مصر خلال حكم الفاطميين والأيوبيين والمماليك قوة عظمى ومركزا للتجارة العالمية منذ القرن العاشر وحتى القرن السادس عشر. فقد ورثت مصر نظاما تجاريا عالميا له قواعد للمبادلات التجارية، وكانت تعتمد في اقتصادها على الترانزيت، مع ما كانت تصدره في الوقت نفسه من المنسوجات والورق والجلود والسجاد والسلع المعدنية والسكر وغيره. كما عرفت مصر نظاما بيروقراطيا مركزيا يتركز بأيدي الاسر الحاكمة والموظفين وجيشا قويا وأسطولا بحريا يسندان النظام الاقتصادي. وكان من مهام الدولة بناء مرافق للبنية الاساسية كالطرق والموانئ وخدمات القوافل والبريد لتأمين شبكة التجارة وكذلك الرحلات في البحر الابيض المتوسط والمحيط الهندي، وقد شجعت الاسر التجارية، عن طريق تقديمها امتيازات وحماية، على تكوين مؤسسات تجارية كبرى، لها بعد عالمي، كما حصلت الدولة بموجب نظام ضريبي محكم على واردات كبيرة ما دفع الى تطور نظام اقتصادي مركب. فقد تركزت السلطة بأيدي صفوة سياسية وإدارية دعمت فئة التجار اقتصاديا، مع انها راقبتها مراقبة شديدة لأنها تمثل منافسا خطرا عليها، ما سبب حصرها في حدود ضيقة، كما كان من مصلحة مصر إرساء قواعد قانونية دولية والانفتاح على العالم، وهي في الحقيقة من الشروط الاساسية لتحقيق نظام للتبادل الاقتصادي قادر على أداء وظائفه، وان تظل مركز الثقل في التجارة الدولية.
غير ان الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مكنت الاتراك العثمانيين العام 1517 من احتلال مصر، ما تركها تعاني تدهورا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا استمر حتى نهاية القرن الثامن عشر.

ان التفسير السياسي لتفتيت السلطة ولا مركزيتها في مصر الى جانب نضوب الموارد الاقتصادية والغزوات العسكرية والأوبئة وغيرها يؤكد على الاعراض والنتائج وليس على الاسباب التي تفسر عدم قدرة المنطقة العربية بعامة ومصر بخاصة على استرداد قوتها وتجديدها.

كما ان التفسير الاقتصادي يمكن ان يتضمن عوامل اكثر أهمية لشروط الركود، منها تحول طرق التجارة الدولية بعد سيطرة البرتغال عليها وتحول طريق نقل الذهب وتجارته الى طرق البحر في اتجاه اوربا، ما سبب فقدان الدينار المصري لقوته، ولم يبق لمصر سوى تجارة التوابل التي فقدتها بعد نجاح البرتغال في تامين الطريق البحري الى الهند وإنهاء السيطرة العربية على التجارة الدولية في البحار.
ان هذه التفسيرات لا تؤدي لوحدها الى تدهور اقتصاد دولة مسيطرة، فربما تؤخر فاعليتها، ولكن لا تقف في مسارها تماما، وهو سبب يدفع الى طرح تساؤل آخر، فيما اذا كانت هناك اسباب اخرى اكثر عمقا وفاعلية وراء انهيار النظام الاقتصادي في الشرق؟
في اوربا كان النظام الاقتصادي قد تحول من تجارة اقليمية الى تجارة عالمية. ومن انتاج صناعي يدوي الى انتاج صناعي واسع. كما ان تطور الطبقة الوسطى التي حملت لواء التجديد الاقتصادي والتقني تم بشكل مستقل ومن خلال الصراع بين النبلاء والملوك، وتحول الى نظام بيروقراطي ساعد على تأمين ظهور سلطة مركزية مالية وإدارية بخاصة في القطاعات الاقتصادية. كما كان التوسع الخارجي نقطة جوهرية في اقتصاديات الدول غير الاوربية وساعد على تفوق اقتصادي في اوربا وتشويه منظم للنظم الاقتصادية التابعة الذي تجاوز النفوذ الاقتصادي الى تغيير البنى الاجتماعية لتلك الدول.

