من مفكرة سفير عربي في اليابان
عانت منطقة الشرق الأوسط في القرن العشرين من إرهاصات الاستعمار الغربي، وخلافات حركة التحرر الوطني، والصراعات الإيديولوجية لليمين واليسار، والانقلابات العسكرية المتكررة، وثورة الإسلام السياسي، ومع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، تعرضت المنطقة لطوفان انتفاضة العولمة. ومع أن دول quot;الآسيان+3quot; عانت من نفس هذه التحديات في القرن الماضي، واستمرت في مواجهة تحديات جديدة لعولمة الألفية الثالثة، ولكنها نجحت في تجاوز الكثير منها، ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: كيف استطاعت دول quot;الآسيان+3quot; تجاوز الكثير من هذه التحديات وخلق اقتصاديات صاعدة؟ وما دور الصين في هذا التجمع الإقليمي؟ وهل سيستفيد الشرق الأوسط من هذه التجربة لتحويل المنطقة لواحة سلام سياسي، ووئام تكامل اقتصادي، ليحقق آمال شعوبه في التنمية والازدهار؟ وما دور المملكة العربية السعودية، بحكمتها التاريخية، وأرثها الحضاري، وقوتها الاقتصادية، ومكانتها الدولية، وحزمها في التعامل مع الأزمات المستعصية، في التطورات المستقبلية للشرق الأوسط؟
لفت نظري في شهر ابريل الماضي مقالين في الصحافة العالمية، صدر المقال الأول بمجلة الفورن أفيرز (الشؤون الخارجية)، وكتبة الاقتصادي ألأمريكي، نوريل روبيني، أستاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك، مع زميله، رئيس مجموعة يوريسيا، إيان بريمر. ويبدأ الكاتبان مقدمة المقال بقولهما: لم نعد في عالم quot;مجموعة 20quot;، فالمجموعة القائدة لاقتصاديات العالم تحولت من مجموعة تناغم عالمي، إلى مجموعة من نشاز أصوات متنافسة، وخاصة بعد أن انحسر إلحاح الأزمة المالية، وبرزت اختلافات القيم السياسية والاقتصادية بين المجموعة. كما لم تبرز quot;مجموعة 2quot;، بحلولها الأمريكية الصينية للمعضلات الدولية، لأن الصين لا ترغب في قبول الأعباء المترافقة بمسئولية قيادة العالم. وتنازلت quot;مجموعة 3quot;، الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، عن دورها في إنقاذ الوضع الدولي. فتفتقر اليوم الولايات المتحدة للموارد التي تحتاجها لتستطيع قيادة العالم، بتوفيرها بضاعة عامة لعالم العولمة، كما أن وأوروبا منشغلة في إنقاذ منطقة اليورو من الزوال، واليابان منهكة بتحديات بلادها السياسية، والاقتصادية، وتبعات كوارثها الطبيعية. فلا تملك حكومات هذه القوى الغربية الوقت، ولا الموارد، ولا السياسات الوطنية الضرورية، لتطوير الوضع الدولي. وفي نفس الوقت، لا يمكن وجود إجابات مقنعة للتحديات الدولية، بدون مشاركة مباشرة للقوى الصاعدة، الصين والبرازيل والهند، ومع ذلك، تركز هذه الدول على تنميتها الوطنية، ولا ترحب بأعباء مسئولياتها الدولية. لذلك، نعيش اليوم في مجموعة الصفر العالمية، التي لا تمتلك فيها أي دولة القوة الاقتصادية، ولا الرغبة، لتحريك جدول الأعمال العالمي. وستكون النتيجة، صراعات حادة على المسرح الدولي حول قضايا حيوية، التنسيق الاقتصادي الدولي، إصلاحات السوق المالية، تطوير قوانين التجارة العالمية، وسياسات معالجة التغيرات المناخية والوقاية منها. وسيكون لهذا النظام العالمي الجديد تبعات على اقتصاد العولمة، في الوقت الذي تملك الشركات الخاصة العملاقة ثورة مالية ضخمة، وتنتظر بفارغ الصبر انتهاء سحابة الأزمة السياسية والاقتصادية الدولية، وقد تنتظر طويلا.quot;
والتعليق الثاني تصريح للأمين العام quot;للآسيان+3quot;، الدكتور سورين بتسوان، على زيارة رئيس الوزراء الصيني، ون جيابو، القادمة لجاكارتا، حيث قال: quot;سيكون عام 2011 مثمرا جدا لعلاقات الحوار الأسيوي الصيني. ويحتفل الطرفان في هذا العام بالذكرى العشرين لحوار التعاون الأسيوي الصيني، والذي حقق شراكة الفوز للطرفين، كما سيقوم الطرفان بتنفيذ سلسلة من النشاطات لدعم علاقات جوار حميمة، وتطوير التعاون، وتعميق الصداقة بين شعوبهما.quot; ورحب الطرفان بمشاركة الولايات المتحدة وروسيا في القمة الشرق أسيوية. كما أكد رئيس الوزراء الصيني quot;ضرورة استمرارية لعب الآسيان+3 دور مركزي في توسيع القمة الشرق أسيوية، التي عليها التركيز على الأمور الهامة لدعم التنمية الوطنية، والتقدم الاجتماعي لشعوب المنطقة.quot; وهنا ترجعني الذاكرة لمجلة الفوربس الأمريكية التي أختارت في العام الماضي ثلاثة من قيادات العالم، كأثر القيادات قوة على الساحة الدولية، وهم الرئيس الصيني هو جنتو، والرئيس الأمريكي بارك أوباما، وخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز السعود.
