بعد توقيعه أمس في الرياض اتفاقاً مع المعارضة اليمنية لنقل السلطة سلمياً، برعاية خليجية وأممية، أثبت الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الذي يحكم البلاد بشقه الشمالي، منذ عام 1978، واليمن الموحد بشقيه الشمالي والجنوبي، منذ عام 1990، أثبت أنه فهم أصول اللعب السياسي مع الثوار والمعارضة، وأنه ليس كسابقيه من الرؤساء الهاربين(زين العابدين)، أو المخلوعين المتهمين أمام محاكم الثورة(حسني مبارك) أو المقتولين(معمّر القذافي).

دخول صالح اليوم في إتفاق علني مع جميع أطراف المعارضة اليمنية، تحت إشراف خليجي وأممي، يعني خروجه مع عائلته وكلّ أركان حكمه، من مجهولٍ كان ينتظرهم، وهو يعني سياسياً، أنه حقق انتصاراً كبيراً له ولحزبه وليمنه أيضاً، وعلى أكثر من مستوى، فضلاً عن كونه انتصار أكبر، سيسجّل لأهل الحراك الشعبي اليمني المنتفض منذ حوالي 10 أشهر.

صالح الذي أصرّ طيلة إدارته للأزمة اليمنية، على أن يبقى رئيساً لليمن حتى تنتهي ولايته، خرج أمس من الإتفاق quot;رئيساً مشرّفاًquot;، لينقذ ما تبقى من حياته وحصانته، وحياة وحصانات الآخرين من حوله، تاركاً اليمن يعيش كما يريد شعبه له أن يكون، حقناً للدم والدم المضاد، الذي هو في المنتهى، خسارةٌ سيدفع الجميع ثمن فاتورته الباهظة، كما جرى في quot;ليبيا القذافيquot;، ويجري الآن في quot;سوريا الأسدquot;.

دخول صالح اليوم في الإتفاق مع المعارضة على نقل السلطة إلى الشعب، والإنتقال بالبلاد تاليا، إلى الحرية والتعددية والديمقراطية، كما هو مقررٌ، هو تحوّل كبير من شأنه أن ينقل اليمن واليمنيين من تاريخٍ ديكتاتوري، حكم فيه صالح وعائلته البلاد والعباد، بحكمٍ من حديدٍ ونار، إلى حاضرٍ تعددي، يشارك فيه كلّ اليمنيين لإختيار شكل الحكم، الذي يريدون له أن تكون عليه بلادهم. هذا فضلاً عن أنه حاضرٌ سيوّفر عليهم جميعاً الكثير من قتل الحزب للحزب، والقبيلة للقبيلة، والطائفة للطائفة، والشارع للشارع، واليمن لليمن.

صالح ليس بذاك quot;الرئيس الملاكquot; بالطبع، فهو مثله مثل أيّ ديكتاتور عربي سابقٍ قضى أو مضى، أو لا يزال، نصب نفسه رئيساً على quot;اليمنَينquot;، في كونه الرئيس الأوحد إلى الأبد، لكنه أثبت في النهاية، بأنه رئيس براغماتي، فهم اللعبة السياسية، وعرف كيف يقرأ اليمن الأخير، ويستمع إلى حراك شوارعه الأخيرة، ولسان حاله، فأنقذ بذلك نفسه ومن حوله من quot;النهاية الحزينةquot;، التي انتهى إليها سابقوه، وسقطوا فيها سقوطاً تراجيدياً مريعاً.

حنكة صالح التي انتهت إلى اتفاق كلّ أطراف الصراع إلى يمن واحد يشارك فيه الكلّ مع الكلّ، ذكّرتني بحبكة الرئيس السوري بشار الأسد، التي اشتغل عليها طيلة الأزمة السورية، ولا يزال، مع أجهزة نظامه، لصناعة الأعداء الوهميين، والتي انتهت بسوريا، إلى ما انتهت إليه من قتلٍ، ودمارٍ، وفتنةٍ، وشرخٍ في صفوف الشعب، وشبيحةٍ عاثوا البلاد قتلاً وتخريباً وتدميراً وفساداً.

