(نسخة خاصة للسيد خالد مشعل)
لا أخفيكم أنني شعرت بالارتياح حين سمعت بالأخبار الواردة حول نية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عدم التجديد لفترة جديدة في زعامة الحركة، وإفساح المجال لغيره للتقدم لهذه المهمة..
ذلك لأنني أرى في هذا الموقف مواكبةً للروح الجديدة السائدة في الوطن العربي المتعطشة إلى الديمقراطية والثائرة على أنظمة الاستبداد والاستفراد بعد أن سئمت الشعوب عبادة الأصنام وتقديس الأشخاص وكفرت بنظرية القائد الملهم والزعيم الأوحد الذي لا يجود الزمان بمثله، والذي عقمت أرحام النساء عن أن تأتي بنظير له في عبقريته وبطولته وكارزمائيته..
لا أتفق مع فريق من الناس سارعوا إلى الندب والبكاء وطالبوا مشعل بالعدول عن هذا القرار وأعلنوا مبايعتهم له قائداً أبدياً..فهؤلاء مع احترامي لأشخاصهم ينتمون لزمن الجاهلية وعبادة الأصنام، وهم قد تشابهت قلوبهم مع أولئك الغوغاء الذين يخرجون لمبايعة الحكام المستبدين عقب كل خطاب أو قرار يتخذه أولئك الحكام..
لكن والحمد لله أن هذا الفريق قليل، وغالبية من طالعت آراءهم رأيت منهم ترحيباً بهذه الخطوة مما يدل على نضج في الوعي وتجاوز لمرحلة تقديس الأشخاص..
على عكس الفريق الرافض فإنني أرى أن هذا القرار تأخر كثيراً، وكنت أتمنى أن يتخذه مشعل قبل عشرة أعوام، ولكن كما يقال أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي..
قرار مشعل يذكرنا بقرار المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف قبل أعوام قليلة بعدم التجديد له، وإفساح المجال لخليفته محمد بديع ليكسر بذلك الصورة النمطية بأنه لا يوجد مرشد سابق، إنما يوجد مرشد راحل..
هذا القرار من زعيم حركة إسلامية كان ضرورياً في زمن الثورات ليقنع الإسلاميون شعوبهم بأن لديهم نموذجاً مختلفاً، وبأنهم يقدمون بديلاً حقيقياً للأنظمة الاستبدادية الاستفرادية الشمولية التي أذاقت هذه الشعوب الويلات جراء تشبثها بالسلطة، واعتمادها نظرية quot;من القصر إلى القبرquot;..
مشهد بقاء الزعيم الإسلامي على سلم القيادة حتى الموت يمثل نكتةً سوداء في تاريخ الحركات الإسلامية، وهو بلا شك يعسر مهمة الإسلاميين في إقناع الجماهير بأنهم يقدمون بديلاً حقيقياً، إذ كيف يقتنع الناس بوجود فرق جوهري بين الأنظمة الاستبدادية والحركات الإسلامية وهم يرون أنه في كلا الحالتين يظل الرئيس رئيساً أو الزعيم زعيماً للأبد حتى يأتيه الموت أو يأتي الله بأمر من عنده، لذا فإن هذا القرار هو خطوة ضرورية في طريق التحول الديمقراطي وتجاوز مرحلة تقديس الأشخاص والزعامات إلى اتباع المبادئ والأفكار..
أسجل هذا الموقف المرحب بنية خالد مشعل مغادرة منصبه رغم أنني أكن في نفسي تقديراً خاصاً لهذا الرجل، وإعجاباً بكارزمائيته، وصدق إيمانه وإخلاصه، وبراعته الإعلامية، فلو كنت متبعاً للهوى في هذا الأمر لتمنيت أن يظل خالد مشعل هو الزعيم، لكنني أغالب هواي، لقناعتي بأن إحلال المفضول محل الفاضل في نظام ديمقراطي شوري خير من بقاء الفاضل مستفرداً بالزعامة إلى الأبد، فحين تكون هناك آليات صحيحة لتداول السلطة ولضخ دماء جديدة في القيادة، فإن في هذا ضمانة بارتقاء الحركة وتطورها حتى ولو لم يكن القائد القادم بكفاءة القائد الحالي، لأن هذه الدينامية تحرر الحركة من حالة الجمود وتقديس الأشخاص إلى حالة الحراك الدائم والتجديد المستمر ..
في الوقت الذي نرحب فيه بهذا القرار من قبل خالد مشعل فإننا نتطلع إلى مزيد من التطور والديمقراطية في بنية الحركات الإسلامية، فلا تظل مثل هذه القرارات رهينةً بالمبادرات الشخصية، بل يكون هناك قانون إلزامي بألا يمدد للمسئول أكثر من فترتين، وأن تكون هذه التغييرات شاملة في كافة مستويات الحركة ومؤسساتها لإفساح المجال لتقدم الكفاءات الشابة، وللتحرر من مرحلة تقديس الأشخاص والزعامات حتى ننجح في تقديم بديل حقيقي للشعوب العربية التواقة إلى التغيير والإصلاح..
والله الهادي إلى سواء السبيل.
[email protected]
التعليقات