طوى الصحفَ والإلكترونيات خبرٌ عن عزم quot;ليلىquot; زوجة الرئيس التونسي السابق كتابة مذكّراتها،وتقديم نصيبها من الحقيقة في زحمة كتب البَوْح والأسرار التي غزت المكتبات في تونس ما بعد 14جانفي. وبعد أن كان التونسي مخدّرا بتخمة الحديث عن quot;ليلى وأخواتهاquot; وليلى وquot;صُويحباتهاquot; ها هو يُدْعى إلى حفل تنكّري مسبق الدفع لمتابعة quot;ليلى ومذكّراتهاquot;.
البعض تابع الخبر من باب الفضول لا أكثر. فكلّ حديث عن العائلة الحاكمة التي تشتّتت مُسلّ ومثير لرغبة الاكتشاف. والبعض الآخر، المشبع بنظرية المؤامرة الكامنة في الدواخل، تحدّث عن انخراط مثل هذه المذكّرات في مشاريع مشبوهة لتلهية الرأي العام. وطرف ثالث اكتفى بقراءة الخبر، وانتظار ما يمكن أن تسفر عنه هذه الصفحات التي قد تزلزل عرش مَنْ بدأ يجد توازنه داخل الخارطة السياسيّة التونسية الجديدة،والغريبة لونا وروائحَ.
على أنّه من الغريب أن يحظى إعلان زوجة الرئيس السابق عن كتابة جانب من حقيقة اعتلائها عرش السلطة بكلّ هذا الاهتمام والمتابعة لأنّ أيّ عارف بالشأن السياسيّ التونسي أو متابع له، لا يرى في تاريخ هذه quot;العشيقةquot; التي ارتقت إلى صفة الزوجة الشرعيّة ما يمكن أن يتكالب الناس على معرفته، أو أن يكتشفوا فيه جديدا عن حقيقتها التي حاولت ردمها وراء الكتب التي لمّعت صورتها فلم تفلح.
ومِن المعلوم أنّ هذه المرأة التي لم تنل هي وزوجها نصيبا كبيرا من التعليم، قد نجحت في ربط شبكة علاقات غريبة ومريبة في الداخل والخارج، مكّنتها من أن تتحوّل إلى رقم صعب في معادلة الحكم في تونس زمن quot;بن عليquot;. وممّا يؤكّد سطوتها، وقدرتها على السيطرة والتحكّم، نجاحها في تجنيد أستاذات جامعيات، ومحاميات، وطبيبات وزوجات كبار رجال الأعمال والمسؤولين لتلميع صورتها، ولتأثيث جلسات quot;الصالون الأزرقquot; الذي تهافتت نساء الأثرياء على الوقوف ببابه.
وكانت التلفزة التونسية في الخدمة عندما كرّست نشرات خاصّة لتمجيد quot;السيّدة الأولىquot; ومتابعة نشاطها. وتحوّلت quot;ليلىquot; بفعل الدعاية السياسية المكثّفة إلى quot;زعيمةquot; تدافع عن حق المرأة العربية في التعليم والمساواة والارتقاء إلى المناصب العليا في الدولة. وبدا كأّن الغاية من كلّ هذا التزييف والتطبيل، تهيئة الظروف لميلاد أوّل رئيسة عربيّة تجسّد قيم الحداثة، وتُرْضي بأناقتها، وانفتاحها، الدول الكبرى التي لا تريد أن تكون اللعبة السياسية بتونس بعيدة عن أنظارها.
لكن مَنْ يخاف الآن مِن عودة quot;ليلىquot; إلى واجهة الأحداث عبر مذكّراتها، وفتح خزائن أسرارها؟ وما قيمة هذه الأسرار التي تخفيها بحوزتها ولا تعلم تفاصيلها وخباياها إلّا هي؟ من الأكيد أنّ مَنْ يرتعد اليوم من عزم quot;الوصيّة على عرش قرطاج quot; سابقا، كتابة مذكراتها هو نفسه الذي سعى بشتّى الوسائل إلى أن يصمت quot;بن عليquot; وألا يتكلّم مطلقا حتى تبقى الأسرار والدسائس والتحالفات المخفيّة حبيسة الصدور،وبعيدة عن أعين المشتغلين بتاريخ هذه البلاد التونسية.وما التلهّف الذي أبداه البعض لمعرفة ما ستكشفه أوراقquot;ليلى بن عليquot; إلّا تأكيد لبقاء جملة من الأسئلة عن حقيقة ما جرى في تونس يوم14جانفي دون أجوبة شافية ضافية ترضي المؤرّخ وتقنع الراغب في كشف سرّ هروب quot;بن عليquot; وغموض الساعات الفاصلة في آخر يوم حكم له.
لم تكن quot; ليلى الطرابلسيquot; زوجة quot;بن عليquot; الثانية من عائلة سياسية كبيرة، أو سليلة أسرة ذات جاه ومال.لقد نشأت في أسرة كثيرة العدد فقيرة وحاولت بما وهبها الله من جمال وبعض الذكاء أن تقفز على واقعها،وأن تغنم من الدنيا التي أدارت لها ظهرها. ووجدت في quot;جنرالquot; لا يتقن إلا لغة العنف والانتقام خير مطيّة لتحقيق رغبات دفينة. ورضيت بأن تكون في البداية عشيقة، وأن تنجب منه على غير الصيغ القانونية، إلى أن تمكّنت من الوصول إلى قصر quot;قرطاجquot;. وأصبحت quot;سيّدة تونس الأولىquot; التي تتهافت الصحف العربيّة والأجنبيّة على التنويه بجمالها وأناقتها. لكن السؤال الذي يطرح الآن أين صويحبات ليلى اللواتي كنّ لا يغبن عن حفل تقيمه؟ كيف نجحن في quot;صبغquot; مواقفهنّ،وتغيير ألسنتهنّ حسب ما تقتضيهquot;الحالة الثوريّةquot; التي تعيشها تونس بعد فرارquot;بن علي؟؟
ليس لليلى ما تقول أكثر مما يعرفه التونسيون عن أسرتها التي انتقلت فجأة من الفقر المدقع إلى الثراء الفاحش، وعن ممارساتها التي كشفت وجه امرأة متعطشة للحكم وللنعمة، تمارس من خلال الحفلات التي تقيمها في القصر الرئاسيّ وخارجه أو من خلال سفرات التسوّق التي لا تنقطع، فنون الانتقام من الدنيا التي قست عليها في فترة شبابها الغضّ وفرضت عليها السير على الأشواك.
إنّ إصرار quot;زوجة الرئيس السابق على كتابة مذكراتها محاولة يائسة للحاق بقطار الزمن بعد أن انطلق من محطته بسرعة جنونيّة لم يسمح فيها للركاب بتجميع أمتعتهم، أو ترتيب ذاكرتهم لتنسجم مع الوضع الجديد. ومثل ما تنوي quot;ليلى بن علي quot; فعله ينطبق عليه ما قاله صاحب الحكمة quot;السبب في انتشار الجهل هو أنّ أصحابه متمسّكون بنشرهquot;