ترجع فكرة الآسيان لعام 1967، حيث اتفقت إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند على تشكيل رابطة أمم جنوب شرق آسيا، وانضمت لها بعد فترة من الزمن كل من بروناي والفيتنام ولاوس وماينامار وكمبوديا. وقد توسعت قمة هذه الرابطة في عام 1997، بعد الأزمة النقدية الأسيوية، لتصبح آسيان+3، لتضم الصين وكوريا واليابان. ويهدف هذا التجمع لتسريع التنمية الاقتصادية، والتطور الاجتماعي، والتقدم الثقافي بين دولها، وبجهود مشتركة، وبروحانية المساواة، وشراكة الثقة، لتقوية قواعد مجتمع مزدهر ومسالم، لأمم جنوب شرق أسيا. كما أكدت هذه الدول على ضرورة تعزيز السلام الإقليمي، والإستقرار، واحترام العدالة والقانون، والالتزام بأساسيات ميثاق الأمم المتحدة، وذلك باحترام استقلالية، وسيادة، والمساواة، وسلامة، ووحدة الحدود، والهوية الوطنية لكل منها. بالإضافة لحق كل دولة قيادة وجودها الوطني، بدون أي تدخل، أو قسر، أو تخريب، وبدون التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها، مع رفض التهديد واستخدام القوة بينها، والعمل المستمر للتعاون المثمر بين شعوبها لتستطيع تحقيق منطقة ازدهار تعاون اقتصادي شرق أسيوي.
وقد لعبت الصين دورا بارزا في هذا التجمع، واستخدمت حكمتها الكنفوشيسية للتعاون مع جيرانها. وبالرغم من النقد الغربي المستمر للنظام الصيني، أستطاع خلال الأزمة الاقتصادية لعام 2008 أن يثبت جدارته في التعامل مع معضلاته التنموية، ومساعدة جيرانه في تجاوز هذه الأزمة بأقل نسبة من الأضرار. وقد نمى اقتصاد الصين خلال الثلاث عقود الماضية بمتوسط نسبة تقارب 10% سنويا، وارتفعت مدخراته الخارجية في العام الماضي إلى 2.4 تريليون دولار. وتبين استطلاعات الرأي الأمريكية لعام 2009، بأن 44% من الأمريكيين يعتقدون بأن الصين هي القوة الاقتصادية الأولى في العالم، بينما 27% منهم يقدمون الاقتصاد الأمريكي. فقد أستيقظ التنين الصيني بعد نوم قرنين، ليستبدل انفعالات الثوريات الأيديولوجية، ببرغماتية الإصلاحات الاقتصادية، وليؤكد quot;بأن تحقيق التنمية لا يعتمد فقط على إطلاق الحريات السياسية اللبرالية، بل أيضا على التحكم المتزن للعثماتها المضطربة.quot; والسؤال: ما سر هذه البرغماتية الشرق الآسيوية الناجحة؟ وهل ستطور هذه المنطقة بقيادة الصين حداثة شرق آسيوية متميزة عن الغرب؟ وهل سيؤدي ذلك لنظام عالمي جديد؟
يعلق البروفيسور البريطاني، مارتين جاكوس، في مقدمة كتابه، متى ستحكم الصين العالم؟ على التغيرات المستقبلية المتوقعة في الصين بقوله: لقد عشنا قرون طويلة في عالم صنعه الغرب وارتبطت الحداثة باسمه، بينما سيكون القرن الواحد والعشرين مختلفا تماما. ففي عام 2027 ستتجاوز الصين الاقتصاد الأمريكي لتصبح أكبر اقتصاد عالمي، وسيستمر اقتصادها في الصعود، ليتجاوز إنتاجها المحلي الإجمالي السبعين تريليون دولار في عام 2050، أي ضعف الاقتصاد الأمريكي في ذلك الوقت، وستسجل الهند نجاحات اقتصادية باهرة، ليتساوى الإنتاج المحلي الإجمالي الهندي والأمريكي. وسيترافق كل ذلك بتغيرات اجتماعية وثقافية وسياسية محلية وعالمية لا يمكن فهم صداها حتى الآن. وخاصة بأن الصين لن تمشي على خطى العولمة الغربية، بل ستشكل العالم بتصوراتها الخاصة والذي يعكسه دراسة تاريخها. فالحضارة الصينية ثرية وقديمة، وفي نظامها الرافد، والذي استمر لقرون طويلة، تمحورت جميع ولاياته حول المملكة الوسطى. ومع تغيرات العقود القادمة، ستبرز هذه الحضارة بأفكار معاصرة لهرمها العرقي السياسي، وسيطمئنها من جديد إحساسها القديم بالتفوق. وسينصدم الغرب بحقيقة أن نظمه ومؤسساته وقيمه لم تبقى الفريدة في عالم العولمة الجديد. ولتبدأ في حياتنا، عملية انتقال القوة الاقتصادية والثقافية من نيويورك ولندن إلى بكين وشنغهاي، وسيمتد الصعود الصيني ليستلم كرسي الغرب وليخلق نظام عالمي جديد، كما ستتطور الحداثة لتأخذ صيغ عديدة، فلن ينفرد الغرب بحداثته الأوروبية. ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان
التعليقات