ان نظرية الاعلم نظرية مستحدثة وهي في ظاهرها نظرية عقلية مستقيمة وفي باطنها مخالفة صريحة للعقل لانها مستحيلة و لاشتمالها على الادعاء والفخر و إلغاء الآخر، لأن كل من يدعي بأنه (الاعلم) ينافي التواضع المطلوب لدى أهل العلم الذين يقولون ( وما أوتيت من العلم إلا قليلا ) وهو يعلم أن فوق كل ذي علم عليم،وإذا قيل بأن البطانة هي التي تروج للأعلمية وليس الأعلم نفسه نقول بأن البطانة ليست حجة البتة وهي اسيرة العاطفة وعرضة للخطأ و الرغبات. وإن ادعاء الاعلمية من قبل عدة علماء في آن واحد يؤدي الى الطعن في بعضهم البعض.

وما يعطيه البعض من قياس حول ضرورة مراجعة الاخصائي بدلا من الطبيب العام هو قياس فاسد يلجأ اليه مع الاسف الكثير من اهل الفضل والعلم وسنتحدث عن هذا القياس بالتفصيل في موضع آخر.

ان الاعلم يحدده البطانة وليس اهل الخبرة كما هو المفروض وما يُقال عنهم اهل الخبرة هم من البطانة، وهناك جانب سلبي وسيء في من يقول بهذا وهو اذا تعدد الاعلمون ( ولايتعددون عقلاً ) اذ قد يتعدد العلماء يعني بأن الاعلم يريد ان يقول بأن المتصدين الآخرين اقل مني علما ولا يجوز تقليدهم وفق نظرية الاعلم وانهم مدّعون بمعنى اخر، والعالم المتواضع لا يقول ذلك اذ لا يليق به ان يقوله وكنت منذ زمن بعيد اريد الكتابة في هذا الموضوع حتى قيّض الله تعالى لي كتابا وانا بجوار الامام الحسين في رمضان 2012 اسمه (التقليد والاعلمية ومحنة المكلفين) للشيخ عبد الله عبد علي الكناني ورأيت ان وجود الكتاب لا يمنع من كتابة مقال بهذا المعنى نضمنه ما نراه صحيحا في هذا الباب و رأيت انه لزاماً علي ان اظهر للملأ ما اعتقده مع علمي بأني سأواجه سهام المخطّئين ورماح الناقدين المنتقدين او قد اتلقى زهور التصويب.

لقد وجدت بأن المشهور من العلماء يقول بالاعلمية والمغمور لا يقول بذلك اذ لا اتفاق ولا اجماع على ( الاعلمية ) و وجدت بأن المشهور لا يقول بالتبعيض والمغمور يقول بالتبعيض بلا تردد.

ان التقليد امر ضروري في كل المسائل وليس في الدين والشريعة فقط ولكن في كافة مناحي الحياة اذ اننا نلجأ الى من يعرف عندما لا نعرف عن مختلف الامور الحياتية ولا عيب في ذلك وانما هو التكامل ولكن لماذا تقليد الواحد في جميع المسائل؟

وماهو الدليل على تقليد الواحد، وان كان هناك دليل عقلي على تقليد الاعلم فمن يشخص الاعلم في حالة تعدد المراجع؟ فالتعرف على الاعلم امر مستعصي و ليس في مقدور اي انسان التوصل اليه بل وحتى الخبراء لا يستطيعون ذلك كما يقول صاحب الكتاب.

ان المجتهد لا يعني بأنه احاط بكل العلوم مطلقاً اذ ان فوق كل ذي علم عليم وما اوتي احدٌ من العلم الا قليلاً بل اقول وحتى المجتهد قلّد ويظل يقلّد في الامور التي لا يعرفها فتقليد الاعلم قاعدة تفتقر الى الدقة وفيه اذ ان الطبيب العام يكفي للكثير من الامراض الشائعة والابتلاءات اليومية اذ لا يليق الذهاب الى اعلم متخصص واشهر واعلى واكبر طبيب من اجل مرض عادي شائع، وعليه فإن اغلب الابتلاءات اليومية في مجال الدين يعرفه رجال الدين العاديين ولا يحتاج الى علّامة فهّامة بحر متبحر، نعم الا اذا كانت هناك قضايا معقدة وقد تنقضي اعمارنا ولا نحتاجها.
واما احكام الوضوء والصلاة والصوم والزكاة والحج فهي امور يجب معرفتها على كل مكلف والسعي لمعرفتها واجب.

حتى الائمة كانوا يدعون الى الرجوع الى علماء زمانهم ولم يكن الامام يدعو الى تقليده فقط باعتباره الاعلم لعلمه بان علماء الطائفة قادرون على الرد على الاستفتاءات الاكثر ابتلاءً.
المجتهد الذي يقال انه اعلم او الاعلم هو انسان بالنهاية وغير معصوم وقد يحتمل اجتهاداته الخطأ وقد لا يصيب في الاستنباط رغم بذل وسع مجهوده، وله اجر كما هو معلوم في كلا الحالتين.
والحق باني لا اتفق مع صاحب الكتاب ازاء الكثير من الافكار التي اوردها ولكن الكتاب يحوي الكثير من الافكار المتوافقة التي تعتبر توارد خواطر ولا ادري اينا سبق الاخر اليها لكنه على اي حال سبقني في النشر لا محالة.

