الكون... وحدة موازين فلكية من مجموعات منظمة، منها مجموعتنا الشمسية المكونة من مجموعة الكواكب السيارة ومن بينها أرضنا التي تتواجد عليها مجموعة أنظمة منسقة ودقيقة من الكائنات الحية التي تتكون من مجموعة أمم الإنسية والجنية والحيوانية والنباتية والحشرية وغيرها... وأمما لإنس تتكون من أقوام وشعوب وقبائل متعددة الأجناس والألوان واللغات.

لكل قوم من البشرصفات خاصة بهم وفضّل الله أقواماً على أقوام في الصفات لحكمة يراه سبحانه وتعالى، فمهماأردنا أن نقيم هذه الأقوام لا نستطيع أن نصل إلى درجة كافية في سرد كل الصفات المتعلقة بهم. ولكن لا يمنعنا هذا في عدم المحاولة في ذكر هؤلاء أمانةً للتاريخ البشرية ودروس المستقبل الأجيال القادمة.

العراق بلد عريقله تاريخ مميز لا يستطيع أحد أن ينكره كائنا من يكون، سمي بمهد الحضارات والرسل والأنبياء ومنبع العلوم والقوانين، مدن العلوم والحكم، وادي الرافدين وأرض الخصب والنماء، بلد الخيرات والعطاء، مدرسة التضحيات والفداء، ساحة الانتصارات وحاملة البيداء. احتضن أقواماًعديدة منهم انقرضت ومنهم من رحلت ومنهم من اختزلت ومنهم من تدوم إلى عصرنا الحاضر.

العراق بلد يتكون من قوميات عديدة ومختلفة الأجناس والأعراق واللغات والمذاهب والمعتقدات والثقافات بحكمالقدم الحضاري لوادي الرافدين، والقوميات الرئيسية في العراق حسب عدد نفوسها هم العرب والأكراد والتركمان وهناك أقليات كثيرة من الأقوام العديدة (الآشور والسريان والكلدان وغيرهم) لا نتطرق إليهم في هذا المقام لضيق المقال. وبما أن الكثيرين يعلمون ويكتبون الكثير عن عرب وأكراد العراق بعددهم وعدتهم وأصواتهم إقليمياً ودولياً، نجد بأن ثالثأكبر القوميات العراقية عدداً ألا وهم التركمان قد تناست حقوقهم السياسية والاجتماعية لأسباب الداخلية والخارجية، وقليل من يكتب بمصداقية عنهم. والكتابة عن تركمان العراقليس بأمر هين لأن كثيراً من الحقائق طمست في دهاليز التاريخ وأخفيت تحت أنقاض العصورالغابرة وبعضهم وضعت على رفوف أرشيف الماضي أو على هوامش الموسوعات.

فان أردنا أن نقيم الشعوب عند وضع ميزان التقييم فعلينا ذكر ما في كفي الميزان معاً مهما كانت حجم السلبيات والإيجابيات.

التركمان أناس انحدروامن عرق الأوغوز في أسيا الوسطى وترجع أصولهم إلى يافث بن نوح وصولاً إلى آدم (عليهالسلام) ولهم صلة بأسلافهم السومرية، علما بأن المؤرخين اختلفوا في أصل الأجناس اختلاف اضئيلاً ولكن أصل التراكمة رجح إلى أوغوز خان بجانب قبائل الأويغور (تركستان الصين الشرقية)والمغول والتتار (جمهوريات السوفييت البائدة) والآزريين وأتراك بالان وقاقاووز وغيرهم.وملحمة أوغوزنامة تبين وقائع تاريخية معينة ذات علاقة بالمعتقدات التركية وطرق العيشفي المجتمع التركي، وتعتبر جزءاً مهماً من الملاحم التركية الكبرى التي تمجد أعاظم الشخصيات التركية التاريخية.

