كنت في مقالة سابقةquot; سلطة النقاب ونقاب السلطةquot; قد تعرضت لمسألة النقاب، والمزمع حظره في فرنسا في 11مايو القادم، بعد عرضه على البرلمان الفرنسي، ولقد جاءتني مجموعة من الرسائل، والتعليقات، تتسائلquot; لماذا لا تتعرض للأجانب الذين يعملون في الدول العربية، وخاصة إذا كانوا من أديان أخرى؟ ولماذا دافعت عن المنقبة التي خولفت بِقيادتها السيارة منقبة في فرنسا؟ ثم أتى اعتراض آخر لا يقل أهمية، من أن النقاب هو امتهان للذي ترتديه وللذي يراها أو يحتك بها في مكان عام أو في مترو..الخ وفي محاولاتي التركيز على ما أسميته ظاهرةquot; الإسلام الأوروبيquot; والتي باتت بحاجة ماسة للتعرض لها والحديث عنها، بوصفها إسلاما أوروبيا، وليس بوصفها إسلاما عربيا، فهي ظاهرة احتلت خلال العقدين الأخيرين مساحة هامة في الحقلين السياسي والإعلامي، وكانت تتعرض هذه الظاهرة لتجني طرفان:


الأول- الطرف الإسلامي، لما يعتبر أن الغرب متآمرا على الإسلام كدين...الخ المعزوفة التي تنتشر في كل البلدان الإسلامية لدى إعلام ومثقفي هذه التيارات الإسلامية، وينسحب الأمر بالطبعquot; من أنها نفس المؤامرة ضد شعوب المنطقة الإسلامية ممتدة إلى أوروبا وأماكن إقامة المسلمين كلهاquot; هذا تكثيف يظهر ضده أيضا، وهو هنا رفض ثقافة الغرب، وهذا منطق هوياتي ذو أس سياسي واضح، لأنه يحصن المستوى السياسي السلطوي في بلاد العرب، من عملية التغيير ككل! ولهذا درجت مقولات، الغزو الثقافي، والخصوصية الثقافية والقومية والدينية، وكلها تحصينات ميدانية لقوى الاستبداد السياسي/ والسياسي الديني، بمواجهة سنة الكون، في التغيير الحضاري والقيمي.


الثاني- هو الذي يتناول الظاهرة منطلقا من دوافع مرضية، تصل أحيانا حد البصاق على الذات، من أجل تبرير كل ما يقوم به الغرب تجاه إسلامه، أو من أجل تفريغ أحقاد صغيرة كانت أم كبيرة، ويتوافق مع هذا الطرح ثلة من العلمانيين الجدد، لاحظنا وجهات النظر التي تم طرحها، أثناء منع بناء المآذن! والأطرف أن هنالك من يدعو من هؤلاء إلى طرد المسلمين، وإعادتهم لبلادهم! إنه منطق الخصوصية الثقافية والدينية مقلوبا، ومرفوعا ليتمظهر كعلمانية متشددة، تعتبر أن سر التقدم يكمن في تطهير العالم من الإسلام والمسلمين. ماذا يقول هؤلاء في الخبر التاليquot; أثارت الوزيرة الألمانية من أصل تركي أيغول أوتسكان عاصفة من الاحتجاجات بعد مطالبتها بنزع الصلبان من صفوف المدارس الرسمية، مؤكدة أن الدستور الألماني يفرض على المؤسسات الرسمية أن تكون محايدة إزاء الأديان. وسارعت الكنيسة والمستشارة أنغيلا مركل الى رفض طلب الوزيرة المنتمية الى حزب ميركل (الديموقراطي المسيحي)، والتي عيّنت حديثاً وزيرة للشؤون الاجتماعية في حكومة ولاية ساكسن السفلى، فيما أيدت الأحزاب اليسارية هذه الدعوة. وصدرت سلسلة من التصريحات الغاضبة من مسؤولين كثر في الحزبين المسيحيين المشاركين في الحكومة، تندد بموقف أوتسكان، وهي أول وزيرة من عائلة مهاجرة. وقال الناطق باسم الحكومة الألمانية كريستوف شتيغمانز إن المستشارة ميركل ترفض نزع الصلبان من صفوف المدارس الرسمية، وهو الموقف الذي أعربت عنه مفوضة حكومتها لشؤون الاندماج والهجرة ماريا بومر؟