لم يشتغل الرئيس الأسد بحنكةٍ كانت مطلوبة، لإنقاذ ما تبقى من حكمه والبلاد من السقوط في المجهول، كما هو حاصلٌ الان، بقدر اشتغاله على سرد السياسة وحبكتها حبكاًَ ممجوجاً. هو اشتغل على تبرير الدبابات وقتل شعبه بها، بحبكة ممجوجة مكررورة، انتهى بها إلى صناعة quot;أعداء وهميينquot;، وquot;مؤامرات كبرى دولية وهميةquot;، وquot;خيانات وهميةquot;، وquot;زلازل وفوالق وهميةquot;، لا وجود لها سوى في ذهنية نظامه، التي تحكم سوريا والسوريين منذ أكثر أربعة عقودٍ.

الأسد، لم يقبل حتى الآن، أيّ نصيحة أو مشورة أو مبادرة من أحد، لا من القريبين ولا من البعيدين. فهو كما كرر ووزير خارجيته، في أكثر من مناسبة، أكبر من أن يستمع إلى نصح ومشورات ومبادرات الآخرين.
الأسد، لم يشتغل كصالح على الحنكة في إدارة أزمة بلاده، بقدر اشتغاله على الحبكة وصناعة الكلام الفارغ من أيّ سياسة براغماتية، وأيّ خطوات عملية من شأنها تنقل بسوريا، إلى برّ الإصلاح والتغيير نحو الحرية والديمقراطية والدولة المدنية.

الأسد، التفّ على كلّ المبادرات والنصائح والمشورات التي قّدمت له طيلة الأزمة السورية، وضرب بكلها عرض الحائط، متمسكاً بخياره الأمني والعسكري الأوحد، وتهديداته القائمة على قدمٍ وساق، بأنه quot;مستعد لمواجهة العالمquot;، وquot;إحداث زلزال كبير من شأنه أن يهزّ المنطقة برمتهاquot;.

لا شكّ أن في تهديدات الأسد هذه بعضٌ من الصحة، لا سيما وأنه لا يزال يملك الكثير من الأوراق الخطيرة التي يستطيع اللعب بها في المنطقة، ولكن السؤال ههنا، هو:
ما الحكمة في ذلك، طالما أن النتيجة ستكون في غير صالح سوريا كدولة وشعب، أولاً وآخراً، فضلاً عن أنها ستنتهي به وبنظامه إلى أكثر من quot;نهايةٍ حزينةquot;، كما توّقع أصدقاؤه الروس، قبل أشهر؟
ما الحكمة في أن يشعل الأسد العالم ويكون هو ونظامه أول المحترقين؟
ما السياسة في أن يشطب الأسد على أوروبا وأميركا والجامعة العربية وعلى الجيران من تركيا إلى الأردن، ويكون هو ونظامه أول المشطوبين؟
ما العقل في أن يحكم الأسد على سوريا وكلّ ما حولها بquot;زلزالٍ عظيمquot;، ويكون هو ومن حوله أول المزَلزَلين؟

بعد مرور أكثر من تسعة أشهرٍ على الإنتفاضة السورية، وسقوط أكثر من أربعة آلاف شهيدٍ، وأضعاف أضعافهم من الجرحى والمعوّقين والمعتقلين، لا يزال الأسد هو هو، لا يسمع ولا يقرأ ولا يرى: شعبه والعالم كله في وادٍ وهو في واد.

قال الأسد أن سوريا ليست بتونس ولا مصر ولا ليبيا، ولكنها تدحرجت نحو الأسوأ، والقادم أعظم.

صالح تصرّف بحنكةٍ ستسجّل له، تاركاً اليمن يذهب إلى quot;سعادتهquot;، فهل سيغادر الأسد حبكته وصناعته للقتل، تاركاً سوريا تذهب لحكمتها وأمانها وسلامتها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أم فاته القطار، بتفويته للفرصة الأخيرة التي منحته إياه الجامعة العربية؟


هوشنك بروكا

[email protected]