لماذا أقف مع الأردن وأقف ضد نظام دمشق؟

جذب مقالي الأخير في ايلاف المتعلق بالأزمة الاقتصادية الخانقة في الأردن ومناشدتي لدول الخيج بعدم التفريط بالأردن أكثر من 40 تعليقا ووجه لي عدد من المعلقين اتهامات بالكيل بمكيالين لأني اطالب باسقاط نظام بشار الأسد السوري وفي نفس الوقت ادافع عن النظام الملكي الأردني.

ألخص موقفي بالقول أن الموضوعية أو الحياد غير ممكنة في ظل المجازر واستهداف المدنيين والاطفال والقصف الجوي العشوائي للاحياء السكنية واستهداف أكثر من 100 مدرسة ابتدائية واعدادية وثانوية في دمشق وريفها التي ينفذها نظام بشار الأسد في سوريا وبدعم ايراني وروسي. هذا لا يحدث في الأردن.

لماذا اؤيد الأردن وأحرض على اسقاط بشارالأسد؟

أولا:

السكوت عن مأساة الشعب السوري ليس خيارا. وأقول للاعتذاريين والمبررين لمجازر نظام دمشق أنكم شركاء في الجرائم وستساهموا في اسقاط الدكتاتور كما فعل المدافعون عن القذافي وصدام حسين. وليس صعبا على العقلاء ان يميزوا بين سوريا والأردن من زاوية التعامل مع شعبهم. النظام السوري يعتمد على الحديد والنار والقذائف العنقودية وبراميل الزيت الحارقة المتفجرة ونظام الأردن يعتمد على الحوار والتفاهم والمعاملة الانسانية للمحتجين حتى المخربين منهم.

ومن الواضح أن اصحاب هذه التعليقات يؤيدون بشار الأسد ونظامه وهذا حقهم ولكنهم يتجاهلون حقائق جوهرية هامة. ربما لا يعلمون ولا يعرفون أن عائلة الأسد جاءت للحكم بانقلاب تحت مسمى الحركة التصحيحية واخضعت الشعب السوري للأحكام العرفية وحكمت بالبطش والقتل تحت نظام بوليسي قمعي يضاهي ويتفوق على نظام القذافي.

بعد وفاة الرئيس السوري quot;حافظ الأسدquot;،الذي حكم سورية خلال ثلاثة عقود(1970-2000) ورث بشار الأسد منصب رئيس الجمهورية بعد تعديل سريع للدستور وواصل سياسة والده القمعية التي شملت المجازر والاعدامات والتصفيات وزعزعة الاستقرار في لبنان واغتيالات خصومه السياسيين والاعلاميين. مختصر الكلام ان بشار لم يكن مؤهلا ان يكون رئيسا للجمهورية حيث ظهرت ملامح الغباء والتهور في تعامله مع الاحتجاجات السلمية.

ثانيا:

لا يحكم الأردن دكتاتورا وطاغية جاء بانقلاب عسكري بل ملك هاشمي واعي ومعتدل وعقلاني ويتمتع بشرعية دستورية ودينية وتاريخية. والملك عبدالله الثاني وبشهادة معظم قادة العالم والمؤرخين والمتابعين يخدم الأردن بعقلانية وحكمة جلبت الاستقرار والأمن للأردن وجنب بلاده الكوارث التي حلت بالشعوب التي حكمتها انظمة جمهورية ثورية وراثية جلبت المصائب والدمار لشعوبها.

ثالثا:

الحريات: في سوريا لا يوجد حرية تعبير ويتم اعتقال من يتجرأ كتابة مقال فيه انتقاد للنظام ويتم تعذيبه وقتله. حيث يتم التنكيل بالصحفيين والفنانين ورسامي الكاريكاتير والروائيين وتعذيبهم وقتلهم. هذه طبيعة البعث الذي يترأسه السفاح بشار ألأسد. هذا لا يحدث في الأردن.