ماذا يقول العلمانيون الجدد في هذا، حيث يشكل المسلمون 5% من سكان ألمانيا؟
قبل متابعة الحديث عن ظاهرة الإسلام الأوروبي وهويته، أجيب سريعا على بعض التعليقاتquot; ماذا يحدث للأجانب في الدول الإسلامية أنهم معززن مكرمون وخاصة الأوروبيين منهم، أما ما تتعرض له العمالة في دول الخليج، فهذه خارج هذا السياق، لأن 90% من العمالة هناك هم مسلمون. ويصبح الحديث عن تعامل دول الخليج مع هذه الظاهرة خارج نطاق بحثنا، أما الأوروبيون والأمريكان فهم مرحب بهم أينما ذهبوا حتى في دول الممانعة، كما لديهم حرية الحركة أكثر من مواطنين بلداننا أنفسهم..


أما ما يخص دفاعي عن المنقبة، فهذا أمر لم أتناوله بهذه الطريقة مطلقا، بل سؤالي بسيطquot; لكونها مواطنة فرنسية، لماذا قام الإعلام الغربي بعرض مخالفة سير لإمرأة، فقط لكونها منقبة، هذا ما حاولت نقاشه، ولم أدخل حتى الآن في نقاش موقفي من النقاب لأنني كنت ناقشته أكثر من مرة في مقالات سابقة، أقله أنني اعتبر أن تعميمه القليل الذي جرى، هو نتاج لظاهرة الأفغان العرب، والنقاب ليس رمزا إسلاميا، ولاعادة تقليدية تأخذ بها غالبية البلدان العربية والإسلامية، أما بالنسبة للعربية السعودية، للوضع هناك نقاش مختلف، أكثفه بهذا القول للمفكر العربي نصر حامد أبو زيد حيث يقول في نفس إشكالية الحجاب والنقاب في مصر quot;الإسلام الخليجي، هو بشكل أو بآخر، إسلام الجزيرة العربية، وهو أشدّ صيغ الإسلام تشدّدا وتزمّتا. إذا كان الإسلام الأوّل هو إسلام الحجاز، فالإسلام السعودي/الخليجي هو إسلام نجد القرن الثامن عشر. وشتّان بين إسلام الثقافة العالية، في القرن السابع ndash; ثقافة التجّار والمدن ndash; وإسلام بداوة quot;نجدquot;، المتمثل في quot;الوهابيةquot;، التي لم تتطوّر في مقولاتها الأساسية خطوة واحدة منذ مؤسّسها quot;محمد بن عبد الوهابquot;. بل إنّ المعارضة السياسية/الدينية للنظام السعودي تكفَّر حكام السعودية، لانحرافهم عن الدين الحقّ، الذي أسّسه ابن عبد الوهاب. هذا هو الإسلام الذي غزا، بقوة المال، وعي أبناء المجتمعات الأخرى، وعلى رأسها مغتربي المجتمع المصريquot; ما أردت قوله أيضا من هذا الاستشهاد بأبي زيد حول المجتمع المصري، أن الحجاب والنقاب إشكالية معاصرة، إشكالية تندرج في إطار صراع القوى على مصر ودورها من جهة، وداخل مصر من جهة أخرى، حيث أنه لا يراد لمصر دورا عربيا محوريا يعبر عن وزنها، خاصة إذا كان عنوانه quot; الحرية ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسانquot; إنه نقاش في الحقل السياسي وليس في تفنيد ظاهرة الحجاب دينيا وتاريخيا!