لسنا هنا لسرد تاريخ التركمان الذي يحتاج إلى مجلدات كثيرة، ولكن نحن هنا لتقييم تركمان العراق ولو بشكلمبسط ومفيد، فبقدوم التركمان إلى العراق مثل باقي الشعوب واستيطانهم فيه في الحقب التاريخيةالمختلفة وظروفها والى عصرنا الحالي، نقف أمام واقع ملموس لا يقبل الشك بأن تركمانالعراق يعتبرون من سكان العراق العريقين ولهذا القول شواهد وأدلة من المؤرخين القدماء.وكانت لتركمان العراق إمارات وحكومات مثل الإمارة الأتابكية في الموصل (الزنكية) حكمتقرناً كاملاً (1127-1233م)، والإمارة التركمانية في أربيل حكمت 65 عاماً (1144-1204م )، والإمارة التركمانية في كركوك (623هـ، 1230م) وقد سميت (الإيواقية)أو (الإيوائية) وشملت السليمانية الحالية وسهل شهرزور. أما الحكومات التركمانية فيالعراق: الدولة السلجوقية حكمت 76 عاماً ( 1118 ndash; 1194م )، والدولة الجلايرية حكمت73 عاماً ( 1338 ndash; 1411 م )، والدولة البارانية (قرة قوينلو) حكمت 59 عاماً (1411ndash; 1470م)، والدولة البايندارية (آق قوينلو) حكمت 40 عاماً (1470 ndash; 1580م)، وحتىأياج حكم الدولة الصفوية (1508 ndash; 1534م ) والتي حكمت 26 عاماً فقط كان للتركمانحكمهم في مناطقهم، فان عام 1534م هو عام الذي قام فيه السلطان العثماني سليمان القانونيحملته على العراق، عند ذلك انتهى دور التركمان بصفتهم حكاما مباشرين في العراق بظهورالعثمانيين على المسرح السياسي وتوليهم الحكم فيه وكان ذلك سبباً في اختزال دورهم فيسياسة العراق لطول مدة حكم العثمانيين الذي ما استطاع أياً من الإمبراطوريات أو الحكومات أن يدوموا مثل هذه المدة الطويلة مثلما استطاع العثمانيين بقرابة 6 قرون، بل اقتصردور التركمان على تقديم الدعم والإسناد المعنوي والمادي بمستوى معين لا يرقى إلى مستوىقيادة وإدارة الولايات في معظم الأوقات. وتفرغوا إلى الحياة المدنية بعد أن ملوا الحروبوالصراعات لسنين طويلة، وأصبحت ميولهم تتجه إلى العيش الرخيّ والحياة المدنية التي اعتادوها وزاولوا الزراعة والتجارة والنجارة والصناعات اليدوية الأخرى كما استهواههمالأدب والشعر، وتلقي العلوم الدينية والدنيوية. تكاثرت نفوسهم ووصلت الى 4 ملايينحسب احصائيات منظمات التركمانية ومليونيين ونصف مليون حسب إحصائيات الرسمية. والمناطقالتي يسكنها التركمان في العراق حاليا هي: كركوك، أربيل، تلعفر، الموصل، آلتونكوبري، تازه خورماتو، داقوق، طوز خورماتو، آمرلي، كفري، قره تبه، قره خان، يايجي،طوبزاوه، قزلريار، تركلان، ليلان، خانقين، قزلرباط (السعدية)، شهربان (المقدادية)،المنصورية، داتاوه (خالص)، جلولاء ومندلي، وغيرها من الأقضية والقرى التركمانية، وهذهحقائق لا يستطيع أي عراقي حر وشريف أن ينكرها إلا من باع عرضه وشرفه قبل أن يبيع وطنه وشعبه.

