في الصراع الدائر بين رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي، وخصومه السيدان طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية و نائب رئيس الوزراء صالح المطلك. يبدو ان استعمال كل الاسلحة مباح، من التفجيرات والكاتمات والمفخخات، الى الاكاذيب وادخال العراق والطائفتين الشيعية والسنية في صراع وجود، لا نهاية له.

في الاتهام الموجه للسيد طارق الهاشمي هناك ضعف واضح، فشخص بمنصبه لا يمكن ان يضع نفسه في صورة قائد الارهاب بشكل مباشر، كما صورتها الاعترافات التي ادليت من قبل بعض المتهمين ممن القى القبض عليهم. ولكن بالطبع لا يمكن نفي تهمة الطائفية عن السيد الهاشمي، وخصوصا انه كان زعيم حزب طائفي بحق، كالحزب الاسلامي الخاص بالسنة، وهو هنا لا يختلف بشئ عن السيد المالكي زعيم حزب الدعوة الاسلامي الخاص بالشيعة.

ان الاتهام الموجه للسيد طارق الهاشمي له ابعاد كثيرة، وليس بعدا جرميا واحدا، فالاتهام يستند الى وقائع يقال انه اشترك فيها، والاتهام معلن ودافع السيد نوري المالكي عن الاتهام وعززه بانه يمتلك معلومات اكثر تفصيلا، وبالتالي لا تراجع عن الاتهام، ولا ترك المسألة الى القضاء ليحكم فيها. من هنا باعتقادنا لا يمكن الوصول الى قاسم مشترك بين الرجلين الا برحيل احدهما عن الساحة رحيلا دائما، فاثبات التهم كفيل ليس فقط برحيل السيد الهاشمي، بل ويمكن القول بنهايته كوجود حي. واعتبار التهمة غير صحيحة تتطلب رحيل السيد المالكي، لانه اتهم شخصا بريئا، بتهمة كبيرة وهو شخص يتبواء منصبا عاليا في الدولة ويحضى بتأيد كبير في الطائفة السنية، وحتى ان لم يكن يحضى بتأييد كبير فانه بلا شك سيحضى بها بعد الاتهامات في الاجواء الطائفية المشحونة القائمة في العراق.

ان انكشاف الضعف والاهتراء في نسيج الدولة العراقية كان بالتاكيد احد النتائج المهمة لهذه الازمة، فبالرغم من ان العراق دولة فدرالية وحسب الدستور، الا انها تعتبر وككل الدول الفدرالية دولة لها اجهزة موحدة ومتماسكة، ففي الحين الذي صدر امر قضائي من جهة عليا بالقبض على السيد الهاشمي، يتطلب الامر تنفيذه من قبل كل الاجهزة العراقية الاتحادية والاقليمية، الا ان صمت الاجهزة في اقليم كوردستان عن عدم تنفيذ الامر القضائي يعبر عن هشاشة التماسك العراقي، حتى لو اعتبرنا ان قيادة الاقليم تريد تبريد الاجواء المشحونة للوصول الى حلول تبعد العراق عن تجدد الصراع الطائفي.

ومن الظواهر الملازمة لهذه الازمة، الثقة المفقودة التي يبديها السيد الهاشمي وبعض القيادات في القائمة العراقية بالقضاء العراقي الاتحادي، رغم انهم ومن مواقعهم التشريعية والتنفيذية، كان من المفروض ان يعملوا لتطوير القضاء العراقي عن كل ما يشوبه من عيوب ونواقص لكي يكون قضاء نزيها، يمكن ان يلجاء اليه المظلوم وهو مطمئن الى انه سيجد النصير والحق من لدنه. ولكن الظاهر ان اخر ما كان يهمهم هو القضاء العادل. فالواقع العراقي، الملئ بالشكوك وعدم الثقة، ضمنت للكثيرين مواقع ومناصب لا يستحقونها، لانهم ليسوا كفؤا لها، وكل ما يمتلكونه، هو انهم قادرون على وضع العصى في دولايب الدولة لو لم يشاركوا في لعبة السلطة. وهذا ليس حكرا على القائمة العراقية ولكنه يطال مختلف الاطراف، لانهم ارتقوا مناصب بحجة حماية الطائفة من الاخرين ليس الا وليس لحماية البلد والشعب وضمان تطوره الاقتصادي والامني وضمان العدل فيه.

