تساؤلات في مغزى سلاسل التكوين التاريخي
الا تثير سنة 2010 التساؤلات حقا؟ ألا يتساءل المرء، لماذا غاب العدد الكبير من الشخصيات السياسية والأدبية والعلمية والفنية عام 2010؟ لماذا بلغ الرحيل ذروته في 2010، بعد أن تصاعد منذ العام 2008 و 2009؟ ليس في حياتنا العربية حسب، بل انه اجتاح كل العالم؟ إن الأسماء التي غابت عنا كبيرة وكثيرة، ويستدعي رحيلها جملة من التساؤلات المهمة عن نهاية رعيل وولادة جيل.. سألني احد الأصدقاء المثقفين والمتابعين وهو الأستاذ أكرم سليم رئيس تحرير صحيفة أكّد الكندية قبل عام مضى، قال: كنت قد حدثتنا عن ظاهرة ستحدث عام 2009، ولكن العام مضى من دون حدوثها.. أجبته لننتظر اكتمال العام 2010، وها أنا ذا اعلمه بما سأل، بحدوث ظاهرة غياب الرموز في العالم.. إنها قفلة تاريخية ترحل فيها عناقيد من الناس لتنمو عناقيد أخرى في سلسلة تكوين تاريخي يتخضرم بين قرنين من الزمن.
دعوني احلل في هذا المقال، غياب عنقود عربي من الراحلين السابقين عام 2009 والراحلين اللاحقين بهم عام 2010 في مجتمعاتنا العربية، وسأكمله بمقال آخر عن رحلة العناقيد الأخرى من رموز الحياة المعاصرة الدولية في العالم من أبناء القرن العشرين.. وتعد هذه الموجة، علامة فارقة في سلسلة التكوينات التاريخية، والتي تظهر كل ثلاثين سنة، وهو عمر الوحدة الجزئية التي تجتمع كل عشر وحدات منها في وحدة كلية يقدر عمرها بـ 300 سنة (= العصر التاريخي)، ففي حين تكثر الآجال عند نقطة الالتقاء، يبدأ خط جديد من الافتراق عند ولادات جديدة لجيل جديد سيأخذ مكانته، ويقود دفة الحياة بعد ثلاثين سنة من اليوم.
نقطة الالتقاء وخط الافتراق
يقترن عام 2010 بالعام 2009 الذي سبقه بوصول جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى نهاياته، إذ تبرز أمامنا واضحة ظاهرة تاريخية تقفل من خلالها مرحلة تاريخية لمعت فيها مجموعة من الرموز، ونخبة من الأسماء المهمة ليس في تاريخنا العربي المعاصر، بل في تاريخ العالم كله، إذ تابعنا على امتداد سنة 2010 نتائج العام الذي سبقه، فتحقق لدينا ما كنّا قد أعلنا عنه منذ سنوات طوال، ذلك أن مفصل العامين المذكورين، يشكل علامة فارقة في سلاسل التكوينات التاريخية.. لقد وجدنا أن نسبة رحيل الرموز في العالم كان يتفاقم منذ خمس سنوات ليصل إلى ذروته في العام 2010، كي يبدأ بالتناقص لخمس سنوات قادمة. واستطيع القول أن نسبة الراحلين تعد هي الأكبر عددا لعام 2010 في العالم حتى الآن، وبضمنها مجتمعاتنا في المنطقة. وكما كانت ظاهرة الراحلين كبيرة في العامين 1979 ـ 1980، وكانت كبيرة أيضا في العامين 1949 ـ 1950.. وكانت كبيرة في العامين 1919 ـ 1920.. فان نسبة الراحلين ستكون كبيرة في العامين 2039 ـ 2040، وهكذا دواليك في كّل من نقطة 2069 ـ 2070 ونقطة 2099 ـ 2100 عند نهايات القرن الواحد والعشرين. هنا، أتمنى على الأجيال القادمة في هذا القرن التأكد مما أقول بعد رحيلنا جميعا عن الحياة.
