عول الكثير من السياسيين السوريين، المحللين، المعارضين والكتاب على العهدة الثانية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يخص التدخل العسكري في سوريا، وأن الولاية الثانية بغض النظر عن من سيكون الفائز بالرئاسة، ستكون نقطة التحول الفاصلة في إيقاف الدمار والقتل الذي لحق بسوريا وشعبها الأبي، وإن عدم التدخل العسكري من قبل الولايات المتحدة في سوريا منذ بداية الأزمة، سببها الرئيسي يتمثل في الانتخابات الرئاسية القادمة على الأبواب، وبحسب الكثير ممن ذكرتهم سابقاً لم يكن الرئيس quot;باراك أوباماquot; يرغب بتوريط نفسه في حرب من الممكن أن تعطي الأفضلية لمنافسه quot;ميت رومنيquot;، وتقصيه من الفوز بالولاية الثانية، ومن طرف آخر الوعود التي قدمها المرشحون على عدم جر الشعب الامريكي لحرب جديدة على غرار ما حصل في افغانستان والعراق وذلك لكسب الرأي العام الامريكي.. حيث ما زالت واشنطن تحاول لملمة ملفاتها التي لم تغلق بعد، مع انها انسحبت quot;عسكرياquot; من العراق، وجزئياً من أفغانستان، على الأقل كما يروج الإعلام، في يومنا هذا وعلى ارض الواقع، في زمان فقدت فيه كل الآلات الإعلامية مصداقيتها..

إن السياسة الأمريكية العميقة، فيما يخص الشرق الأوسط بشكل عام والعرب والدول الإسلامية بشكل خاص، لم تتغير في يوم من الأيام، إلا ان التغيير الذي حصل فيها يعتبر تغييراً تكتيكياً في الاسلوب والطريقة للتعامل مع القضايا في هذه المنطقة ودولها وحكوماتها وشعوبها، لكثرة الملفات الشائكة والمتشابكة والمعقدة، والتي لا تريد بالأساس إيجاد حل لها، فبقائها ساخنة يعني بقاء التواجد الأمريكي في المنطقة، على جميع الأصعدة، استراتيجياً، سياسياً، اقتصادياً، عسكرياً، حتى فكرياً، ليترسخ في عقول شعوب المنطقة أن ليس هناك أي حل خارج إطار الولايات المتحدة الأمريكية، وخاصة بعد شعور من هم في البيت الأبيض بعودة روسيا إلى الساحة السياسية مع الصين، بعد انفرادها لأكثر من عقدين من الزمن في تقرير مصير الدول والشعوب في العالم..

واليوم بات واضحاً نوعية السياسة التي تتبعها واشنطن في ايجاد الحلول، وعدم تدخلها لم يأتي من فراغ سياسي ولا حتى من خوفها بعدم وجود بديل للنظام القائم في سوريا، أو من بديل اسلامي، لا بل اعتمدت على عدم التدخل بدراسة معمقة، ورؤية أمريكية، لما يمكن أن يجري نتيجة استمرار النزاع والصراع المسلح، وعمدت على تصعيد الأمور لإيصالها إلى حرب أهلية، باستعمال اطراف مجاورة واقليمية ودولية، لكل طرف مصلحة معينة في ارتفاع وتيرة الصراع، وتدمير سورية كشعب وكدولة ووطن...

برأي الشخصي ومن خلال استقرائي ودراستي للسياسة الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط، أنه لم تكن هناك أي خطة للتدخل العسكري مطلقاً، ولن يكون هناك أي تدخل في المستقبل، إلا في حال واحد، وهو توريط أوباما في أتخاذ قرار كهذا، من قبل اخصامه الذين يحاولون الضغط عليه والازمه، فبقاء أوباما يقظاً، كان بسبب معرفته أن هذه الحرب ستكلف الولايات المتحدة ما لم تكلفها في حروبها التي خاضتها في القرن الماضي والحالي، لأنها ستفقد مكانتها هذه المرة على الساحة السياسية والدولية، بوجود الدب الروسي المتأهب، الذي يعمل على استرجاع القوة والهيمنة السوفيتية على المنطقة، وتحالفها مع الصين ثاني أكبر قوة اقتصادية، وواحدة من القوى العسكرية العظمى في العالم، والملف الإيراني quot;المطاطيquot; واستعماله كشبح ضد الخليج، و((اسرائيل المتخوفة من المد الإسلامي))، والعمل على التخلص من المتطرفين عن طريق ارسالهم إلى الحرب الجارية في سوريا تحت اسم quot;الجهادquot;، والحفاظ على الأمن القومي الأمريكي، وغيرها من الحسابات الداخلية للسياسة العميقة للمتحكمين بالولايات المتحدة الأمريكية..

