تصلني عدة رسائل كثيرة من قراء أعزاء، تتساءل:
لماذا تنشر مقالاتك في مواقع معينة، ولا تنشرها في مواقع، اعتدت أن تنشر فيها، واعتدنا أن نقرأ لك فيها؟
والجواب على هذا السؤال:
أن زمن احتكار الكاتب وحصره في وسيلة واحدة، قد انتهى، مع ثورة المعلومات، وانتشار الانترنت، والمواقع الإليكترونية، التي أصبحت تنبتُ على شاشة الانترنت كنبت الفِطر، أيام الربيع.
وأن المقال المرفوض في وسائل إعلامية معينة، لأسباب سياسية، ومالية خاصة، ربما يكون مقبولاً في وسائل إعلامية أخرى، والعكس صحيح. ولم يعد المقال المرفوض من وسيلة إعلامية معينة، يدخلُ في مجاهل الظلام والظلمة، ويصبح نسياً منسياً.

حصافة وذكاء القارئ العربي
لقد أصبح القارئ العربي في عصر الانترنت وثورة المعلومات، ذكياً، وحصيفاً، ذكاءً وحصافة كبيرة. وأصبح يجول على معظم مواقع الانترنت، بحثاً عن المعلومة، التي يرى أنها أصدق من غيرها، وعن الكاتب الصادق، الذي لا يُطبِّل، ولا يُزمِّر، ولا يتشنَّج، ولا يملأ مقاله بالشعارات البراقة، المستهلكة.
أصبح القارئ العربي في عصر الانترنت وثورة المعلومات، يدركُ ويعرفُ تماماً لماذا لم ينشر هذا الكاتب مقاله في ذاك الموقع، ولماذا نشره في موقع آخر. وهو في متابعته لما ينشر في كافة المواقع الإلكترونية أصبح ndash; بفصاحته وحصافته ndash; يعرف كل موقع لأية إيديولوجية ينتمي، وعن أي تيار يُعبِّر، ومن هم كتَّابه.

عذاب وعناء الكتّاب
لقد أصبح الكاتب الحر في عصر ثورة المعلومات وانتشار الانترنت على هذا النحو، أكثر عذاباً وعناءً من ذي قبل. وسبب ذلك، أن القارىء أصبح أكثر وعياً، وأعمق ثقافة، وأوسع معرفة، من ذي قبل. وهذا استدعى من الكاتب أن يكون حذراً، ومتيقظاً، وصادقاً فيما يكتب، حيث أن القارئ أصبح لا يرضى بالقليل، والسهل، والشعوذة، وتحبير الصفحات، دون إنصاف للحق، والحقيقة.
والكاتب الحر الصادق في عصر ثورة المعلومات وانتشار الانترنت، يحتار فيما يكتب. فإن كتب عن الثوار الأحرار، وعن الثورة، وفضح الفساد والفاسدين، والسرقات الكبرى والسارقين، وجد من يعارضه ويشتمه من quot;قسم المعلومات والرصدquot; في مخابرات البلد الذي يكتب عنه. ويتهمه بالارتزاق، وبالجحود لوطنه، وحكِّام وطنه. رغم أن هؤلاء الشاتمين يعلمون الحقيقة، ولكنهم سخفاء العقل، وضعفاء الحيلة، ويريدون لقمة العيش، ولو كانت مغموسة بالذل، والتسلط، والتهديد، والوعيد.

واجب الكاتب الحر الصادق
والكاتب الحر الصادق في عصر ثورة المعلومات وانتشار الانترنت، عليه أن لا يتزلَّف، وألا يتخلَّف عن قول الحقيقة. فقول الحقيقة هو الباقي. ولا يبقي شيء غيره. والكاتب سوف يموت غداً، وفي غضون شهرين أو ثلاثة سيصبح الكاتب في قبره تراباً، ويعود إلى ما كان (من التراب وإلى التراب يعود)، ولن يترك من ورائه غير أفكاره، وما كتب.

السكوت أحياناً من ذهب
صمتُ الكاتب وامتناعه عن الكتابة كلية في بعض الأحيان أكثر جدوى، وأفضل سبيلاً، من محاولة الثرثرة المجانية، لكي ينعم الكاتبُ المزيف دائماً بضوء الإعلام المبهر، الذي يحرق الكاتب في النهاية، ويحيله إلى كوم من الفحم الأسود، أو كوم من الرماد، قبل أن يصبح تراباً في قبره.
ويبقى الامتناع عن الثرثرة، والكلام المجاني المكرور لتحبير الصفحات فقط، والبقاء في أضواء الإعلام المبهرة، في ظاهرها المحرقة في باطنها، خير من الاستمرار في الثرثرة المجانية.

أين تعليقات القراء الجادين؟!
لقد لاحظ كثير من الكتَّاب قلة تعليقات القراء الجادة والمفيدة، والتي تضيف إلى الموضوع المنشور ولا تنتقص منه، وتبتعد عن شتم الكاتب، والتهجم على شخصه. وعرَفَتْ قلةٌ من الكتّاب، أن السبب يعود إلى تفاهة ما يُنشر، وسطحيته، وتكرار أفكاره، وضيق أفقه. إضافة إلى أن الانترنت وثورة الاتصالات أتاحت لكثير من القراء أن يتنكبوا شاشات الانترنت، ويكتبوا في مواقع مختلفة، كتابات مليئة بالأخطاء اللغوية والإملائية والمعرفية. وأصبح عدد الكتَّاب أكثر من عدد القراء. مما دفع الكثير من القراء إلى الإحجام عن قراءة هذا الغث، وعدم التعليق عليه. ودعت بعض المواقع مثل هؤلاء الكتبة، للكتابة فيها مجاناً، أو بأجر سخيف لا يُذكر، لملء فراغ تركه الكبار تعففاً، إما لمضايقة الإيديولوجيا، أو لقرف أصاب الأنفس لعدم جدوى الكتابة.
فمن أجل من نحن نكتب؟
لا شك أن هناك بقية باقية من القراء، تسعى إلى الكاتب المفيد، والجاد، والصادق. والكلمة الحرة الصادقة كما قال الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور لن تموت أبداً، وقراء هذه الكلمة سيتتابعون، ولن ينقطعوا أبداً.

السلام عليكم.