ثم أليست مفارقة أن تخرج علينا وزيرة العدل الفرنسية محتجة على إجراء منع النقاب بقولها، لماذا يحتجون علينا وهنالك دولا عربية وإسلامية منعت الحجاب والنقاب، وهنالك علماء الدين الإسلامي لا يعتبرون النقاب رمزا إسلاميا؟ وتكمن المفارقة أن وزيرة العدل بهذا التصريح إنما تعيد الوضع إلى حقله الأساس وهو الحقل السياسي، وطرقه في استخدام كل ما يستطيعه من أجل صراع وتنافس القوى داخله.


كما أن كل النص الإسلامي لا يتحدث عن النقاب، ولاتعنيه هذه الظاهرة، وحادثة نساء النبي لها مدلول مختلف ولا علاقة له بظاهرة كالنقاب كظاهرة معاصرة، ويمكن مناقشة الأمر لاحقا.


هل النقاب هو عنصر ماهووي في هوية المسلم الأوروبي؟ وحتى الحجاب أيضا؟
الجواب ببساطةquot; لاquot; مشددة، لأنه لو فعلا درسنا أوضاع الجاليات المسلمة في أوروبا، لوجدنا أن أكثريتها قطعت شوطا كبيرا في اندماجها الحضاري في العالم الغربي، أما الثقافة الجديدة التي تتمحور حول الحجاب والنقاب، فهي ظواهر يمكن إيجادها عند قسم من هذه الجاليات التي لازالت مهمشة وفقيرة، وخاصة المهاجرة حديثا، أي خلال العقدين الأخيرين، ولازالت تعاني من عوائق هذا الاندماج، والأسباب في ذلك كثيرة ولكن أهمها:
ماجرى في العقدين الأخيرين من تصاعد في العداء لاندماجهم في المجتمعات الغربية، ومحاولة وضع العراقيل، وإحاطتهم بفضاء إعلامي قاهر لا قدرة لهم على مواجهته من أجل تصحيح صورتهم..


ثم هنالك دور الإسلام السياسي كظاهرة معاصرة، ودور نظم الاستبداد السياسي في المنطقة الشرق أوسطية، في تنمية ثقافة متخلفة، ولأساب سياسية وليست دينية مطلقا، فهل تدعم هذه النظم مثلا: تجمعات ما لهذه الجاليات ذات طابع مدني وعصري، أم أنها تدعم المؤسسات ذات الطابع الديني التي تنعم بحرية الغرب، وتكفره بالآن معا، إنه النفاق من زاوية قيمية، ولكنه المباح بالنسبة لهذه المنظمات من زاوية سياسية؟ إن أكثر فعاليات هذه التنظيمات من أصحاب اللحى أو الياقات بدون ربطات عنق، تذهب معززة مكرمة وتعود محملة بكل أنواع الطيب، إلى إيران وبعض دول الخليج وسورية! وهذه مسألة ليست غائبة عن سياسي الغرب، ولا عن المستشارة ميركل ولا عن وزيرة العدل الفرنسية!بينما الأمريكيون باتوا أكثر تشددا في التعاطي مع هذه الظاهرة، وحذروا النظم الشرق أوسطية من دعم مثل هذه المؤسسات، من خلال قوانين مكافحة الإرهاب!
ثم هنالك ما يمكننا تسميته، نتائج المأساة الفلسطينية على أوضاع الجاليات الإسلامية في أوروبا، وأضيفت لها العراق، من الصعب أن تستوعب هذه الجاليات أن الغرب هذا الذي تعرفه وتعيش فيه عاجز عن إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية!


مثال: التفاعل الذي حدث أثناء العدوان على غزة في نهاية عام 2008 وصور هذا العدوان.
من جهة أخرى هنالك إعلام فضائي عربي يندى له الجبين في الواقع، ويتابعه المواطن العربي في الغرب، أكثر ما يتابع إعلامه كمواطن أوروبي، لأنه يعتبر أن هذا الإعلام الأوروبي منحازا لإسرائيل!
مع كل هذا وغيره هل يمكننا الحديث عن هوية الإسلام الأوروبي، كهوية ملغقة وقاتلة- على حد تعبير الروائي اللبناني أمين معلوف؟...يتبع