ان ما لجاء اليه السيد المالكي يسمى بسياسة حافة الهاوية، وهي سياسة لا تهتم بالوطن وبالشعب وبمدى التضحيات التي سيقدمها نتيجة لذلك، بل ان منبعها ذاتي ودافعها شخصي، وهي تعني ان السيد المالكي قد وصل الى مرحلة لا يمكنه ان يطيق الرجلين وخصوصا الهاشمي، لانه مع قضية السيد صالح المطلك، يمكن ان تحل سياسيا لانها لاتزال قضية سياسية ولم تتحول الى قضية جنائية واتهامات كبيرة. وبالتالي فقد اخذ قراره على اساس علي وعلى اعدائي مهما تكن النتائج.

صار من الواضح ان الطبقة السياسية كلها متهمة، وليس المشاركين في هذا الصراع الانتحاري فقط. والدليل ان الطبقة السياسية لا تزال ورغم كل التجارب المفجعة التي مر بها العراق منذ تاسيسه ولحد الان، لا تزال تهتم بالصراع الذي اندلع منذ اربعة عشر قرنا بعد معركة الجمل. حيث ومنذ عام 1921 اي منذ تسعون عاما، لم تتمكن القيادات العراقية من خلق لبنة قوية لوحدة الشعب، مع الاحتفاظ بالتمايز القومي والديني والطائفي كحالة حضارية تغني العراق ولا تعيبه.

بل جربت مختلف الاطراف فرض رؤيتها ومنطقها ومبادأها على الجميع بالحديد والنار والان بالمفخخات والكواتم. ان الصراع الطائفي ليس وليد اليوم، بل هو سمة تاريخ العراق خلال القرون الاخيرة، والاتهام الذي يوجهه البعض بانه وليد الاحتلال الامريكي، هو اتهام باطل ومحاولة اخفاء الحقائق ومنح صفة الوطنية لبعض القيادات، التي تمكنت من قمع اي ظهور مميز لاحتفال طائفي بحجة الوحدة الوطنية التي كانت مفروضة من الاعلي بالقوة.

ان الاحتقان الطائفي جاء نتيجة للصراع التاريخي من ناحية ومن ناحية اخرى لشعور بعض الطوائف بالظلم الدائم مما اورثها الرغبة في الانتقام مما لحق بها من الاذية. واليوم تشعر الطائفة اخرى بانها ليست في مركز القوة والريادة، وهي التي قادت العراق منذ تاسيسه، الامران الظلم التاريخي وفقدان الريادة، خلق الشكوك والرغبة في الانتقام ومن ثم هذا الاقتتال الدامي.

وصار التنادي بالاخوة وبرمي المسؤولية على الاخر الاجنبي او الجار، حالة يدرك العراقي ان الجميع يريد اخفاء الحقائق، وعدم التصريح بالوقائع، تمهيدا لجولة جديدة من الاقتتال. اليوم صار مطلوبا، ان نضع الامور في نصابها، ونعمل من اجل المواطن والمواطنة المتساوية، مع دعم واحترام التمايز واعتباره حالة وطنية يختفى بها. وان تكون الدولة كلها راعية التمايز ولا تمنحها لاي فصيل سياسي، لكي يدعي الدفاع عن هذه الطائفة او تلك. وهذا لن يحدث الا من خلال تحرير الدولة من اغلال الدين، واعتبارها دولة الجميع بلا تفرقة.

[email protected]