اما في الشرق فلم تسمح الدول بتطور طبقة متوسطة وبقيت الدول مهيمنة على مقدرات الامور في المجتمع كما بقي النظام السياسي تقليديا ولم يسمح بأي تحالف اقتصادي، كما حدث في اوربا. ففي الدولة العثمانية كان النظام السياسي، حتى في عصر ازدهارها، نظاما استبداديا مطلقا مع سلطة وراثية وبيروقراطية مركزية تقوم على قاعدة اقتصادية يكون السلطان فيها المالك القانوني لكل الارض، مع انه كان للفلاحين quot; حق الحيازة quot; نسبيا مع التزامهم بدفع الضرائب الى الموظفين. كما ان سيطرة الدولة على الجزء الاكبر من الارباح لم يتح مجالا للتراكم الرأسمالي، اضافة الى تجاوز التجارة الداخلية الأولوية في مواجهة التجارة الخارجية وذلك بسبب السيطرة الهولندية اولا ومن ثم الانجليزية عليها منذ القرن السابع عشر، ما جعل الاتراك يحولون بقايا تجارتهم الخارجية الى البلدان العربية، وبخاصة مصر، التي تحولت الى quot;مخزن غلالquot; للدولة وتحويل الزراعة الى ركيزة اساسية في الاقتصاد المصري، وبذلك فقد المماليك سطوتهم وتحولوا الى ادارة مركزية تتلقى الاوامر من الباب العالي مباشرة.
بدأت الازمات الداخلية في الدولة العثمانية منذ القرن السادس عشر بعد ان تعرض اقتصادها الى ضغط مزدوج: نمو سكاني سريع وأعباء عسكرية متزايدة كان من نتائجها تقلص ايرادات الزراعة والحرف والتجارة ما عرض الاقتصاد العثماني الى حالة تضخم وذلك بسبب اغراق اسواق العالم بالفضة الاسبانية التي اجبرت العملة التركية على التراجع. وبسبب تلك الازمات واختلال التوازن الاجتماعي وجدت تركيا ان الطريق الوحيد التي امامها هو التوسع الاقليمي من جهة، والقيام بإصلاح ضريبي جديد من جهة اخرى. وقد دعي النظام الضريبي بنظام quot;الالتزام quot; الذي كان من اهدافه دعم مالية الدولة عن طريق تأجير ايرادات الدولة الى الافراد، كالأراضي الزراعية والمناجم والجمارك والمرافق العامة الاخرى على ان يلتزم الافراد بدفع اعلى ايجار ممكن الى الدولة، مقابل حصولهم على ضرائب من تلك المرافق، ما سمح بتكوين طبقة جديدة في الاقاليم تمتلك نفوذا حقيقيا. وسرعان ما انتقلت السلطة السياسية الى الاقاليم تحت حكم الممالك في مصر، وهو ما شكل بداية تفكك الدولة العثمانية ووقوعها فريسة لتغلغل رأس المال الصناعي والتجاري الاوربي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

التحديث في مصر

لقد تطور النظام الاقتصادي في مصر بشكل مختلف عما هو في اوربا، حيث لعب القطاع الزراعي دورا مساعدا للتجارة الخارجية، في الوقت الذي لم يكن للحرف والصناعات إلا دورا ثانويا، وهو عكس ما جرى في اوربا حيث لم يكن للزراعة سوى دورا ضئيلا في التطور الاقتصادي، وكان اساس التراكم الرأسمالي يقوم على التجارة الخارجية وعلى التصنيع، الذي اصبح منذ القرن التاسع عشر القوة المحركة للتطور الاقتصادي في اوربا.

والسؤال الذي يطرح نفسه ثانية: ما هي المعوقات التي وقفت امام تجربة التحديث في مصر؟ وهل كان بإمكانها ان تصل في القرن التاسع عشر الى ما وصلت اليه في اليابان؟!