الراحلون في العام 2009
لقد تلمسنا من عودة الظاهرة المتسلسلة كل 30 سنة، في العام المنصرم 2009 عندما بدأت عدة شخصيات عربية وعالمية بارزة ترحل عن الدنيا بشكل متسارع، سواء كانوا قد لمعوا في السياسة أو المعرفة أو الفن أو الأدب أو الحياة.. لقد رحل الموسيقار منصور الرحباني في لبنان، ورحل المفكر عبد العظيم أنيس في مصر، ثم لحق به المفكر محمود أمين العالم في مصر، ثم لحق بهم المؤرخ حسين علي محفوظ من العراق.. ثم السياسي عبد اللطيف الفيلالي من المغرب، والمدرب الرياضي عمو بابا من العراق، والرئيس السابق جعفر نميري من السودان، ورئيس الوزراء السابق أمين الحافظ من لبنان، والسياسي شفيق الحوت من فلسطين، والسياسي سمير غوشه من فلسطين، والأمير عثمان ارطغرل في تركيا، والسيد عبد العزيز الحكيم من العراق، والفنان التونسي زبير التركي، والوزير المصري الأسبق أمين هويدي، والطبيب المفكر المصري مصطفى محمود، والرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ، والأميرة فريال بنت فاروق، والروائي المصري يوسف أبو رية، وغاب الكاتب المصري محمود عوض، والكاتب المصري كامل زهيري، والأديب المصري عبد العال الحمامصي، والمخرج المسرحي العراقي قاسم محمد، والشاعر وليد منير، والإعلامي محمود فوزي، والشاعر محمد صالح، والشاعر محمد حسن العتر، والتشكيلي أحمد فؤاد سليم، والدكتور ناصر الأنصاري، وغاب الروائي السوداني الطيب صالح، وأيضا الشاعر النور عثمان أبكر، وأيضا الأديب الفلسطيني يعقوب الأطرش، ومن ليبيا رحل القاص أحمد محمد العنيزى. ورحلت الفنانة العراقية تحرير السماوي والمؤرخ العراقي تقي الدباغ، والشاعر اللبناني بسام حجار، والعلامة المغربي عبد الكبير الخطيبي، والكاتب التونسي محمد صالح الجابري، والإعلامي العماني صلاح حزين، والشاعر السوري علي الجندي، والمؤرخ الجزائري حاج مولاي بلحميسي، والفنان العراقي عبد الخالق المختار، والمخرج الأردني محمد البرماوي، والصحفي اللبناني قاسم جعفر، والشاعر الأردني فيصل قات وغيرهم.
السابقون واللاحقون
كما ودعت مجتمعاتنا صفوة من الأسماء المهمة في العام 2009، فلقد لحقت بها صفوة أخرى من الرموز والساسة والمثقفين والعلماء في العام 2010.. إنهم أبناء نخبة عليا قدمت جهودها وأفكارها وخدماتها إلى الحياة السياسية والثقافة العربية.. وعلينا أن ننتبه إلى حجم هذه الأسماء والفراغ الذي ستتركه على الساحة العربية، خصوصا وان مكانتها كبيرة تلك التي صنعتها في القرن العشرين.. إنها أسماء صنعها القرن العشرون، فهل سيواصل طريقها أبناء الجيل الجديد؟ وهل سينجب هذا القرن الجديد صفوة جديدة كتلك الصفوة الرائعة التي كابدت وناضلت طويلا وأنتجت الكثير، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا ضدها.. ولم تزل آثارها قوية فاعلة في المجتمع، وستبقى إلى أمد غير منظور..
وتوضح لنا الصورة عندما نستكشف سيرهم الذاتية ونتأكد من تراجم حياتهم، فلقد ارتبطوا بمواصفات متشابهة معا، وعانوا من متشابهات الظروف الصعبة السياسية والاجتماعية.. لقد عانوا من تجارب تاريخية صعبة، وتعلموا منها كثيرا.. لقد اعتمدوا على ذواتهم وعاشوا تجارب مماثلة من المصاعب في تحصيل المعرفة.. إذ كانت نشأتهم متجانسة في بلدانهم جميعا بين المشرق والمغرب العربيين.. كانوا في أغلبيتهم، ينشدون مشروع التقدم للأمة التي آمنوا بها وبتاريخها وتفكك حاضرها وشراكة مصيرها.. بأساليب مختلفة ومناهج متباينة وأيديولوجيات متضاربة، وسواء نجحوا أو أخفقوا، وسواء أصابوا أم اخطئوا، فهم نخبة مجتمعاتهم التي عرفوا فيها.. واعتقد أن مفصل العامين 2009 ـ 2010 يشكل ذروة العنقود لنهاية جيل كامل بدأ في العام 1979، وهو الجيل الذي كان نتاج سيرورة تكوينه اثر الحرب العالمية الثانية.. بمعنى انه الذي عايش النصف الثاني من القرن العشرين بكل تحدياته ومشكلاته وتناقضاته..
