مقالي الأسبوعي هنا ndash; في quot;إيلافquot; ndash; كان قبل أسابيع مضت عن الأردن، وما فيه من فساد، وسرقات، وتدليس، على المواطن البسيط. وهذا التدليس لم يكن من قبل السلطة فقط، بقدر ما كان أيضاً ممن يحسبون أنفسهم من المثقفين من خلال التعليقات، التي كانت تُنشر على مقالات الكثير من الكتَّاب الذين كانوا يتناولون الشأن الأردني بكشف الستار والمستور، وفضح الفساد والمفسدين، والسرقة والسارقين. ولكنا لم نكتب في هذا الأمر في الأسبوع الماضي، وكذلك لم نكتب فيه هذا الأسبوع هنا- في quot;إيلافquot;.
أما الإخوة الذين كتبوا إليَّ في الأيام الماضية، يسألون عن أين يقرأون لي ما اعتادوا عليه في الشؤون الأردنية، فعليهم أن يبحثوا في مواقع مختلفة من الانترنت، فأنا ما زلت أكتب في الشأن الأردني. وسيجدون الكثير من الأجوبة على أسئلتهم. وهم مشكورون على كل حال أولاً وآخراً، على اهتمامهم ومتابعتهم.

من هو المثقف؟
هل يصدر بتعيينه قرار رسمي، أو غير رسمي؟
وهل يصبح الإنسان مثقفاً بمجرد أن تسمح له الوسيلة الإعلامية بنشر ما يثرثر به. فما أكثر المثقفين العرب هذه الأيام من كتّاب ومعلقين، يملأون المواقع الالكترونية. بل هم أصبحوا أكثر من القراء أنفسهم؟
ومن هي السلطة العليا أو السفلى التي تقيم كياناً للمثقف؟
أهي سلطة المال، أم سلطة القوة، أم السلطة العسكرية، أم السلطة السياسية؟
لقد اكتشف بعض المثقفين العرب، أن سلطة المال هي السلطة الأقوى في مجال الثقافة. وخشوا من التجميد، والمنع، والعزل، والرقابة، فأنشأوا لأنفسهم مواقع على الانترنت، يكتبون فيها ما يشاءون، ويتحررون من سياط الناشرين الآخرين.
ولكن ماذا يفعل من لا يملك المال الطافي لكي يشتري ربطة فجل أو ساندويتش فلافل؟

يقول سارتر في كتابه quot;دفاع عن المثقفينquot;:
quot;إن المثقف يتحدد في ذلك الإنسان الذي لا يحمل تفويضاً من أي أنسان، وهو ليس نتاج قرار من القرارات، وإنما هو نتاج مسخ لمجتمعات مسخة. فليس هناك من يدعيه لنفسه، وليس هناك من يعترف به.quot; (ص 36).
ألم يصبح بعض المثقفين من الكتِّاب والمعلقين مسوخاً، لأنهم نتاج ثقافة ومجتمعات ممسوخة؟

المثقفون وبائعو الفجل
بعض المثقفين يعملون كمستشارين لحكام أو لأبناء الحكام الساقطين، ويملأون جيوبهم بالمال والذهب، وإذا ما شارف الحاكم على السقوط، أو شارف أحد أبنائه، أو أعوانه على السقوط، نسلوا أيديهم منه، كما تُنسل الشعرة من العجين، وبدوا وكأنهم الملائكة وأسياد الأمس هم الشياطين، وأخذوا يبتسمون للقاريء ابتسامة العذراء البريئة. وتكون quot;كفارةquot; براءة هؤلاء تبنيهم المادي والذهبي للحداثة والحداثيين والليبراليين، والليبرالية التي تغرق في بحيرة الذهب السائل، وتخرج لتصبح كأسطورة ميدوزا (ربة الحكمة والثعابين)، التي تحوّل كل من ينظر اليها إلى حجر كما تقول الأسطورة. أما ميدوزا المثقف المزيف، فهو يحوّل كل ليبرالي الى ثعبان أو بهلوان، كما نرى الآن في بعض مواقع الانترنت.

دور المثقف
لا شك أن المثقف أكثر فئات الناس تلقياً للطعنات. فالرأسمالي محدود الأعداء من الفقراء والمعوزين. والحاكم محدود الأعداء من الأحزاب المعارضة، ورجل الدين محدود الأعداء من الكفار والملحدين. أما المثقف فالطبقة العاملة تحتقره، والطبقات السائدة تخوّنه، ويصطدم دائماً ndash; كما يقول سارتر ndash; بتناقضاته حتى في الأحزاب الشعبية بعد أن يكون قد طرأ على هذه التناقضات ما طرأ من تعديل وتبديل.
وفي محاضرته الثالثة التي ألقاها سارتر في طوكيو وكيتو في اليابان عام1965، حدد سارتر لنا ماهية المثقف، فقال:
quot;لكل إنسان لديه ما يقوله. وعلى الإنسان أن يختار وسيلة اتصال قادرة على نقل أكبر كمية ممكنة من المعلومات، ولا تحتوي إلا على أقل تقدير ممكن من البنى اللاإعلامية.quot;
ورغم أن هذا الكلام قد قيل عام 1965، فما زلنا نحن العرب نفتقد الى هذه الوسيلة الإعلامية، التي تستطيع نقل أكبر كمية ممكنة من المعلومات، دون خوف، أو تردد، أو حسابات الربح والخسارة. فسواء كانت المؤسسة الإعلامية حكومية أو أهلية، فإن الميزان الذي يتم وزن ما ينشر فيها، هو ميزان الذهب، ولا شيء آخر.
لذلك كانت معظم وسائل الإعلام وسائل تجارية، وعبارة عن دكاكين لبيع الشاي والسكر وزيت القلي، كما قيل.