الغيوم السوداء تتراكم في سماء اقليم كردستان العراق وتزداد كثافة كلما اقتربنا من تاريخ 19 آب اغسطس اي الشهر القادم. اما ان تتحول تلك الغيوم الى عاصفة عاتية تقضي على الحلم الكردي والى الابد واما ان تنقشع وتتحول الى جو صاف تشرق فيه الشمس على هذا الشعب الذي تعرض للاهوال والكوارث طيلة القرن الماضي والذي لايزال دون كيان حتى اليوم. الامر مرتبط فقط بالكرد وحدهم وذلك من خلال وحدة الصف والكلمة والمصير. هذه المرة مصير الكرد بايديهم ولن تنفع نظريات المؤامرة اطلاقا.
لن يستطيع الكرد ربط اي فشل قادم بالمؤامرت والاعداء والعالم الغربي خصوصا وبقية القوى العالمية حيث انه يتمتع بدعم وتفهم من معظم القوى العالمية الفعالة وعلى راسهم الولايات المتحدة الامريكية والغرب بل وحتى من روسيا والقوى الديمقراطية في العالم لاسيما قوى المجتمع المدني المحبة للسلام والمدافعة عن حقوق وحرية الانسان، اي بعكس ماكان سابقا في القرن الماضي.
لذلك فان اي فشل للكرد في حراكه الحالي سيكون من صنع يديه اي انه يقدم على الانحار بملئ ارادته.
19 آب هو تاريخ الفراغ السياسي في الاقليم حيث ستنتهي فترة رئاسة السيد مسعود برزاني للاقليم.
الجميع يتمنى ان لا يحدث اي فراغ ويتوصل العقلاء والشرفاء في الاقليم الى حل دائم يرضي شعب الاقليم والكرد عموما، ولكن التمنيات شيئ والواقع شيئ آخر تماما.
هذا من ناحية التمني والتفاؤول ولكن كيف هو الواقع؟
في الواقع حتى اذا مر 19 آب دون عواصف وبراكين فان الامور ليست على ما يرام في الاقليم.
الاقليم يعاني من ازمات خطيرة ولعل اهمها الازمتان السياسية والاقتصادية.
الازمة السياسية هو ان الاقليم مشتت بين ادارتين او كيانين هما السليمانية واربيل ولن ادخل في التفاصيل حيث ان لكل منهما حكومته و قواته المسلحة وووو....
اخطر ما في الازمة السياسية هو التشرذم و ان دفة الحكم هو في يد الاحزاب وهنا ايضا لن ادخل في التفاصيل لان الشر كله موجود في هذه الجزئية لانه مصدر الفساد والافساد والاستبداد على رقاب الفقراء والمهمشين اي الحكم الحزبوي او ديكتاتورية الاحزاب.
بدلا من التفاصيل يكفي ان نذكر ان امبراطورية مثل الاتحاد السوفييتي انهارت بسبب التحكم الحزبي الذي كان فوق كل مؤسسات الدولة دون رقيب او حسيب. ولكن الاقليم هو في الواقع هو تحت نير حكم ثلاثة احزاب ولكل حزب منطقة نفوذه المستباحة له. هذه الآفة المستشرية في الاقليم تسير من سيئ الى اسوأ وتقترب من الوضع العراقي والسوري في زمن البعث وسيصل الى نفس المصير اذا لم تؤخذ اجراءات عاجلة وجذرية وهذا هو هدف هذا البحث وسنأتي عليه لاحقا.
الازمة الثانية هي الاكثر خطورة بكثير من الازمة السياسية وهي السبب في ان الكارثة اتية الى الاقليم حتى وان لم يحدث الفراغ السياسي بل حتى وان جاءت ادارة وحكومة بتوافق جميع الكتل السياسية وذلك اذا استمرت السياسات الاقتصادية على نفس المبادئ والاساس السابقة والحالية. لماذا؟
السبب الرئيسي هو عدم وجود السياسات الاقتصادية الانتاجية وعدم اشراك عامة الشعب في الحصول على الموارد التي تذهب الى قطاعات محدودة جدا.
السياسة الاقتصادية في الاقليم هي نفسها التي سادت في الدول الخليجية سابقا وهو بيع النفط وتوزيع الفتات على الشعب.لا يمكن ان تعيش دولة على حساب مصرفي وتوزيعه على المجتمع الذي يعامل معاملة القطيع.
اليونان دولة اوروبية افلست بسبب انها كانت تستهلك اكثر من مما كانت تنتج. الدولة اليونانية كانت تعتاش من اموال الاتحاد الاوربي مثل واردات النفط في الاقليم تستهلك دون انتاج.
