من هو مونتسكيو؟ هو واحد من اهم فلاسفة عصر التنوير في القرن الثامن عشر، وأول من نادى بتطبيق نظام فصل السلطات. اسمه الاصلي "شارل لوي دي سيكوندا" المعروف بإسم "مونتسكيو". ولد في جنوب غرب فرنسا (1689 – 1755م) لعائلة أرستقراطية. لم يعان من الفقر في حياته، وتلقى تربية مسيحية محافظة، إلا انه ابتعد تدريجيا عن الدين فيما بعد.&

انتسب "مونتسكيو" الى اكاديمية "بوردو" منذ بداية حياته العلمية، ثم انخرط في دراسة الفيزياء والرياضيات. ودرس نظريات "نيوتن" عن نظام الطبيعة قبل ان يتفرغ للفلسفة والدراسات السياسية. وقد وقف "مونتسكيو" في وجه التعصب المسيحي السائد في عصره. قضى "مونتسكيو" عمره في نقد الديكتاتورية ونبذ التعصب الى ان مات عام 1755م عن عمر يناهز السادسة والستين.

اهتم "مونتسكيو" بايجاد علاج للمجتمع الفرنسي الذي كان يعتقد انه مريض، ويسعى للانتقال الى فكر جديد. الف اول كتبه قبل ان يبلغ الثلاثين من عمره، لكن اول كتاب كبير له كان كتاب "الرسائل الفارسية" وهو في الثانية والثلاثين من العمر، انتقد فيه انتقادا لاذعا العادات والتقاليد الفرنسية، والتعصب الديني السائد في عصر "لويس الرابع عشر" وخلفه "لويس الخامس عشر"، ونظام الحكم المستبد، واضعا هذه الانتقادات على ألسنة اجانب يبعثون بالرسائل الى مواطنيهم في إيران. كما شن حملة عاصفة على رجال الدين ونفاقهم في كتابه "اعتبارات وخواطر حول سياسة الرومان".

أما كتابه "روح القوانين" فقد لا يدانيه في القيمة والأهمية إلا كتاب أرسطو "السياسة"، او كتاب "العقد الاجتماعي" لروسو. "روح القوانين" من اشهر الكتب السياسية في التاريخ، وقد درس فيه كل المؤسسات السياسية التي كانت سائدة في عصره، ثم بلور صيغة متفتحة جديدة، ونظاما ليبراليا للحكم عبر طرحه نظرية فصل السلطات المعروفة حاليا.&

وقد حدد "مونتسكيو" نظم الحكم فيما يلي:

النظام الملكي: ينتقل فيه الحكم عن طريق الوراثة.

النظام الجمهوري: نظام يحكم فيه الشعب او ممثلوه، ويرتكز الحكم على الوطنية.

النظام الديكتاتوري: يقوم على اساس الحكم المطلق، بنهج اسلوب التخويف والإرهاب في حق المدنيين.

يرى "مونتسكيو" بأن مبرر كل نظام حكم هو ضمان حرية الانسان وصيانة حقوقه، من اجل ذلك يجب الفصل بين السلطات والحفاظ على التوازن بينها.&

السلطة التشريعية: مهمتها وضع القوانين وتعديلها والغاؤها، ثم مراقبة تنفيذها. وتتكون من مجلسين.

المجلس الاول: مجلس ديمقراطي يضم النواب الممثلين للشعب، وينتخب اعضاؤه عن طريق الاقتراع العام.

المجلس الثاني: مجلس ارستقراطي يتكون من النبلاء، وهو مجلس وراثي.

يرى "مونتسكيو" ان اختصاصات المجلسين متساوية، إلا انه في حالة التعارض بينهما، يقتصر اختصاص المجلس الثاني على حق الاعتراض فقط.

السلطة التنفيذية: تناط بها مهمة تنفيذ القانون، وتدخل في اختصاصتها كذلك العلاقات الدبلوماسية مع الدول، وحماية الأمن الداخلي والخارجي، وتوضع هذه السلطة بيد الملك.&

السلطة القضائية: ينحصر اختصاصها في المنازعات وتوقيع العقوبات على المجرمين، وتتكون من قضاة منتخبين من لدن الشعب، مهمتهم الاساسية هي تطبيق احكام القانون.&

فصل السلطات الثلاث، كما يرى "مونتسكيو"، ضروري للأسباب التالية:

السلطة لا تحدها إلا السلطة، عن طريق المراقبة المتبادلة على اساس التعاون والتوازن والمرونة.

الاعتراف للملك بما يسمى الفيتو التشريعي.

حق السلطة التشريعية في مراقبة كيفية تطبيق القوانين، ومراقبة السلطة التنفيذية.

مسؤولية الوزراء امام الهيئة التشريعية.

الملك غير مسؤول امام البرلمان.

استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية، إلا ان "مونتسكيو" يشرك السلطة التشريعية في ممارسة الوظيفة القضائية في حالتين هما:

محاكمة النبلاء امام مجلسهم. حيث يتحول المجلس التشريعي الشعبي الى محكمة عندما يتبين ان قانونا ما يعد قاسيا، ويحق لهذا المجلس تعديله، وهو ما يسمى بحق العفو في المسائل الجنائية.

يباشر المجلس الشعبي سلطة الاتهام امام مجلس النبلاء في الجرائم التي تشكل عدوانا على حق الشعب خاصة في الجرائم السياسية.

رغم ان "مونتسكيو" استلهم نظريته هذه من تجربة النظام السياسي الانجليزي، فقد كان لها العديد من المؤيدين في أوروبا، كما اثرت هذه المبادئ في دستور الولايات المتحدة الامريكية، وفي اعلان حقوق الانسان، وعلى دساتير عدد من البلدان في العصر الراهن.

لقد تطورت هذه النظرية لاحقا على أيدي الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث تحولت الملكيات المطلقة في أوروبا الى ملكيات دستورية (تملك ولا تحكم)، واختفت طبقة النبلاء من المجتمعات الأوروبية، واصبح الجميع مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات امام القانون، بما فيهم افراد العوائل المالكة، واصبحت السلطة القضائية السلطة التي لا تعلوا عليها اي سلطة اخرى.&

اما المجالس المعينة – اي غير المنتخبة مباشرة من الشعب – كمجلس اللوردات في بريطانيا حاليا، هذه المجالس اصبحت للاستشارة فقط، اي للاستئناس برأي اعضاؤها في ما يصدره المجلس المنتخب من قوانين وتشريعات، والمجلس المنتخب غير ملزم برأي اعضاء المجلس المعين.&

ان التسامح الذي نادى به مفكر القرن الثامن عشر يمكن ان يكون بمثابة "بوصلة" يستهدي بها بشر اليوم. وكان "مونتسكيو" قد كتب في احد تأملاته الفكرية: "عندما اتصرف حيال امر ما اكون مواطنا، ولكن عندما اكتب اكون انسانا". واضاف: "انا انسان قبل ان اكون فرنسيا، ذلك لأنني انسان بقوة الضرورة، ولست فرنسيا إلا بحكم المصادفة".&

المصدر: سلسلة عباقرة صنعوا التاريخ. (ابراهيم الزيني).

&

&