مهما رأينا من اختلاف في وجهات النظر بين القوى السياسية والدينية العراقية المنضوية داخل الائتلاف الوطني الشيعي الحاكم، فانها تلتقى في نقطة استراتيجية واحدة وهي تحقيق ؛ مصلحة المذهبquot;الشيعيquot;عبر تولي الحكم واخضاع القوى العراقية الاخرى للامر الواقع، وقد تتقاطع في امور جانبية بسيطة تتعلق بالخدمات العامة وانماء المشاريع وما شابه ذلك وربما دخلت في صراع حول هذه القضايا، قد يصل الى حد التشابك بالايدي والارجل في البرلمان مثلا ولكن اذا تعلق الامر بمسألة الحكم والقيادة او يمس جانبا من جوانب عقيدة المذهب، فانها سرعان ما تتوحد وتتصدى لها بكل قوة واقتدار، وقد رأى العالم كيف انها عاقبت النائب النشط عن دولة القانون الشيخquot;حسين الاسديquot;وطردته شر طردة بمجرد انه شبه المراجع الشيعية بمنظماتquot;المجتمع المدنيquot;، مع ان هذا النائب تطاول اكثر من مرة على الاكراد وقادتهم وسفه احلامهم ووقف بوجه تطلعاتهم المشروعة ولكنها لم تعاقبه بل بالعكس كافأته ورفعت مكانته عاليا وكذلك الامر بالنسبة للشيخquot;جلال الدين الصغيرquot;الذي بشر بحرب ضروس لا تذر ولا تبقى مع الاكراد يخوضها امام الشيعة الثاني عشرquot;المهدي المنتظرquot;ضدهم ولكن مع فداحة القضية المثارة واثرها السلبي على العلاقات الشيعية الكردية، لم توجه الى القيادي الشيعي كلمة توبيخ واحدة لا من قبل قادة الائتلاف ولا من المراجع العليا، ولم يقدم اي اعتذار من اي نوع للشعب الكردي الذي اسيء اليه اساءة بالغة وكأن هذه القوى مع مراجعها العليا متفقة سلفا مع طروحات الشيخ العدوانية، ولو افترضنا افتراضا انquot;الشيخ الصغيرquot;قد عكس الصورة ووجه اهانته هذه للـquot;مسيحيينquot; بدل الاكراد مثلا باعتبارهم شريحة غيرمسلمة وهم اولىquot;منطقياquot;بشن الحرب ضدهم من قبل الامام المهدي وليس ضد الاكراد المسلمين، الم تكن تلك المراجع قد اقامت الدنيا ولم تقعدها عليه وعلى حزبه ووبخته وربما ابعدته عن الحياة السياسية والدينية الى الابد، باعتباره قد تطاول على شريحة اصيلة من شرائح المجتمع العراقي واساء الادب اليها؟

واذا ما عرفنا ان طروحات الشيخ العدوانية بحق الشعب الكردي جاءت متزامنة ومتوافقة مع الحالة السياسية المتدهورة القائمة بين حكومتيquot;بغداد واربيلquot;وبين رئيس الاقليمquot;مسعودبارزانيquot;ورئيس الوزراءquot;نوري المالكيquot;، فاننا نصل الى الحقيقة التي ذكرناها انفا وهي ان الائتلاف الوطني الحاكم المظلة التي تجمع تحتها القوى الشيعية، تحكمه استراتيجية واحدة لا يمكن تجاوزها مهما اختلفت الاراء وتشابكت السياسات، فعلى الرغم من ان الشيخquot;الصغيرquot;قيادي ينتمي الىquot;المجلس الاعلى الاسلاميquot;وهو حركة دينية سياسية تختلف منهجا وتنظيما وقيادة عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي، فان هذا الاختلاف لم يمنعه من ان يناصر لهذا الائتلاف ويقف بوجهquot;الحليفquot;الكردي الذي اصبح عدوا بين ليلة وضحاها..

لابد للسياسين الاكراد وعلى وجه الخصوص الرئيسquot;بارزانيquot;الذي يخوض صراعا متواصلا مع ائتلاف quot;المالكيquot;المؤيد بقوة من قبل التحالف الوطني والمراجع العظام، ان يحتاط في تعامله مع القوى الشيعية، ولا يراهن كثيرا على اختلافاتها الجانبية التي تطفو على السطح بين حين واخر والتي تهدف اساسا الى خداع الكتلتينquot;التحالف الكردستاني والقائمة العراقيةquot;لانها اختلافات تكتيكية وغير حقيقية وكذلك لا يعطي ثقته المطلقة لبعض قادتها دون غيرهم اذ لا فرق جوهريا بين المالكي والجعفري او الصدر وعمار الحكيم، كلهم يخدمون قضية واحدة ويسعون لهدف واحد، ولاشك انquot;بارزانيquot;من اكثر السياسيين العراقيين معرفة بهذه الحقيقة، فقد تعرض لخداع سياسي من قبل احدى القوىquot;الشيعيةquot;وهي التيار الصدري الذي مازال يعتبر نفسه معارضا لتوجهاتquot;المالكيquot;عندما وعده بالوقوف معه لسحب الثقة من رئيس الوزراء ولكنه اخلف وعده وانسحب من العملية في اخر لحظة، وكذلك عندما قام بالمصادقة على الموازنة العامة للبلاد التي تدعم نفوذ المالكي التوسعي بصيغتها الحالية، على الرغم من اعتراض القائمتينquot;الكردستانية والعراقيةquot;عليها ولكنه اقرها لان المصلحة العليا للمذهب اقتضت ذلك وليس مصلحةquot;الشعب العراقيquot; كما يدعي.