يعرف أوباما أن كل هذا يمنعه من التدخل العسكري في سوريا، وتوريطه سيكلفه أيضاً ويكلف من هم من جنسه، وسيجعله أول رئيس وآخر رئيس من أصول أفريقية يدخل البيت الأبيض، لذلك يكتفي بالخطابات الرنانة المناشدة لدعم الشعب السوري والتنديد والطلب بإيقاف القتل، وتوزيع مصطلحات إنسانية مستحدثة، إلى ما هنالك من كلمات تدغدغ الوجدان والضمير الإنساني، منه ومن ممثليه في البيت الابيض، وادارته التي استعملت وتستعمل تكتيكاً جديداً قديماً، في التعامل مع الأزمات القائمة وتصعيدها، في الدول العربية بشكل عام وفي سوريا بشكل خاص، بخلق نزاعات طائفية ومذهبية ودينية وحتى اثنية، وخوض الحروب، أي حربها( الحرب الأمريكية ضد الإسلاميين، أو من تسميهم بالإرهابيين)، بأيدي من تعتبرهم أعدائها ضد من لا تقول أنهم أعدائها ظاهرياً، ولكن تعتبرهم كذلك، يعني بالعامية ( فخار يكسر بعضوا )، تحت شعارات مختلفة تحقق في النهاية quot;فقطquot; مكاسبها، وتبقى خارج اللعبة وتشاهد وتوعظ، في حين هي من تدير وتضع كل قوانين هذه اللعبة..

فهل سيتدخل أوباما عسكرياً في سوريا؟.. أم سيورطونه في التدخل؟.. أم سيبقى متفرجاً يدير ويلعب بكل الأطراف السورية؟.. ويبقى المتضرر الوحيد، الشعب البسيط البطل، quot; الذي لا حول له ولا قوة quot;...
وهل ستبقى الحكومات العربية والمعارضات، أداة بأيدي تجار الموت ومن يحاول استخدامهم واستنفاذ غرضها منهم ومن ثم رميهم... أم ستفهم ما يجري من حولها، وتخرج رأسها من التراب؟..

الصراع مستمر وطرفي النزاع يقتلون بعضهم البعض، النظام يتهم المعارضة والمجموعات المسلحة ويصفهم بالإرهابيين والمندسين والتكفيريين، والمعارضة تتهم النظام وتصفه بالإجرام والوحشية والتشبيح، وكلا الطرفين مصرون على استمرار الحرب، وكل منهم يلقي اللوم على الآخر، فيما تستمر عمليات تدمير البلد ويستمر سفك واراقة دماء هذا الشعب، دون نتيجة، وquot;الشعب السوريquot; كان الضحية وأصبح الطرف الثالث والوقود لهذا النزاع المصالحي، بدل أن يكون الأساس لإيقاف المجازر وعدم استمرارية ما يحصل من انتهاك لحقوقه كمواطن له حقه في العيش على الأقل، وإنسان في النهاية.. فالشعوب هي الأساس التي تقوم منها وعليها الدول، وبدون شعوب لا توجد دول، ولا يوجد وطن..

نحن كشعب سوري وبلسان حالنا نقول، لقد تعبنا من كل هذا التدمير والقتل والاقتتال والتصريحات والمؤتمرات والقمم اللامبالية بمصير شعبنا، نحن نبحث عن النتيجة والحل والأمن والأمان والاستقرار، ولا نبحث عن كلام لا يقدم ولا يؤخر، ونطالب بإيقاف الحرب الطائفية التي ستقضي على كل من ينتمي إلى سوريا الوطن، وستقضي على سوريا الدولة، والمطالَبين هم السوريين قبل غيرهم، هم اطراف النزاع بالتحديد...
سوريا فوق الجميع...

بروكسل..
[email protected]