التصريحات الأخيرة التي ادلاها كل من الزعيم الكردي عبدالله أوجلان من سجن جزيرة quot;ايمراليquot;، وتلك التي ادلاها مراد قره يلان رئيس اللجنة التنفيذية في حزب العمال الكردستاني للرأي العام، تشرحان المدى الذي وصلت اليه مباحثات السلام بين الجانب الكردي والدولة التركية. أوجلان قال بانه سلم الحكومة التركية مشروع سلام متكامل حول حل القضية الكردية في البلاد حلا نهائيا. قره يلان بدوره أعلن بانهم ملتزمون بتوجيهات قائدهم، وان مشروع الحل الذي قدمه أوجلان هو بمثابة خريطة طريق لحزب العمال الكردستاني.
من المهم تحليل موقف الجانب الكردي على ضوء التصريحين أعلاه:
أولا: رغم معرفة أوجلان وقيادات حزب العمال الكردستاني بنوايا الحكومة التركية في طرح القضية الكردية مرة اخرى للحل، والتي يعود جزء منها الى رغبة الحزب الحاكم تفادي النشاط العسكري لحزب العمال الكردستاني الذي من المتوقع ان يتصاعد مجددا في الربيع والصيف القادمين، الا انهما يرغبان منح الجانب التركي فرصة أخرى، اذا كان صادقا والتعامل بمرونة مع الموضوع، سيما وان الشعب الكردي يتوق الى السلام والحل وحقن الدماء. وعليه فبغض النظر عن نوايا الجانب التركي، يرغب قادة حركة التحرر الكردستانية منح فرصة جديدة للحكومة التركية، على أن تكون المرحلة مؤطرة بمباحثات جديّة مع اوجلان وقيادات الحزب في الخارج.
ثانيا: قدم أوجلان رؤية الجانب الكردي في الحل على شكل مشروع مكتوب يطالب فيه بحقوق الشعب الكردي وبالديمقراطية لكل تركيا. وهذا المشروع يتضمن وقف العمليات العسكرية من جانب الجيش التركي وقوات حزب العمال الكردستاني، واطلاق سراح السياسيين الكرد المعتقلين في سجون الدولة التركية، والتحضير لإعلان عفو عام شامل، والضمان الدستوري بالاعتراف بهوية الشعب الكردي ورفع اجراءات سياسة التتريك والصهر القومي بحق الكرد في البلاد، والاعتراف بمشروع quot;الادارة الذاتية الديمقراطيةquot; لولايات اقليم كردستان، وتخفيض حاجز ال 10% الموضوع أمام القوى السياسية الديمقراطية في الانتخابات الى 5% فقط.
ثالثا: رغم ان الجريمة الارهابية التي وقعت في باريس واسفرت عن اغتيال 3 من المناضلات الكرديات كادت أن تودي بعملية السلام، الا ان الجانب الكردي تمسك بالحوار، في ظل المؤشرات التي تقول بمسؤولية الدولة التركية العميقة عن الجريمة بعلم بعض أجنحة حزب العدالة والتنمية الحاكم. أوجلان قال بان من سلمه الى الدولة التركية هم من اغتالوا الساسة الكرد في باريس. قره يلان قال بان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ينظر الآن في ملف حول الجريمة، فيه معلومات حول تورط جهات محددة فيها. ودعى قره يلان الى اعلام الرأي العام بفحوى الملف وتقديم المجرمين الى العدالة.
رابعا: قبلت الحكومة التركية على مضض وبعد محاولات عرقلة تحديد أوجلان لأسماء نواب حزب السلام والديمقراطية الذين سيزورونه في سجن جزيرة quot;ايمراليquot; من اجل الاشراف على مباحثات الحل ونقل توجيهاته الى قيادات الكردستاني في الخارج. وقد اختار اوجلان كل من البرلمانيين بروين بولتان( لتمثل نساء كردستان) وسري سوركايا أوندر( وهو تركي الأصل، ليمثل القوى اليسارية في البلاد) وألتان تان( وهو اسلامي كردي، ليمثل القوى الكردية الاسلامية والطبقات المحافظة) لمقابلته. وقد حصل اللقاء في الاسبوع الماضي.
خامسا: ستعمد الهيئة البرلمانية التي تتباحث مع اوجلان على شرعنة المباحثات عبر نقلها الى مقر البرلمان التركي. ومن المزمع تشكيل لجنة خاصة برلمانية من اجل التباحث في الخطوات القانونية للحل.
سادسا: اجٌبرت الحكومة التركية على فتح طريق الحل السياسي بسبب تصاعد قوة الشعب الكردي وحركته السياسية. فنفوذ حزب العدالة والتنمية في ولايات كردستان في تقلص مستمر، وتتعرض قواعده الى ضمور كبير بسبب توجه الطبقات الكردية الى حزب السلام والديمقراطية الكردي. كما القى الالاف من افراد ميليشيات quot;حماة القرىquot; اسلحتهم واعتذروا في حفلات مصالحة كبيرة عن ما ارتكبوه بحق اخوتهم. هذا ناهيك عن الاقتدار العسكري لحزب العمال الكردستاني والذي ظهر الصيف الماضي بسيطرة قواته على مساحات واسعة في ولايتين بالقرب مع حدود اقليم كردستان العراق. هذا ناهيك عن التطورات الأخيرة في سوريا وتصاعد القوة التنظيمية للكرد هناك وارتباطهم الوثيق مع الحركة التحررية الكردستانية. لذلك تحاول الحكومة التركية عبر تشكيل مجموعات مسلحة لمحاربة الكرد في سوريا وقصف مناطق قنديل التأثير في اوراق القوة التي يمتلكها حزب العمال الكردستاني وتحسين موقعها التفاوضي.
سابعا: الطرف الشعبي التركي يبدو غير متحمس للسلام. قواعد الاحزاب التقليدية ماتزال ترفض فكرة المساواة مع الكرد في البلاد. وتحاول الحكومة التركية تغذية هذا التوجه من اجل تحسين سمعتها والتأثير في الجانب الكردي. فرئيس الحكومة أردوغان قال قبل فترة من انه سوف quot;يجترع السمquot; ويحاور حزب العمال الكردستاني. بمعنى آخر: القبول بالهوية الكردية ومساواة الكرد بالترك في البلاد هو quot;اجتراع للسمquot; في عرف اردوغان وفكره العنصري!. وقد جرت واقعة في منطقة البحر الاسود تدل على رفض الكثيرين للسلام مع الحركة الكردية، وذلك عندما اعتدى المئات من المواطنين الاتراك على وفد برلماني زائر يمثل حزب السلام والديمقراطية الكردي.
خلاصة الكلام ان هناك متغيرات كثيرة في المنطقة يحاول كل من الجانب الكردي والحكومة التركية تجييرها لمصلحتهما لتحسين موقفهما في التفاوض، لكن الثابت بان هناك قناعة ترسخت لدى مؤسسات الدولة التركية بانه لابديل عن الحوار والحل السياسي للقضية الكردية، وان العنوان هو: عبدالله أوجلان، الذي حاولت أنقرة عزله وتهميش دوره سنوات طويلة، لكنها عادت اليه مرة أخرى، مضطرة أمام تصاعد قوة ونضال رفاقه وشعبه في الخارج...
* معلق في صحيفة quot;آزاديا ولاتquot; الكردية الصادرة في ديار بكر
التعليقات