رحلة الرموز المهمة عام 2010
نعم إنهم كثيرون أولئك الذين ودعناهم في العام 2010، وسأقتصر على ذكر أهم الأسماء العربية، فمنهم: رئيس الوزراء الأسبق محمد مزالي، ورئيس الوزراء الأسبق عز الدين العراقي والشيخ الحاكم صقر بن محمد القاسمي، ورحل الجنرال quot;العربي بلخيرquot; الموصوف بـquot;صانع الرؤساءquot; في الجزائر، وquot;مصطفى بلوصيفquot; الجنرال المتقاعد، فضلا عن الوجه الثوري المخضرم quot;الأخضر بن طوبالquot; العضو في مجموعة الـ22 التاريخية التي فجرت الثورة الجزائرية (1954 ndash; 1962)والشيخ الوزير الأسبق مبارك آل نهيان، والشيخ المستثمر احمد بن زايد، والسياسي كامل الأسعد، والسفير الأديب غازي القصيبي، والوزير الأسبق محمد عبده يماني، والوزير الأسبق احمد ماهر، والوزير الأسبق صالح مزيلي، والوزير ناهض منير الريس، والسياسي هاشم علم الدين، والسياسي كمال الشاذلي، والسياسي إبراهيم السرفاتي، والدبلوماسي فؤاد صادق مفتي، والسياسي محمود شكري، والسياسي محمد أبو سمره، والمفتي نوح القضاة، والمفكر نصر حامد أبو زيد، والمؤرخ عبد العزيز الدوري، وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، والمرجع السيد محمد حسين فضل الله، والعلامة إحسان دوغرامجي، والمفكر فؤاد زكريا، والمفكر محمد عابد الجابري، والمفكر محمد أركون، والروائي الطاهر وطار، والأكاديمي عز الدين إبراهيم، والمؤرخ عبد الرحمن الجيلالي، والكاتب عبد الله الحوراني، والكاتب الليبرالي احمد البغدادي، والكاتب الدرامي أسامة أنور عكاشة، والكاتب محمد حسين الاعرجي، والكاتب الساخر محمود السعدني، والكاتب محمد عبد السلام العمري، والفقيه محمد التريكي، وعالم الاجتماع عبد الله شريط، والمؤرخ الاجتماعي عبد القادر جغلول، وأحمد الأمين الخبير في الثقافة الشعبية، والمحقق الأب بطرس حداد، والمؤرخ وهبي البوري، والباحث شوقي أبو خليل، والروائي إدريس علي، والشاعر عبد المنعم عواد يوسف، والشاعر محمد عفيفي مطر، والشاعر الغنائي محمد حمزة، والشاعر احمد السقاف، والشاعر مبارك المنصوري، والمفكر الإسلامي محمد فتحي عثمان، ورئيس تحرير الاهرام سعيد عبد الخالق، والناقد فاروق عبد القادر، والكاتب كمال نشأت، والإعلامي سالم العزاوي، والكاتب الإسلامي عبد الصبور شاهين، والكاتب ادمون المالح، والسياسي كمال الشاذلي، والشيخ محمد الصمدي، والفقيه الحسن بن الصديق، والصحفي نبيل رزق، والكاتبة الناشطة فوزية المرزوق، والمناضل القس شحاذة شحاذة، والشيخ خليل الصيفي، والشيخ أبو بكر أبو زيد، والمخرج المسرحي صلاح السقا، والمذيعة عفاف قضماني، والممثلة برلنتي عبد الحميد، والممثل نظيم شعراوي، والممثل عبد الله فرغلي، والممثل غانم الصالح، والممثل ناجي جبر، والممثل هاني الروماني، والممثل كمال الحلو، والممثلة نبيلة النابلسي، والممثل عز الدين طابو، والمخرج الطاهر شريعة، والتشكيلي محي الدين اللباد، والتشكيلي علي رزق الله، والتشكيلي عبد العزيز الحماد، والفنان محمد الطاهر عمر، والمستشار عبد العزيز مزيان، والحقوقي عبد الله الولادي، والمحامي محمد براده، والكاتب المسرحي محي الدين زنكنة، والصحفي سيد احمد الخليفة، والإعلامي المخضرم محمد بنونة، والاعلاميين شوقي مدني، عثمان سناجقي، غنية شريف وكتيبة حسين والفنان المنشد عبد اللطيف بن منصور، والشاعر عبد القادر المقدم، والشاعر إدريس الشيخي، والكاتب محمد مساعد الصالح، والأديب خليفة التليسي، والشاعر سهيل السيد احمد، والأديب احمد عبد السلام البقالي، والممثلة عائشة مناف، والمغنية رباب، والفنان بدر المطلق، والفنان عبد القادر قسوم، والفنان العربي زكال، والفنان توفيق ميميش، والفنان الجيلالي عمارنة. وغيرهم من أبناء النخبة العربية المثقفة إلى جانب أعداد أخرى من الراحلين اللاعبين الرياضيين والمهنيين والقضاة والأطباء والمهندسين والفنيين والإداريين وأساتذة الجامعات والمعلمين والمحامين والمثقفين على الرقعة العربية..
