شئنا أم أبينا لقد أصبحنا أمام حقيقة واضحة وهي الإعلان الدستوري الجديد، والتحول في خطاب مرسي من وعود بحماية الثورة واحترام دولة القانون في ميدان التحرير بعد أن تسلم المسؤولية في اواخر يونيو الماضي، إلى تهديد ووعيد في خطابه أمام قصر الاتحادية وسط عشيرته من الإخوان والسلفيين بمحاسبة الداعين لحل التأسيسية والشوري وتقسيم رجال القضاء إلى شرفاء ومأجورين.

ومهما قيل عن هذه الخطوة ضربة إستباقية لجلسة المحكمة الدستورية في الثاني من ديسمبر المقبل خوفا من أن تحل التأسيسية، وتلغي مجلس الشوري، وتلغي الاعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في الثاني من أغسطي الماضي وحصل بمقتضاه على سلطة التشريع، فإن الرئيس quot;محمد مرسيquot; إتخذ هذه الخطوة وهو يزهو فخراً بالرضا الأميركي والإسرائيلي بعد نجاحه في وقف هجمات صواريخ حماس ضد تل أبيب، هو يستغل هذا الرضا ليسعى إلى تمكين الجماعة على حساب الشعب المصري.

الشعب يعرف أن مرسي وجماعته تحالفوا مع أعداء الثورة منذ البداية، وتغاضوا عن الشرعية الثورية، كان بإمكانه أن يصدر هذه القرارات الثورية بعد أن تولى المسؤولية في يونيو الماضي لكنه حاول استمالة القضاء، وحين فشل لجأ الى قرارات في ظاهرها الرحمة، وفي باطنها العذاب، ليضع المسمار الاخير في نعش جماعة الإخوان، فمن تحالف مع أعداء ثورة 25 يناير بالأمس القريب لا يمكن أن يعمل لمصلحة الشعب المصري.

يحاول مرسي بتوجيهات مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان أن يدغدغ مشاعر أسر شهداء الثورة، بإعادة محاكمات من ارتكبوا جرائم ضد الثوار، ومنح مصابي الثورة معاشاً استثنائياً مساوياً لمعاش أسر الشهداء، وفي الوقت ذاته يحصن قراراته من الطعن أمام القضاء، كما يحصن التأسيسية من الحل، وكذلك مجلس الشوري، فلا يجوز لأي جهة قضائية حل الشوري والتأسيسية، وله أن يتخذ الاجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة أي خطر يهدد ثورة 25 يناير دون تحديد ماهية هذه الإخطار.

معنى هذا الكلام الغاء الدولة والقضاء، وتنصيب نفسه فرعونا quot; لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم إلا سبيل الرشادquot;، ينقلب على المحكمة الدستورية التي أدى أمامها اليمين رئيسا لمصر، يحنث بالقسم، ويثبت أنه غير مؤهل للحكم.

وعد مرسي فأخلف وحدث فكذب، وهذه صفات أصيلة في جماعته، الجماعة الأكثر إنتهازية في المشهد المصري الحالي، ألا يعد ذلك تحديا لسيادة القانون، إن مصر الأن يحكمها quot;ديكتاتور جديدquot;، وهذا خطر حقيقي، وسيدخل البلاد في نفق مظلم، كان الأولى بمرسي أن يحل الجمعية التأسيسة بعد انسحاب اكثر من ثلث اعضائها، ويشكل جمعية جديدة من أساتذة القانون الدستوري بعيدة عن الصراعات الحزبية، لكن الرجل انحاز إلى حلفائه، وعشيرته تزامناً مع الانتهاء من الصياغة النهائية لمسودة الدستور، وبدلاً من انقاذ مصر من هذا الفراغ الدستورى، يتدخل مرسي ليكرس الواقع الحالي، ويثبت أنه ممثل جماعة الإخوان في قصر الرئاسة، يعكس رؤيتهم، ويدفعهم إلى المضي قدما في كتابة دستور يعبر عن مصالحهم وليس مصلحة الشعب المصري، إن وصاية الفكر هي أسوأ أنواع الاستبداد، واستخدام الدين في السياسة خطيئة كبرى تدفع الشعوب ثمنها غاليا.

وأقول لك ياسيادة الرئيس ليس معنى أنك أول رئيس مدني جاء في انتخابات ديمقراطية أن تخرج على الشرعية التي أقسمت على احترامها، وخروجك على الشرعية يعني أنك فاقد للشرعية ومن يطبلون لقراراتك، هم من تربوا على السمع والطاعة، ولا يمثلون الشعب المصري، الدولة تتحلل لأنك لا تملك رؤية للنهوض بها، والاربعة أشهر الماضية شهدت كواراث، ولو كنا في دولة ديمقراطية لسقطت حكومات، أتضح أن مستشاريك يزينون لك الباطل حقا، والحق باطلا، والشرفاء منهم سيتركون المكان حتى لا يكونوا شهود زور في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ مصر.

الوقت يمضي، والبلد ينهار، وتتحمل القوى السياسية مسؤولية هذا الانهيار، لانهم تركوك وجماعتك تقررون مصير البلد، وتفرغوا الى صراعاتهم على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات، كان انقسام النخبة على نفسها بكل تياراتها الدينية والليبرالية والعلمانية أكبر خطيئة فى حق الثورة وحق الشهداء، كان واضحا أن هذا الانقسام، فتح أبوابا لصراعات لا تنتهي أمام رغبات محمومة من جميع أطراف اللعبة السياسية لاحتكار الحقيقة. لم تستطع النخبة المصرية أن تمسك بهذه اللحظة التاريخية، وانقسمت على نفسها، بدأت تصفي بعضها بعضا حيث لا هدف ولا وفاق.

لا وقت نضيعه في الكلام، ويجب التحرك فوراً لكشف العوار القانوني للإعلان الدستوري الجديد، وتوعية الشعب بخطورة ما يفعله الرئيس بأوامر المرشد، كل الخيارات مفتوحة الاعتصام في ميدان التحرير، العصيان المدني، وسحب الشرعية من الرئيس، كما يجب على المحكمة الدستورية أن تمضي قدما في عزله،، ومحاكمته على الجرائم التي أرتكبت في عهده ومن بينها، مقتل الجنود المصريين في رفح، وحادث قطار أسيوط، ومقتل quot;جابر صلاحquot; عضو حركة 6 إبريل في شارع محمد محمود، لابد أن يعرف الرئيس مرسي، ومن يفكر في هذا المنصب الرفيع، أن الشعب المصري أصبح واعيا ويتنفس سياسة، وسيتصدى لاي محاولة لفرض الهيمنة، لن تنطلي عليه الأكاذيب، ولن يعود الى ما قبل 25 يناير 2011 وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

إعلامي مصري