أفتى الشيخ صالح الفوزان بعدم جواز الصلاة خلف من يبيح الغناء (مطلقاً). والإطلاق والتقييد ضدان كما هو معروف. وفتوى الشيخ الفوزان - حسب فهمي ndash; تنطبق فقط على من استباح الغناء بشكل (مطلق)، حتى وإن صاحبه ما يُخل بالدين، أو أجمعَ الفقهاء على أنه منكر، فهو لدى الشيخ الفوزان، وكذلك لدى الشيخ الكلباني - أيضاً - لايجوز، وبالتالي لا تجوز الصلاة خلف من أباحه، ليس لأنه أباح الغناء تحديداً، وإنما لأنه أباح الغناء وأباح معه (محرماً) يجمع الفقهاء على تحريمه . غير أنّ (تجار) التشدد من الحركيين السعوديين التقطوا هذه الفتوى، ثم أسقطوها على فتوى الكلباني، على اعتبار أنه أنه يفتي بجواز الغناء حتى وأن صاحبه فجور وقضايا محرمة قطعاً، وهذا غير صحيح.
ولا يمكن أن يقصد الشيخ الفوزان (جميع) من أباحوا الغناء ، حتى وإن اشترطوا التقييد، لأنَّ نصه على (الإطلاق) - كما جاء في الفتوى - جزء رئيسٌ منها، إذا انفصل عنها فقدَ الحكم شرطه؛ كما أننا إذا تجاوزنا شرط الإطلاق كما في الفتوى، فإن القضية لا تقف عند الشيخ الكلباني فحسب، وإنما تنسحب على كل من أباح الغناء - حتى وإن كان على وجه (التقييد) - من علماء المسلمين؛ كالإمام ابن حزم ndash; رحمه الله ndash; مثلاً ؛ ولا يمكن للشيخ الفوزان أن يعتبر الصلاة خلف هذا الإمام الجهبذ لا تجوز، وكذلك من صلى خلف الشيخ القرضاوي الذي له موقف مماثل لموقف الإمام ابن حزم من الغناء، وغيرهما من الفقهاء ممن لا يرون بأساً في الغناء إذا لم يُصاحبه ما يَمس القيم والفضائل المرعية في الإسلام ابتداء .. كما أن هناك من علماء المملكة، ومن زملاء الشيخ الفوزان، من أجاز السلام الملكي، كذلك والموسيقى العسكرية؛ والإباحة كانت (مقيدة) وليست مطلقة؛ فهي ndash; أيضاً - لا تمتد إلى جميع أنواع الغناء والمعازف بشكل مطلق وإنما تتوقف عند هاتين الممارستين؛ وعندما نقفز على شرط (الإطلاق) الذي نصت عليه فتوى الشيخ الفوزان، فالأمر ينتقل من الشيخ الكلباني ليشمل آخرين من (المحال) أن يكون الشيخ الفوزان يعنيهم بفتواه.
أما الحركيون المتأسلمون فهم مُدلسو هذا العصر. يلتقطون الفتوى سواء المعاصرة أو القديمة، ثم (يُسقطونها) على قضاياً معينة لتخدم أهدافهم الحركية. ومن يقرأ في أدبياتهم يجد أنهم يلتقطون الدليل الشرعي، وكذلك بعض آراء العلماء من كتب التراث، أو حتى أقوال بعض الفقهاء المعاصرين، ثم يُوظفونها (بخبث) لخدمتهم في معاركهم مع من يختلفون معهم؛ ولو كان الحيز يسمح لأتيت بأمثلة لا يرفضها إلا مكابر تثبت ما أقول.
وبالأمس نشرت جريدة الوطن خبراً يقول : (احتشد نحو 5 آلاف مصل في جامع المحيسن شرق الرياض أمس لأداء صلاة الجمعة خلف الشيخ عادل الكلباني إمام الحرم سابقا، رغم فتوى لا تجيز الصلاة خلف مستبيح الغناء) . وقال الشيخ الكلباني أثناء الخطبة : ( إن العلماء يجب احترام علمهم وفقههم وصبرهم على أخذ العلم، محذراً من الانتقاص من العلماء والحط من قدرهم. وتوقع بعض المصلين أن تكون الخطبة بخصوص الفتوى الصادرة ضده، لكنه فاجأ الجميع بخطبته عن فضل العلماء وتبجيلهم، وأنهم ورثة الأنبياء وسراج الأمة المنير الذي تستنير بهم العامة ويستدل بهم ولاة الأمر في أمور البلاد والعباد).
أريد من القراء الفضلاء أن يقارنوا بين انتهازية ودناءة الحركيين الصغار في نيلهم من (شخص) الكلباني، وموقفه الذي يدل قولاً وعملاً على رقي هذا الشيخ، وتجاوزه لمهاترات البعض، وترفعه عن سفه هؤلاء الأغيلمة الحركيين الذين يلتقطون أقوال بعض العلماء ويسقطونها على قضاياهم الحركية .. وهنا لا بد من القول: إن الكبير يبقى كبيراً مهما حاول الصغار الحط من مقامه.
إلى اللقاء.
التعليقات