نموذج تطبيقي
تشير تقارير عدة اطلعت عليها لكل من عامي 2009 و 2010 أن نسبة الوفيات بين كوادر المعلمين والمهنيين والمثقفين في بلدان عربية متعددة، ومنها الجزائر ولبنان ومصر والمغرب (لم استطع الحصول على تقارير مشابهة لكل من سوريا وتونس والعراق).. بالتحديد قد زادت معدلاتها كثيرا خلال السنتين المذكورتين وصلت إلى المئات من أبناء تلك النخب، مما يعّزز فكرة الآجال عند نقطة الالتقاء التي ذكرناها. دعوني اتوّقف عند واحد من تقارير تلك الدول، إذ اخترت تقريرا صادرا عن الجزائر، والجزائر من البلدان قوية الموارد، ثقيلة السكان، ولها تاريخ اجتماعي متنوع، ولديها طبقة اجتماعية وسطى، ونسبة عالية من المثقفين والمعلمين المتنوعين. فماذا نرى؟
جاء في تقرير مؤرخ في 26 ديسمبر 2010، وكتبته السيدة فضيلة مختاري عن حصيلة مهمة قامت بها لجنة الخدمات الاجتماعية لعمال التربية، انه قد تمّ تشييع جنازة 827 أستاذ ومعلم خلال سنة 2010 ! لقد كشفت وثيقة صدرت عن لجنة الخدمات الاجتماعية بحدوث وفاة 827 أستاذ ومُعلم وإداري في قطاع التربية الوطنية الجزائرية في ظرف سنة، ماتوا وهم يزاولون مهنة التعليم، كما شيعت الأسرة التربوية 8876 من أزواج وأبناء الأساتذة والمعلمين، وهي حصيلة كارثية وُصفت بالثقيلة ! وتشير الوثيقة المذكورة التي تكشف حصيلة عام 2010 من حيث عدد الوفيات المسجلة في قطاع التربية، حدوث وفاة 827 أستاذ ومعلم، سجلت فيها نسبة الوفيات الأكبر من المعلمين بوفاة 236 معلم في الطور الابتدائي، كما توفي في ذات الطور 41 إداريا، أما في الطور المتوسط، فقد توفي 156 أستاذا! أما عدد وفيات الإداريين بقطاع الطور المتوسط فقد بلغ 97 إداريا! أما في الطور الثانوي، فقد بلغ عدد الأساتذة الثانويين ممن وافتهم المنية لعام 2010 بـ 87 أستاذا، فيما قدر عدد وفيات الإداريين من الأسرة التربوية بذات القطاع بـ 64 إداريا. وتوفي كلّ هؤلاء الأساتذة والمعلمين وهم يزاولون مهنة التدريس كموظفين بقطاع التربية الوطنية، غير أن عدد الوفيات من المتقاعدين قدر بـ 119 موظفا، فيما قدر عدد الوفيات من الإداريين المتقاعدين بـ 27 موظفا.
إن وثيقة لجنة الخدمات الاجتماعية لم تحص وفيات أسرة قطاع التربية فقط، بل أحصت أيضا وفيات أزواج وأبناء الأساتذة أو الأستاذات، أو ما يعرف بوفيات الأصول والفروع، حيث توفي من ذوي الأساتذة والمعلمين 8876 زوج أو ابن حسب الوثيقة لعام 2010. وسجل أكبر عدد من الوفيات في قطاع الطور الابتدائي، إذ توفي من أزواج وأبناء المعلمين 2713، فيما توفي1686 زوج أو ابن يتعلق بأسرة أستاذة الطور المتوسط، وفي الطور الثانوي قدر عدد وفيات أسر الأساتذة بـ 946.،أما لدى المتقاعدين فسجلت عدد الوفيات لدى عائلات الأساتذة والمعلمين من المتقاعدين بـ 504 حالة وفاة. وشكلت أكبر نسبة من عدد وفيات الإداريين من ذويهم المقربين في الطور المتوسط بوفاة 1233 زوج أو ابن، وقدر عدد وفيات ذوي الإداريين بقطاع الطور الثانوي بـ 755 شخص (اعتمادا على الشروق مرجعا).