التركمان أناس عرفوا بطيبة القلب وسماحة الطبع وحسن المعاشرة وذكاء ملموس تشهد على ذلك وصولهم إلى المناصب الإدارية المرموقة والمميزة في كثير من الميادين الفنية والطبية والعلمية، إلا المناصب السياسية والحكومية الحساسة ومما لا شك أن ثمة مؤثرات وعوامل وتصورات قادتهم إلى هذاالسبيل منها: الانعزال السياسي والاجتماعي، والابتعاد عن الواقعية والتمادي بالانعزالية،والتقوقع الاجتماعي والإتكالية والتعلق بأمل ولو كان هذا الأمل ضئيلاً. أصبحوا لا يتدخلون في كثير من الأمور تدبر من قبل أعدائهم بل ينتظرون إلى أن يحصل شيء حتى يتحركوا، كانواوما زالوا هم وقود الأحداث وليسوا صانعي الأحداث، وما كانوا يستغلون الأحداث لصالح قضاياهم أو لمصالحهم السياسية والاجتماعية في كلا حقبتين الملكية والجمهورية وخير دليلعلى ذلك المجازر التي حصلت للتركمان مثل مجزرة التياريين (الليفي) عام 1924 ثم تلتها مجزرة كاور باغي التي حدثت يوم الثاني عشر من شهر تموز / يوليو عام 1946، وأصعبهم مجزرة كركوك الدامية في 14 تموز 1959م، كانوا يعلمون بأن أعدائهم يدبرون لهم أمراًبالليل وهم نيام ويتدفقون من كل فجٍ و يرون بأن أعدائهم يشهرون على وجوههم آلات القتل والحبال ويشتمون ويهددون ويتوعدون بأنهم سوف يحتلون مدينتهم عاجلاً أم آجلاً، بل وحددواذكرى مجزرة كاورباغي في 12 تموز نقطة صفر لبدأ مجزرتهم في مدينة كركوك وأشاعوا بينالناس شعارات الكراهية والتمييز، ولكن التركمان كانوا لا يعرفون الغدر وما كانوا يتوقعون من أناس ما غدروا من قبل التركمان سوف يغدرون فيهم مثلما حصلت في مجزرة كركوك التيهي وصمة عار في تاريخ العراق الحديث. والتركمان ما أعدوا شيئاً حتى للدفاع عن أنفسهم ومدينتهم ووجودهم، بل فرحوا عندما مر يوم 12 تموز بسلام ولم يحصل شيء وظنوا بأن الوعيدوالترهيب من أعدائهم ما هي الا أكاذيب وإشاعات بين الناس لصفاء قلوبهم وظنهم الحسن المفرط لغيرهم. وعندما حصلت المجزرة السوداء اندهشوا وتفاجئوا وفقدوا السيطرة علىوضع المدينة الى درجة ما استطاعوا أن يعملوا شيئا سوى ترك الساحة أمام الأعداء ليعيثوا بالأرض فساداً ويقتلوا ويسحلوا! أفاضلهم ورؤسائهم ورجال المثقفين ذوي المناصب المرموقة والعوائل المعروفة في المدينة إلى أن مرت ثلاث أيام عجاف وخرج الناس من بيوتهم ومخابئهم عندما جاءت سرية من قبل الحكومة المركزية في بغداد، وعزلوا السرايا المتمردة من العنصريين اللادينيين من بعض أكراد العراق والفوضويين المدسوسين من قبل أعداء العراق وسيطرواعلى الوضع وعاد إلى ما كان عليه من قبل ولكن التركمان بعظم صدمتهم ما عادوا إلى وضعهم وطبيعتهم مثل ما كانوا عليه قبل بل فقدوا الثقة في كل شيء وبعضهم فكر بترك المدينةومنهم من هاجر وهذا ما كان يخطط به أعدائهم.

سببت المجزرة صدمةعنيفة للتركمان استمرت آثارها حتى زماننا هذا. وسرد المجزرة ذات المآسي المرعبة بشكل مبسط لا يعطي كل مفهومها ولكن كتب التاريخ العراقي دونت تلك المجزرة بأكثر تفاصيلها المقززة. ولكن ما يهمنا في هذا المقام لتقييم التركمان هو بأنهم أناس لا يحبون العنف والقتل بل هم مسالمين إلى درجة مفرطة والدليل على ذلك هو إلى الآن لا يوجد لديهم أية قوة أو مجموعة مسلحة في الساحة العراقية في الداخل أو الخارج، حتى عندما شكل التركمان(مجموعة الانتقام) بعد مجزرة كركوك بشهور لينتقموا بأنفسهم من قتلة المجزرة بعد أنفقدوا ثقتهم من الحكومة بأن عاقبوا بعضهم في محاكم صورية وبالسجن لمدة قصيرة ثم خرجواإلى مناصب مرموقة في الحكومة، شكلوا هذه المجموعة من أشخاص كانوا معروفين بشدتهم وقوتهموفتوتهم وأكثرهم كانوا من الجزارين وأصحاب السوابق الذين يحبون التضارب مع الناس!،أما بقية التركمان لا يحبون المشاكل ويتركون الأمر لله بإيمانهم الصادق لله تعالى بأنههو المنتقم الجبار. كل الحكومات غدروا بالتركمان وخصوصا الجمهوريون والقوميون والبعثيون،وفي أيام النظام الأخير حصدوا رؤساء ونشطاء ومفكرين التركمان فردا فردا وهم جالسونفي بيوتهم، وزجّوا آلاف من المثقفين التركمان إلى السجون والمعتقلات وهرب من فر بجلدهإلى المهجر.