غاية الامر انهم كلهم علماء وايات الله و عظام وثقات عدول يعرفون الخطوط العريضة للاجتهاد والاستنباط ولا نعرف من منهم متى يصيب ومتى يخطيء ولكن يجمعهم انهم كلهم غير معصومين ولا يوجد اي امكانية لتشخيص الاعلم وان معرفة الاعلم لا تتحقق اصلاً وكفى و الا لو عُرف وجود الاعلم لما جاز تعدد المراجع، والاعلم عند جماعة ليس هو عند جماعات اخرى وهنا المعضلة.
وقال المحقق الحلى قبل الف عام :ان قلد الاعلم جاز ويجوز العدول الى المفضول.
وعليه فان تشخيص الاعلم ليس واجبا جماهيريا وليس بوسع اي انسان فضلا عن من يسمون بأهل الخبرة تحقيق ذلك، وهناك قولان للفقهاء في هذا احدهما الجواز والاخر المنع كما يقول الشهيد الثاني وفي كل واحد من الادلة من الجانبين نظر، ثم لا يرجح احدهما على الاخر.
باختصار لو ثبتت قضية الاعلمية لوجب تقليد مرجع واحد و فسد تقليد بقية المراجع فالاعلم لا يكون الا واحداً ( وانا اقترح استبدال كلمة الاعلم بعبارة اخرى وهي (أعلم من الاخرين او اعلم الجميع او اعلم من الاخر) حتى يؤدي الغرض بوضوح.

ولم اجد في القران شيئاً يوجب تقليد الاعلم، و القران الكريم لا يكلف الناس شيئا مستحيلا وانما يقول في حالة عدم العلم السؤال من اهل الذكر وهم كثر. والروايات لاتدل على الاعلم فقط بل الاعدل والاصدق وقد يكون العالم اعلماً ولكنه لا يكون اصدقاً او لا يكون الاعدل وهكذا فلا يكتمل الانسان تماما.
نعم ان (الاعلمية)هو دليل عقلي في حالة اثبات من هو الاعلم واذا حدث فهو ملزم، ثم اين الاعلمية في مقبولة عمر بن حنظلة :فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظاً لدينه مخالفا لهواه مطيعا لامر مولاه فللعوام ان يقلدوه.

ثم ان شهادة الخبير عاطفية ارتباطية فالاعلمية شرط تعجيزي يقول العالم الكبير اية الله السيد محمد العلوي الكركاني :الافضل تقليد الاعلم اذا احرز لكن معرفة الاعلم من الامور المشكلة ولا اشكال في تقليد غير الاعلم. انا اقول بتقليد الافضل الاشهر، واحد الشروط التي وضعها العلماء لمعرفة الاعلم كما يقول صاحب الكتاب في ص99 هو شهادة عالمين عادلين على ان لا يخالفهما عادلان آخران واقول اذا كان هذا هو المقياس فلا اعلم ولا اعلمية،اذ ان تعدد المجتهدين هو نتاج الاختلاف في شهادات الخبراء.

وما يقال بالشياع المفيد للاطمئنان هو جيد لكنه يسقط المراجع الاخرين ويقول صاحب الكتاب وهو شيخ معمم بأن تقليد الاعلم شرط وضعه العلماء بالدليل العقلي.
وهذا كلام مختصر مفيد وقد يكون من الافضل تقليد الاعلم ولكن كيف التوصل اليه والقران يقول اهل الذكر وهم كثر.
ونحن يجب ان نبحث عن اي تبرير لجواز تعدد المراجع ونعمل به وندعو اليه والا بطل تقليدهم لا سيما وان الاعلم بينهم واحد.

ان كل مرجع يشهد له مجموعة من الخبراء مما ادى الى تعدد المراجع وتصاعد الخلاف الى درجة التناحر،والتبعيض اذا صح وهو صحيح ينسف نظرية الاعلم بالكامل لا سيما وان بعض المراجع يقولون بان التبعيض في التقليد لا اشكال فيه وقد يجب التبعيض في حالة ثبوت اعلمية كل واحد في مسئلة، وهناك كلام معقول جدا لاحد العلماء يحل المشكلة وهو: ان عرفت الاعلم وجب تقليده وان لم تعرف الاعلم تختار من تشاء للتقليد.
يقول المؤلف وان مسالة تعدد المجتهدين وجواز اخذ الفتوى من اكثر من مرجع واحد في آن واحد تكون مفيدة اكثر لو كان عمل المراجع ضمن مؤسسة واحدة كهيئة العلماء اقول حتى لو لم يكونوا ضمن مؤسسة واحدة، و اذا صحت رواية اختلاف امتي رحمة فيكون للمقلد خيار فيختار الاسهل والانسب ولا اشكال، و وجود علماء مجتهدين اي مراجع يرجع اليهم الناس في عصر الائمة دليل على جواز تقليد غير الاعلم الذي هو الامام المعصوم.

وعدم اتفاق المراجع على مرجع واحد وهو الاعلم باعتبارهم اصحاب خبرة معضلة كيف يسوغ فرضها على العوام فيما تنكره الخواص،والاعلمية اذا ثبتت يوجب توحد المرجعية في شخص واحد كما اسلفنا.
الظريف في منهج المؤلف نقله عن المشهور والمطمور والمختلفين والمتآلفين اذ ينقل عن الشيرازي ومحمد علي الطباطبائي وينقل عن السيد محمد حسين فضل الله (ص148 ) واعجبني حديثه عن الحلم الذي يراود الجميع وهو تشكيل شورى للمراجع ضمن مؤسسة توحد الفتوى والجهود.

نحن نتمنى لو تكون هناك آلية مناسبة لتشخيص الاعلم حتى يكون مرجع اعلى واحد للطائفة وتتوحد الفتاوى وحتى لا يكون عدد من الاعلمين في وقت واحد ومكان واحد وتكون هناك مركزية مهنية في جمع الاموال اعني الحقوق الشرعية.
والمقال بمجمله انتصار للراي الذي يقول بجواز تقليد غير الاعلم وليس موجها لمن يعتقد بوجوب تقليد الاعلم.

[email protected]