هنا دعوني اعلّق قائلا ومتسائلا: إذا كانت الجزائر لوحدها قد خسرت هذه الأعداد من المؤهلين خلال سنة واحدة، فكم خسرت المجتمعات العربية قاطبة إذن؟ وإذا كانت هذه الحصيلة تخص سنة 2010، فما بال ما خسرهم المجتمع في السنتين الماضيتين، أو أولئك الذين سيخسرهم في السنتين القادمتين؟ أدعكم تفكرون في الأمر قليلا.
ماذا نستنتج؟
إن مجتمعاتنا العربية اليوم كلها تمرّ بمخاض تاريخي صعب، يفتقد فيه أبناء الجيل السابق بقوة لينتهي عمر جيل كامل، ويتدفق بشر جديد من خلال ولادات جديدة لبشر من الأبناء والأحفاد. فكم يا ترى سيحتفظ بإرث السابقين في القرن الواحد والعشرين؟ وكم يا ترى سيحدث من متغيرات على أيدي الجيل الجديد (من ولادات نهاية السبعينيات ومطلع ثمانينيات القرن الماضي)؟ وما سيتلوها من متغيرات على أيدي الجيل القادم الذي نشهد ولاداته الآن؟ ما الذي سيقولونه عن أجيال القرن العشرين؟ كيف ستكون حياتهم في ظل الصعقات الكبرى التي تجتاح العالم.. من دون شك أن الرموز التي رحلت حتى الآن، ستلحق بها مع توالي الأيام رموز أخرى على مر السنوات 2011 حتى 2015. ثمة سؤال آخر يطرح دوما عند وداع أي رمز من الرموز قائلين: ما الذي قدمه هذا الرجل لمجتمعه؟ وما درجة قوته أو ضعفه؟ وما الذي سيبقى ويمكث في الأرض عندما سيرجع إليه الناس كي يستزيدوا من المعرفة أو يثمروا شيئا من الإبداع؟ وهل سيبقى اسم أي احد من الراحلين حيا بين الناس نظرا لما أعطاه أو أبدع فيه.
واخيرا: عالمنا يمر بزمن الفوضى
استطيع القول في نهاية هذه الجولة، إن حياتنا العربية تزداد يبوسة وجفافا يوما بعد يوم، ليس بسبب واحد يخص دواخلها فقط، بل علينا أن نعاين العالم كله وما أصابه من شحوب، وما كثرت فيه من مشاكل ونحن في بدايات القرن الواحد والعشرين.. لا يمكننا أن نتخيل فرنسا وهي موطن الحرية ومبعث الفكر الحر تزداد فيها العنصرية إلى درجة كبيرة ! ولم يخطر ببالنا ان أوروبا ستغدو بيئات متوطنة للمافيات عقب سقوط المنظومة الاشتراكية ! ولم نتخيّل أن أميركا ستبدأ بفقدان بعض عناصر قوتها بتوزيع الفوضى في كل مكان.. ولم نعد نحدد مواطن غسيل الأموال في بلدان عديدة في العالم ! ولا يمكن أن نتخيل زيادة أجهزة المخابرات في العالم، بحيث باتت الأحداث التاريخية لا تمر إلا من خلالها ! ناهيكم عما أحدثته ثورة المعلومات من اضطرابات واسعة جدا في كشوف للوثائق فاجأت كل العالم ! إن العالم كله يمر بأزمات قاتلة، ولكن مجتمعاتنا تصعق بتحديات ليس لها القدرة على مواجهتها، بسبب ما ابتليت به من القهر والمشكلات بسبب ابتعادها عن حياة العصر وانغمارها في الأوهام، فكيف السبيل إلى معالجتها؟ هل سنشهد ولادة جيل جديد يمكنه التعامل مع هذا العصر بعد رحيل آخر أجيال القرن العشرين سنة بعد أخرى؟
التعليقات