حتى في المهجر، أغلبالتركمان خاصة وأغلب العراقيين عامة تجدهم قد اختزلوا في تلك المجتمعات وانغمسوا فيأروقتها ومتاهاتها، بحيث لا تجد منهم إلا قليلا من يحمل هم قضيته ويفكر بجدية بأن يخطخط رجعة إلى بلده ووطنه الذي ولد وترعرع في وافر ظلاله، بل ولا يعلمون أولادهم بأن يحملوا قضيتهم من بعدهم بل أصبحوا لا ينتمون إلى تلك القضية، بل أصبح أولادهم لا يتحدثون بلغتهم الأصلية أو لهجتهم التركمانية العراقية. وهذا حال أكثر العراقيين في المهجر إلا من رحم رب العالمين، تجد أفراد وجماعات يحاولون بشتى الطرق بأن يلموا شمل الجالية العراقية تحت سقف جمعية أو مركز أو مجموعات إغاثية أو تعليمية جاهدين بأن يجعلوا هؤلاءلا ينسون قضيتهم ولو بشيء بسيط، بأن يجمعوهم باحتفال لمناسبة دينية أو وطنية أو رياضية، ويوصلوا رسالتهم إلى هذه الجالية المختزلة.

وفوق كل هذا تجدبأن القائمين على تلك الجمعيات والمراكز محاربين من قبل أفراد جاليتهم بأسباب شخصيةأو حسدية أو منصبية أو مذهبية دينية وغيرها من الأسباب الخاصة لكل بلد من تلك البلدانفي الغربة. بل إذا أراد أحدهم بأن يقدم شيئاً ولو بسيطاً يجد من بني جلدته من ينتقدهويستصغره ويشكك في قدرته أو يحاول منعه بحجج واهية، لذا يترك ذلك الفرد تلك المحاولة اليتيمة ولا ينصح أحدا بأن يحاول محاولته اليائسة، وتلك هي المصيبة الكبرى في أنفسالناس إلى أن يحرروا أنفسهم منها حتى يستطيعوا أن يحرروا أوطانهم و قضاياهم.

ولهذه الأسباب تأخرالتركمان في مسيرتهم الوطنية والمصيرية، وسيبقون تحت إداريات غيرهم من القوميات وربما يختزلون يوما بعد يوم بين تلك القوميات قسرا أو طوعا، إلا إذا أفاقوا من سباتهم وحسبواحسابهم من جديد وأخذوا الدروس والعبر من الماضي ويعيدوا حساباتهم حسب مقومات الحياة السياسية والدبلوماسية العصرية ويعتمدوا على أنفسهم في ذود عن قضيتهم، وليعلموا بأنقضيتهم لا تكمن إلا بأفراد مخلصين صادقين ومعروفين بين بني جلدتهم، الذين لا يهمهم مصالح أنفسهم ولا مناصب ومراتب ولا شهرة ولا أن يبيعوا قضيتهم في محافل سوق سياسة السوداء بمصالح بلدان أخرى ولا أن يتنازلوا بأبسط شيء من حقوق شعبهم أو يتراجعوا من مبادئهم الوطنية التي وضعها أجدادهم في حــق تقرير مصيرهم.

حتى نكون واقعيينأكثر في تقييمنا، ندعو الشعب العراقي عامة والتركمان خاصة إلى رص الصفوف ولم الشملوتوحيد الكلمة فيما بينهم، والابتعاد عن الدعوات القومية الباطلة والاستفزازية والتركيزعلى إعادة الناس إلى فهم قضيتهم الأصلية، واتخاذ الحيطة والحذر من تدبيرات أعداء العراقالحر في إشعال نار الفتن بين العراقيين أو تقسيم العراق، فالعراق الحر الموحد للعراقيين ومن يحبهم ولا فضل لعربي على كردي وعلى تركماني إلا بتقوى الله تعالى، وكلنا من آدم وآدم خلق من تراب، والتراب جزء من هذا الكوكب الذي خلقه الله للبشر أجمعين، ليتعارفوا فيما بينهم وليتقاسموا مواردها وثرواتها الطبيعية، والعراقيون جزء من هذه الأرض التي هيمن الكواكب السيارة حول الشمس في فضاء هذا البديع العظيم... الكون.

أياد يولجو