يعتقد بافلكا بان عصر التجديد في مصر جاء متأخرا نوعا ما، اضافة الى انه اصطدم بقوى ومصالح اقتصادية متفوقة، ما جعل مصر مضطرة الى الاندماج في نظام السوق الرأسمالي العالمي وان تبقى مجرد مصدر لمادة زراعية خام ووحيدة هي القطن، وان تخضع في الاخير للسيادة البريطانية.
ومع اهمية هذا الرأي ومصداقية نتائجه، فان عوامل اخرى لا تقل اهمية كانت قد القت على مسار التنمية والتحديث اعباءا كبيرة. وبمقارنة سريعة بين مسيرة التنمية والتحديث في كل من مصر واليابان، تتوضح لنا كثيرا من الامور: فبالرغم من البعد الجغرافي بين مصر واليابان، فقد وضعتا في القرن التاسع عشر تحت الرقابة الدولية المباشرة، ولكن في الوقت الذي اعتبرت فيه اصلاحات محمد علي في مصر بداية لتاريخها الحديث، فان فتح ابواب اليابان للتجارة الدولية العام 1853 مثل بداية لتاريخ اليابان الحديث، وهو في الوقت نفسه، عام ولادة الامبراطور المصلح quot;ميجيquot;.
كما ان الفارق النوعي بين تاريخ مصر واليابان، كان خلال تلك المرحلة هو ان العهود الاخيرة التي سبقت الاصلاحات في كل من مصر واليابان، كانت شهدت نوعين مختلفين من السلطة. ففي الوقت التي شهدت فيه مصر تحت حكم المماليك، اضطرابات دموية بين المماليك انفسهم وقادت الى فوضى سياسية وعسكرية وتفسخ وانحلال اجتماعي وتدمير اقتصادي، كانت الاسرة الحاكمة في اليابان quot;توكاغاواquot; تعمل على انقاذ اليابان من النفوذ الخارجي عن طريق عزلها عزلا شبه كامل عن العالم، الامر الذي ساعد اليابان، رغم المصاعب الكبيرة، على حماية الاقتصاد الوطني وكذلك الثقافة الوطنية، الى جانب محافظتها على تراكم رأس المال في فترة التحديث الاولى. وعندما شعرت الطبقات والفئات الاجتماعية بالخطر الخارجي الذي يهدد البلاد التفت حول الامبراطور وتوحدت امام محاولات القوى الكبرى لاستعمار اليابان، كما قام الزعماء الكبار بتشكيل quot;مجلس قيادة quot; لدعم الامبراطور (1868) الذي لقبه اليابانيون بـ quot;المصلح المستنيرquot; كما وضع قادة الساموراي انفسهم في خدمة اليابان بتشكيلهم جهازا عسكريا قويا لحماية البلاد من الخطر الخارجي.
ومما ساعد على التفاف الطبقات والفئات الاجتماعية المختلفة حول الامبراطور و quot;المبادئ الخمسةquot; الداعية الى الاصلاح الاجتماعي والتحديث وإقامة حكم دستوري (1886)، إزالة الطبقات الاجتماعية القديمة وامتيازاتها وإعلان التعليم الالزامي (1873) وتأسيس مجلس الشيوخ (1875) وإصلاح النظام الضرائبي، وفي الوقت نفسه، تطوير مستوى العلوم والآداب والثقافة. كما ساعد موقع اليابان الجغرافي على تنفيذ الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية وكذلك التماسك الداخلي وتوحيد البلاد حول الامبراطور واعتباره الاب الروحي لليابان والتوجه الكامل نحو التحديث الاقتصادي بتأسيس شركات مالية وإدارات عصرية اعتمدت اساسا على موارد البلاد الداخلية ومن دون مساعدة من الخارج، وهو ما ساعد على تحويل اليابان الى قوة اقتصادية عالمية قادرة على حماية اقتصادها وكذلك المشاركة في السوق العالمية بنشاط واسع.
وفي الوقت الذي نجحت اليابان في تحديها وتحولت الى دولة صناعية متقدمة، عجزت مصر عن اكمال مسيرتها وتحقيق نهضة اقتصادية شاملة تقودها الى التحديث والتحرر من سيطرة الدول الاستعمارية الكبرى، وتحولت في الاخير الى دولة تابعة للمركزية الاوربية.
وفي الواقع، فان الاسباب التي ذكرها بافلكا وغيره ليست كافية تماما لتوضيح المعوقات التي القت على مسار التنمية والتحديث في مصر اعباء كبيرة لم يكن من السهل التخلص منها، ولكن بالرغم من تضامن قوى اوربية مع بريطانيا وفرنسا لقمع التجربة المصرية الرائدة، انطلقت مصر في نشاط حرفي متميز وصناعة نسيج مصرية متقدمة، بعد استقلالها النسبي عن الدولة العثمانية.