وبعكس سوريا يتمتع الأردن بهامش واسع جدا من حرية التعبير واذا القيت نظرة على الصحافة الورقية والمواقع الاليكترونية ستجد تقارير ومقالات تنتقد وتستهزيء بالحكومة وبرئيس الوزراء وتسخر وتهاجم وتعيد نشر تقارير ظهرت في صحف اجنبية مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز والغارديان البريطانية ومن صحف أخرى رغم ان هذا المقالات والتقارير ناقدة وقد يفسرها البعض بالمسيئة أوعدائية للأردن. هل تستطيع صحيفة سورية او موقع سوري في دمشق ان يعيد نشر مقال يتنبأ بسقوط بشار الأسد او انهيار البنية العسكرية للنظام.؟ هل يستطيع مدون ان يهرب من شبيحة النظام؟.

رابعا:

الأحزاب: في الأردن حزب الاخوان المسلمون يعمل بحرية تامة رغم أنه يحرض ضد الدولة تارة وتارة يبتز ويهدد ويطالب باسقاط النظام مستغلا الأزمة الاقتصادية للتحريض ضد الملك ورغم تقلباته وانتهازيته وتهديداته وأجندته الطالبانية رغم كل ذلك يسمح له العمل بحرية ولا يتم اعتقال اعضائه او مضايقتهم. أما في سوريا الجمهورية الثورية الوراثية الممانعة والمقاومة لا يستطيع الاخوان الاشهار باخوانيتهم لأنه حسب المادة 49 في الدستور فقد حكم عليهم بالاعدام مسبقا حيث يتم اعدام من ينتمي لحزب الاخوان المسلمين.

خامسا:

الربيع العربي والاحتجاجات:

في الأردن وبعد عامين من الاحتجاجات والمظاهرات تعامل الأمن الأردني بانضباط وعقلانية وحرفية متناهية ولم يحدث الا وفاة واحدة قبل عدة ايام عندما هاجمت مجموعة من الشباب مركز شرطة. هذا في الأردن. أما في سوريا قمعت المظاهرات السلمية بقسوة شديدة وقتل المئات يوميا وتوقف التظاهر السلمي. الحل الأمني الغبي أدى الى انشقاقات في الجيش وتم عسكرة الاحتجاجات التي تطالب باسقاط النظام. وآخر الاحصائيات من مصادر الأمم المتحدة تشير الى 35 الف شخص لاقوا حتفهم بينما مصادر المعارضة تتحدث عن اربعين الف سوري والحبل على الجرار. ناهيك عن تدمير المدن وتشريد السكان الى الدول المجاورة.

سادسا:

في الأردن لا يتم محاصرة المدن وقطع الماء والكهرباء عن الأهالي وقصفهم من الجو. في سوريا هذا يحدث على شكل روتيني. في سوريا يرتكب النظام المجزرة تلو الأخرى. نظام يقتل النساء والاطفال ويدمر البيوت فوق السكان ويرتكب جرائم لم تتجرأ حتى اسرائيل على ارتكابها ضد الفلسطينيين. هذا يا سادة لا يحدث في الأردن ولكنه يحدث في قلب العروبة النابض السوري بشكل نمطي وروتيني.

رغم كل محاولات النظام السوري باشعال الفتنة بالأردن وزعزعة الاستقرار من خلال سفارة الشبيح بهجت سليمان الا ان هذه المحاولات فشلت بسبب يقظة ومهنية الأمن الأردني.

لا نرى موجات من اللاجئين الأردنيين تتوجه الى سوريا للحصول على الأمان والسلامة ولكن اكثر من 150 الف سوري هربوا للأردن خوفا من بطش ونيران نظامهم الجمهوري الثوري الوراثي الممانع.

هل فهمتم لماذا أكيل بمكيالين واذا اتهمني عملاء بشار الأسد بالازدواجية فليكن ذلك لأني أدعم الأردن عن قناعة شخصية ولا اعتذر عن ذلك؟

لندن