جمال الدين الافغاني"1838ـ1897"، ذلك المصلح الديني الکبير بکل شئ و الذي خطف القلوب و الافئدة قبل الانظار، يمکن القول بأنه قد سبق عصره بالافکار و المبادئ النيرة التي طرحها والتي کانت تؤسس لمجتمع مدني اسلامي حضاري منفتح يرفض کل القيم و الافکار المنغلقة و الضيقة.

"ملعون في دين الرحمن، من يسجن شعبا، من يخنق فکرا، من يرفع سوطا، من يسکت رأيا، من يبني سجنا، من يرفع رايات الطغيان، ملعون في کل الاديان، من يهدر حق الانسان، حتى لو صلى أو زکى و عاش العمر مع القرآن."، هکذا خاطب المصلح الافغاني قادة البلدان الاسلامية و فقهائها بعد أن تجول في مختلف بلدان العالم ولمس فيها معالم الجهل و التخلف و الانحطاط، ولاريب ان الافغاني ومن خلال تلك الجمل البليغة أراد أن يرشد قادة و فقهاء العالم الاسلامي الذي کان وقتئذ في حالة سبات، الى اسباب الرفعة و العزة و التقدم.

لو تمعنا فيما أکد عليه الافغاني في أقواله ساردة الذکر، و قمنا بمقارنتها بما فعلته دولة طالبان في أفغانستان و الجمهورية الاسلامية الايرانية و الحکم الاخواني البائد في مصر و الدولة الاسلامية(داعش) و تنظيم القاعدة و التنظيمات السائرة على نهجها و الميليشيات الشيعية، لوجدناها جميعها تسجن شعبا و تخنق فکرا و ترفع سوطا ووو الى نهاية ماقد ذکره الافغاني، فکلهم في"الهوى سوى"، ماعدا ان هناك ثمة إختلاف في الشکل فقط وإلا فإن النهج هو ذاته من دون أي تغيير، وليس هناك من بينهم من يجرؤ على أن يسلك نهجا إعتداليا يتسم بروح التسامح و الإيثار و يحطم جبال الحقد و أصنام الغضب و التعطش للدماء في داخله، فالکل في سباق على درب التطرف ولاشئ لديهم غير ذلك!

المثير للسخرية و الاستهزاء، ان هذه الدول الاستبدادية القمعية المعادية للأفکار و القيم و التطلعات الانسانية، تتسابق فيما بينها من أجل تکفير بعضهم البعض و الزعم بأنه النموذج الاصح، في حين ان کلهم على نفس النهج و الاسلوب وان کانت داعش او النصرة او طالبان تقتل و تفتك بالناس علانية فإن الجمهورية الاسلامية مثلا تقتل و تفتك بخصومها في هدوء و بعيدا عن الاضواء.

المجازر و الجرائم البشعة التي تم إرتکابها بحق ابناء الطائفة الايزدية و غيرها من جرائم التنظيم الوحشي الهمجي داعش و جرائم دولة طالبان المتخلفة و المستبدة بحق نساء أفغانستان و المجزرة التي إرتکبتها الجمهورية الاسلامية بحق 30 ألف سجين سياسي من أعضاء او أنصار منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة والذين کانوا أساسا يقضون أحکاما صدرت بحقهم من محاکم الجمهورية الاسلامية، على أثر فتوى من الخميني ذات أثر رجعي، ناهيك عن قائمة طويلة

عريضة من الجرائم و الانتهاکات الواسعة في مجال حقوق الانسان حتى رفع ذلك من شأن"الجمهورية الاسلامية الايرانية" وجعلها تحظى ب61 قرار إدانة دولية في مجال حقوق الانسان.

قبل فترة قصيرة، بعث الشيخ جلال کنجهاي، رئيس لجنة المذاهب و حرية الديانات في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، برسالة الى شيخ الازهر أحمد الطيب بمناسبة صدور"بيان الازهر العالمي"، حيث أبدى ملاحظات بإسم المجلس الوطني للمقاومة الايرانية على بعض من فقراته، ومع ان معظم ملاحظاته تسير و تجري في سياق مشابه تماما لذلك الذي طالب به الداعية جمال الدين الافغاني، لکن ثمة ملاحظة لفتت نظري أکثر من غيرها واود أن تکون مسك ختام هذا المقال وهي(كما اننا نرحب بهذا الجانب من البيان الذي يؤكد «إن تعدد الأديان والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك؛ فقد كان هذا التعدد وسيبقى مصدر غنى لهم وللعالم، يشهد على ذلك التاريخ... فإن التعرض للمسيحيين ولأهل الأديان والعقائد الأخرى باصطناع أساب دينية هو خروج على صحيح الدين وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، وتنكر لحقوق الوطن والمواطن..». هذه هي حقائق دامغة يتجاهلها كثيرون ومنهم الدول المدعية بالإسلام والشخصيات المتشدقة بالفقه والفتوى والدعوة ولهذا يعتبر ذلك اجحافا وظلما كبيرا بحق الدين الإسلامي الحنيف الذي لم يرض إطلاقا بهكذا مواقف لاإنسانية مجحفة ولا تتفق معها. واننا لسعداء وشاكرون الآن أن هذه الجامعية في الديانة الإسلامية الصحيحة قد تم تواصلها والمصادقة عليها. ومن المتوقع أن يشاطرنا فضيلة الإمام الأكبر وشيخ الأزهر رأيا بأن فرض أي صنف من الحكومة الطائفية مهما كانت تسميته دينيا أو مذهبيا أو قوميا أو عرقيا في عالمنا المعاصر وفي المكونات القومية والدينية المنتشرة في دول العالم من شأنه أن يشيع الاضطهاد وهتك الأعراض والاعتداء على أرواح وأعراض الأبرياء مما يستدعي اعلان البراءة قولا وفعلاعن هكذا ادعاءات ولاسيما من المنطلق الدين الإسلامي الحنيف والشريعة المحمدية السمحاء."