وهكذا، ورغم تهويشات خطب المالكي وأجهزة دعايته، وفتاوى شيوخ الدين ووكيل خامنئي في النجف الآصفي، ودعوات مقتدى الصدر الإيرانية، تخرج المظاهرات الشعبية في بغداد والمدن الأخرى، في quot; 25 فبراير الغضب العراقيquot;، مطالبة بالخدمات والعمل واستئصال الفساد والحريات الفردية وإبعاد غير الأكفاء عن مراكز المسئولية.

رئيس الوزراء كان قد شن، عشية المظاهرات، حملة تخويف وتهديد، زاعما أن القاعديين والصداميين وراء المظاهرات، وأنهم يريدون تدمير quot;الديمقراطيةquot; العراقية- هذهquot; الديمقراطيةquot; اللاديمقراطية أصلا. وزعم المالكي وأركان دعايته وجود quot; أدلةquot; تبرهن على تسلل مخربين للعبث بأمن البلاد ونشر الرعب والدمار- quot; إنها لإحياء صوت الذين دمروا العراقquot;، هكذا كانت صرخة المالكي عشية المظاهرات.

وقامت المظاهرات الحاشدة في بغداد برغم التدابير الاحترازية ووضع الحواجز والأسوار في الطرق والجسور لمنع التحشد في ساحة التحرير، ورغم الطائرات المحلقة فوق الرؤوس ناثرة ما يشبه الغبار[؟؟]. وبرهنت الحكومة من جديد على ديمقراطيتها التعسفية باستعمال القوة والعدوان على الصحافة واعتقال الصحفيين، في بغداد والمدن الأخرى. وإذن فالخطر الحقيقي والتهديد الفعلي كانا من أجهزة الحكومة نفسها وبالذات!

إن مظاهرات الجماهير العراقية قد عبرت عن وعي وطني عراقي رفيع، مستخدمة الأساليب السلمية، ومكذبة جميع مزاعم الحكومة وأبواقها عن دور الصداميين والقاعديين، وquot; الرائحة الكريهةquot;- التي شمتها أبواقها - من وراء مشروع المظاهرات. ودل خروج المظاهرات في النجف وبغداد والمدن الجنوبية، رغم فتاوى العمائم الشيعية المتسترة على الفساد والفاسدين، على أن هناك بدايات إدراك شعبي لمآرب هؤلاء ودورهم في دعم سياسة خنق الحريات الفردية وتثبيت نظام المصاصصة.
إن مظاهرات بغداد ضد الاعتداء على الأدباء والثقافة والفنون كانت قد اندلعت قبل زلازل تونس ومصر، وإن مظاهرات يوم 25 شباط- فبراير- جاءت تواصلا لتلك ومتجاوبة أيضا مع الشارع في تونس ومصر وليبيا، ومتأثرة بزلازلها الثورية.
لقد انتفض العراقيون عام 1991 قبل شعوب البلدان العربية الأخرى لولا تدخل عناصر فيلق القدس وتشويه الانتفاضة العفوية، وما رافقها من ممارسات وجرائم طائفية مدانة؛ وهذا ما ساعد النظام الصدامي على قمعها بكل وحشية قد لا تصلها حتى وحشية القذافي. وأتت الفرصة الذهبية في 9 نيسان 2003 حين سقط النظام الصدامي، وتحققت للشعب حريات واسعة، ولكن النخب السياسية العراقية برهنت على تخلفها المروع وعلى جشعها للسلطة والامتيازات وبعدها عن أماني الشعب. واقترن ذلك بأخطاء التخطيط الأميركي وتدخل القوى الإقليمية، والتحالف الإيراني ndash; السوري خاصة، وتغلغل القاعدة بجرائمها الدموية. وهكذا انتهى العراق وهو تحت هيمنة إيران وقيام العملية السياسية على أساس المحاصصة الطائفية.

لقد قدم الشعب العراقي تضحيات من أجل الحرية والحياة الكريمة أكثر مما قدمتها شعوب كثيرة أخرى، وعاني من المظالم الأكثر هولا، وها هو اليوم، وقد تفاقمت مشاكله والمظالم، من فقر وفساد وبطالة وطائفية ومحاصصات وسحق للحريات الفردية ومن تدخل إيراني في الصغيرة والكبيرة ومن جرائم قتل جماعية، وإذا به يبدأ بالانتفاض على الأوضاع المزرية وعلى الظلم والنهج الطائفي.

لقد هددوا المتظاهرين بوجود quot;خططquot; قاعدية - بعثية صدامية للعدوان على المتظاهرين. ولكنهم لم يلجئوا لسلاح التخويف وهم يشجعون ويمولون الزيارات الدينية quot; المليونيةquot; في متاجرة مذهبية بائسة، وبرغم علمهم بأن تلك الزيارات- سيرا على الأقدام- معرضة حقا للعدوان الدموي الأثيم. ورغم العلم المسبق بخطورة تلك الزيارات، فإن رئيس الوزراء وحزبه وبقية الأحزاب الطائفية والمراجع الدينية لم يتفوهوا بعبارة واحدة من نصح وتحذير.

المتظاهرون قد برهنوا على عراقيتهم ومشروعية مطالبهم، ورفضهم لعودة نظام بائد لا يمكن أصلا أن يعود ولم تبق له شعبية ما ولا ركائز يعتد بها. وقد أجبر رئيس الوزراء على التراجع عن كل ما تفوه به عشية المظاهرات ولحد quot; شكر المتظاهرينquot; - [ نعم شكرهم بعد تهديداته!!] - لأنهم لم يقعوا في quot;فخاخquot; الصداميين والقاعديين، تلك الفخاخ الموهومة إلا في خطبه ودعاية مشايعيه.

إن القوى الحية الواعية من شعبنا، وخصوصا من العلمانيين والديمقراطيين واللبراليين، مدعوة لمواصلة نضالها السلمي العادل ضد الفساد والمظالم ومن أجل العدالة الاجتماعية والحريات الفردية المسحوقة ومن أجل دولة المواطنة والمساواة وحقوق المرأة والأقليات الدينية، ودستور مدني ديمقراطي لا يقوم على أحكام الشريعة. كما تجب المطالبة بمحاسبة المسئولين عن إطلاق الرصاص وقتل وجرح العشرات، وبإطلاق سراح الصحفيين المعتقلين والكف عن الاعتداء المستمر على وسائل الإعلام والإعلاميين.

فتحية لشعبنا، وكل التحيات لسائر الشعوب المنتفضة من أجل الحرية والحياة الكريمة.