في خطوة ايجابية تبدو انها ستدفع بالازمة السياسية العراقية الى الانفراج، بعد المصادقة على نتائج الانتخابات البرلمانية، للبدء بتثبيت الاستحقاقات للكتل البرلمانية وفق حسابات نيابية لتشكيل الحكومة الوطنية التي تسعى كل الاطراف الى اطلاقها في القريب العاجل لتأخذ العملية السياسية مشوارها العملي على الساحة والبدء ببرنامج الحكومة الجديدة للجمهورية الثانية بعد سقوط صنم الاستبداد في بغداد عام الفين وثلاثة، للعمل بجدية على استباب الأمن والبدء بمحلة إعمار حقيقية وتأمين الحاجات والخدمات الأساسية للعراقيين وهم بأمس الحاجة اليها.


وبخصوص هذا التوجه، قدم الرئيس جلال الطالباني توضيحات مقتضبة في كلمته امام المؤتمر الثالث للاتحاد الوطني الكوردستاني، عن المشاورات الجارية بشأن تشكيلة الحكومة العراقية الاتحادية المقبلة، ويبدو من خلال الرعاية والاهتمام الكوردي بالحضور السياسي العراقي في السليمانية، باحتضان قيادي مشترك بين الرئيس الطالباني ورئيس اقليم كوردستان مسعود البارزاني ونائب الطالباني كسرت رسول علي، لاستقبال الوفود القيادية للكتل السياسية العراقية الفائزة في الانتخابات والتشاور معها، دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي والتحالف الكوردستاني، وغياب رئيس القائمة العراقية الدكتور اياد علاوي، فان التوقعات اغلبها تشير الى احتمال متزايد لتشكيل الاغلبية البرلمانية من القوائم المذكورة، واتفاق قائمة المالكي مع الائتلاف الوطني على ترشيح شخصية من الائتلاف لرئاسة الحكومة المقبلة، والترجيحات تشير الى فوز الدكتور عادل عبدالمهدي بالرئاسة المقبلة للحكومة الاتحادية.


هذا السيناريو المعد للاعلان عنه في الايام القليلة الاتية، سخنته اللقاءات الحميمية بين قادة الاطراف المعنية في السليمانية، وأعطى الرئيس العراقي انطباعا بأن ما يجري خلف الكواليس أكثر بكثير مما يجري تقديمه للإعلام، كما عبر عنه في مناسبة سابقة بشيء من السرور في كلمة له: أنا لا انطق عن الهوى، إنما من وقائع خلف الستار ومن أشياء لا يمكن ان أبوح بها.


تأتي هذه التطورات، فيما تواصل القائمة العراقية المفاوضات لبحث الوضع السياسي بعد استنفاذ كل الوسائل المتاحة لديها، وفشلها في ضمان اغلبية برلمانية لتمرير حقها الانتخابي في قيادة تشكيلة الحكومة العراقية الاتحادية المقبلة، لذلك يبقى احتمال البحث وضمان حصة كل كتلة برلمانية في الوزارات السيادية والعامة من اهم الصراعات الحقيقية التي ستأخذ ابعادها السياسية والعراقية والاقليمية على مدى المستقبل القريب.


اما الاتفاق على برنامج وطني بين القوائم المشكلة للحكومة، وآليات معينة لاتخاذ قرارات فعالة في المجلس المقبل للوزراء وتوزيع المهام الحكومية لخدمة العراقيين، يتوقع ان يكون من ابعد الاتفاقات لان المصالح الحزبية ستقتضي بين الاطراف الاتفاق على الحصص ثم الاتفاق على برنامج العمل، وكما نقلت الأخبار في بداية تشكيلة الحكومة السابقة فان المفاوضات التي استغرقتها عملية توزيع الوزارات بين القوائم البرلمانية، استغرقت شوطا طويلا، واسفرت عن اعطاء الائتلاف العراقي الموحد الحصة الاكبر من سبع عشرة وزارة بينها وزارتان سياديتان.


وبغية توافق الآراء بصدد المرشح للمنصب السيادي كرئيس للحكومة، فان التلميحات والتقارير تشير الى قرب توصل دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي الى موقف موحد بصدد شخصية رئيس الوزراء في تشكيلة الحكومة المقبلة، وقد سرب معلومات ان الموقف قد تم التوصل اليه ولكنه بحاجة الى ترتيب بخصوص اعادة ترتيب هيكلة الصلاحيات المطلقة التي كان يتمتع بها رئيس الحكومة نوري المالكي حسب الدستور الدائم.


استنادا الى هذه الحقائق فان الحالة العراقية بعد ظهور الفرج السياسي، بدأت بالتدحرج ولكنها بحاجة الى بذل جهود كبيرة لإيصالها الى بر الأمان من قبل الاطراف النيابية والحزبية التي باتت تقترب من الاتفاق النهائي لترتيب البيت العراقي والبدء بمرحلة العمل الحقيقي لخدمة العراقيين وانتشالهم من المشاكل الحياتية والمعيشية والأمنية التي يعانون منها، ولو ان القيادات السياسية بمختلف كتلها البرلمانية، مازالت بعيدة عن الاتفاق على إطار عمل معين وبرنامج عمل محدد الذي بات أمرا ضروريا وأساسيا للعراقيين، لأن الوقت في غير صالحهم، ولا تزال الجهود المبذولة غير وافية لإخراج العراق من حالة الأزمة التي وقعت فيها بعد أنجاز العملية الانتخابية واقرار النتائج رسميا، رغم الجهود التي يبذله كل من الرئيس الطالباني والقيادة الكوردستانية وعمار الحكيم رئيس المجلس الاعلى الاسلامي، للوصول الى اتفاق مشترك بين الكتل البرلمانية لقيادة العراق في المرحلة القادمة التي تمتد الى أربع سنوات.


وهذا ما يدفع بنا الى القول أن الفرج العراقي بات قريبا للانفراج، وأن الدخان الأبيض بات قريبا إطلاقه الى السماء البغدادي من قصر الرئيس العراقي، لإعلان الترتيب السياسي لبيت الحكم لتحديد المواقع والمناصب والوزارات، خاصة السيادية التي تتضمن رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب.


وفي حال تحقيق هذا الامر، فإن الدولة العراقية ستدخل مرحلة حاسمة من حياتها وتاريخها وهي استقرار الحكم استنادا الى دستورها المخول من الشعب واستنادا الى برلمانها الديمقراطي المنتخب من قبل العراقيين، لإيصال بلاد الرافدين الى بر الأمان، وما ينتظر أهل العراق سيكون بحال النجوم اللامعة، والمرحلة الحرجة التي مرت بها البلد بعد الانتخابات، ستكون مجرد كبوة، وسينطلق العراق الفيدرالي للأمام بمباركة ربه وبعزم امته، وسيكون للعراق نهوض زاهر يجود به على حاضره وعلى مستقبله.


رئيس تحرير مجلة بغداد