النروج مصابة بآفة التخمة النقدية بسبب الواردات النقدية الهائلة من مبيعات البترول وهي تكدس الاموال ولا توزعه على الشعب حتى لا يتوقف الانتاج،حيث بامكان النروج ذو الخمس او ستة ملايين نسمة ان يعيش على الواردات النفطية وبثراء فاحش يشمل كل فرد حتى الطفل الرضيع. ولكن هذه السياسة مصيرها كارثة في المستقبل. النروج تتصرف بحكمة وبتعقل. للتبسيط ايها القارئ الكريم تصور انك تملك عدة ملايين من الدولارات ولكنك لا تتصرف الا في بضعة آلاف منها حتى لا يصيب العطل والكسل وعدم الانتاج بقية افراد الاسرة.
النروج يطبق سياسة التقشف اذا اخذنا في الحسبان وارداتها الهائلة.
اذا كان هذا حال النروج البترولية والدولة الراقية من كل النواحي فلكم ان تتخيلوا حال الاقليم الذي هو تحت رحمة حكومة بغداد؟
طبعا هناك فرق كبير بين الاقليم ودول متطورة مثل اليونان او النرويج، اي بمعنى ان كارثة الاقيم هو زلزال يؤدي الى الزوال. معظم دول الخليج لم تتعافى حتى الآن من سياسات عدم الانتاج بالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها للتخلص من هذه الآفة العجيبة والتي يسميها ارباب الاقتصاد بالعجز العكسي اي التخمة النقدية حسب معرفتي المتواضعة جدا في مجال الاقتصاد هذا العلم المعقد والصعب.
هذا هو السبب في التوقع بان الكارثة ستحل بالاقليم عاجلا ام آجلا اذا سارت الامور بهذا الاسلوب حتى وان فتحت بغداد الباب امام مستحقات الاقليم من واردات النفط واغرقته بمليارات الدولارات.
المصيبة الكبرى بالنسبة للاقليم هو تعرضه للازمتين معا اي الازمة الاقتصادية والسياسية والمصير هو الانهيار الحتمي.
لا داعي لذكر الظروف الخطيرة المحيطة بالاقليم من داعش والخلافات مع بغداد وبقية المتربصين باية تجربة كردية تهدف الى الحرية وتقرير المصير من الجوار والتي نعرفها جميعا علما ان تلك الظروف بحد ذاتها تؤجل خطر الانهيار وذلك بسبب انها ترفع روح التضحية والفداء والصبر والتحمل لدى الغلابة والفقراء والمهمشين من شعب الاقليم والذي لم يبخل حتى بدمائه الطاهرة وتقديم الشهداء طيلة القرن الماضي وحتى الآن.
قد يقول البعض ان الاقليم هو واحة امان واستقرار على مدى عقدين مضى. نعم وبكل فخر فقد نجح الاقليم في سياسة الحفاظ على الامن في محيط متلاطم الامواج. دور شعب الاقليم كان كبيرا جدا ولا يزال والجميع عيون ساهرة ويتعاونون مع الاسايش والبيشمركة بمسؤولية عالية ولكن لا استطيع ان امر على هذه النقطة الهامة دون ذكر جهود السيد وزير الداخلية الناجح السيد كريم شنكالي والذي حفر اسمه في تاريخ الكرد الحديث في حماية الاقليم. طبعا الاخ كريم نجح بجهود وتعاون زملائه وفريق عمله والفدائيين من قوات امن الاقليم.
هل الاستقرار الامني يكفي لدرء الكارثة التي تحدثت عنها اعلاه؟ امنيا تحقق النجاح ولكن؟
الم تتمتع سوريا والعراق وليبيا بالاستقرار ولمدة 30 40 عاما؟
الا يحق لنا ان نأخذ العبرة من مآسي وتجارب الآخرين. الاستقرار في تلك البلدان كان هشا وهو نفس الهدوء الذي يسبق الزلازل والعواصف.
كل ماورد اعلاه هو مجرد مقدمة للدخول في مناقشة او تقديم الحل للخروج من هذه الازمة الخطيرة.
كلمة لا بد منها وهو ان تتطرقي الى هذا الموضوع المصيري هدفه هو الخروج من هذه الازمة وليس ذما او قدحا او شماتة بطرف او حزب او شخص. كما ان تجربة الاقليم ليس كله خطأ او فشل بل ان الايجابيات في تجربة الاقليم هو اكثر من السلبيات وذلك اذا اخذنا في الاعتبار الظروف القاهرة التي مر بها. اكرر بان الهدف هو البحث عن الحلول ودرء الاخطار.سوف احاول ان اعود قريبا مع رزمة من الاقتراحات و الآراء التي تتضمن مشروعا للنقاش يحمي الاقليم من هذه الاخطار.
&
كاتب كردي
التعليقات