ففي بداية القرن التاسع عشر انطلقت مصر تحت حكم محمد علي في اول عملية تصنيع فريدة من نوعها لبلد يسير في طريق النمو، وقد اصبحت مصر في العشرينيات والثلاثينيات من ذلك القرن قوة اقليمية عظمى نتيجة التوسع الاقتصادي لرأسمالية الدولة، كما استطاعت عن طريق احتكار الاسعار والحماية الاقتصادية والتوسع الاقليمي تحقيق الشروط اللازمة لتطور اقتصادي دولي. ولما كان محمد علي باشا على علم تام بان عملية التنمية والتحديث لا يمكن انجازها تماما على يد المحيطين به، اعتمد اولا على مجموعة من الفرنسيين السانسيمونيين(نسبة الى عالم الاجتماع الفرنسي سان سيمون) وعلى المثقفين المصريين، وكان عدد من السانسيمونيين قد اقترحوا على محمد علي باشا فتح قناة السويس ومد سكة حديد السويس ـ القاهرة وكذلك استغلال مناجم الذهب في السودان، كما ساعدوه في اقامة مشاريعه التحديثية كالقناطر الخيرية وإجراء الاحصاء وبناء حظائر الماشية والمدارس الزراعية والعسكرية والمصانع وتأسيس مدارس الترجمة والطب والهندسة والولادة وغيرها، تلك المشاريع التي ادخلت مصر على عتبة تحول رأسمالي من جهة، والى احداث تغيرات اجتماعية جديدة ادت الى تكوين بنية اجتماعية جديدة افرزت فئة واسعة من المثقفين والموظفين والإداريين والأخصائيين وفي شتى فروع المعرفة، التي ساعدت البعثات العلمية الى فرنسا على تكوينها، غير ان فئة المثقفين، التي حملت على اكتافها عملية التنمية والتحديث بقيت ضعيفة وعاجزة امام نظام حكم الباشا وحاشيته وبيروقراطية ادارية بعيدة عن مصادر القرار. كما ان التجار والحرفيين وأصحاب الصناعات لم يستطيعوا الحصول على الاستقلال مثلما كان يتمتع به امثالهم في الدول الاوربية، لأنهم كانوا في صراع جزئي ولكنه مستمر مع النخبة السياسية والإدارية والبيروقراطية التي عرقلت، عن طريق سيطرتها ورقابتها المستمرة على اجهزة الدولة، عمليات التحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبالتالي اكمال مسيرة النهضة، التي كان من الممكن ان تتخطى العقبات التي وقفت امامها.
وفي الواقع فقد بقيت اصلاحات محمد علي باشا حكرا على الطبقة السياسية الحاكمة التي قادها، وكذلك على اولاده وحاشيته، وكانت في الاخير على حساب الشعب المصري، بسبب سياسة الاحتكار الاقتصادي ونظام السخرة ومصادرة الاملاك، وفي الوقت نفسه، العيش في حياة بذخ وترف وإسراف هائل في بناء القصور والملذات والهبات التي كان يوزعها على المحيطين به، التي دفعت الى تخديرهم وتخليهم بالتالي عن أية نزعة للمقاومة، بل والخضوع الكامل له، ما ادى الى تكبيل مصر بقروض مجحفة. كما ان خلفائه من بعده كانوا قد فتحوا ابواب مصر على مصراعيها امام الاجانب لاستغلال خيراتها والتحكم بمواردها وتكبيلها بديون باهضة لم يكن من السهل ايفاءها، ما جعلها عرضة لعملية تشويه منظم وان تخضع في الاخير للقوى الاجنبية.
والحال ان التنوير الذي سعى اليه محمد علي لم يكن كافيا، بمعنى انه لم يستطع ان يترسخ عميقا في الارض وذلك بسبب هيمنة الاستبداد السياسي وسوء التنمية وانتشار العقلية الخرافية في شرائح واسعة من الشعب المصري.
كما ان سياسة التحديث التي اتبعها محمد علي باشا ركزت على نقل التكنولوجيا وليس على الفكر الاجتماعي والثقافي والفلسفي الذي يقف خلف هذه التكنولوجيا بالذات. فقد اعتقد، انه بالإمكان نقل التكنولوجيا وفي ذات الوقت المحافظة على العقائد والقيم الخاصة كما هي دون مراجعة نقدية. وإذا كان اليابانيون قد فعلوا ذلك وانتصروا على روسيا بفضل سيطرتهم على التكنولوجيا الاوربية مع محافظتهم على تراثهم وقيمهم وتقاليدهم وذلك بفضل عقليتهم العملية، فليس علينا تقليدهم، بحجة المحافظة على قيمنا وأصالتنا. لان زرع التنوير في تربة اجتماعية لم تستفد من العناصر المادية والتقدم الاقتصادي الذي نتج عن التقدم العلمي والتكنولوجي، امر يصعب تصوره وفهمه، لان استيراد التكنولوجيا وحدها، لا يعني بالضرورة تقدما وتنويرا، رغم انه شرط ضروري، لكنه ليس كافيا تماما. ومن جهة اخرى، فان فشل تجربة محمد علي باشا يعود في مجمله الى الخوف من الفكر العقلاني الجذري الذي يدعو الى القطيعة مع الماضي والانفصال عن المقدس باعتباره قفزة نحو المجهول وانه نوع من خيانة الذات التاريخية او الهوية الجمعية اضافة الى ان الاستعمار وجه ضربات موجعة ليس الى مبادئ التنوير والثورة الفرنسية فحسب، وانما الى الشعوب التواقة للتحرر والتحديث.