رئيسًا للحكومة ....وحرب التحرير(3)
عون في بيروت اليوم بعد نفي 15 عامًا


ريما زهار من بيروت: ليل 23-24 أيلول (سبتمبر)1988 تكثفت الاتصالات لتشكيل حكومة انتقالية. وفي الساعات الخمس الأخيرة عقدت في القصر اجتماعات عدة، وكلف بيار حلو تأليف حكومة. لكن العقدة الأساسية كانت في تعيين الوزراء المسلمين لأن معظمهم رفض المشاركة في الحكومة وفشل بيار حلو في تأليفها. ونحو التاسعة ليلًا كان العماد عون لا يزال موجودًا في وزارة الدفاع في اليرزة. اتصل به داني شمعون وأخبره أنه " يجري الحديث عن وزارة تتسلم فيها حقيبة وزارة الدفاع". فوافق العماد عون. ثم في التاسعة والثلث عاود شمعون الاتصال بعون في اليرزة وقال له أن الحكومة " ستكون برئاسة الرئيس سليم الحص فهل تقبل بحقيبة الدفاع فيها". فرد العماد عون بالإيجاب. وعند التاسعة والنصف استدعي عون الى القصر الجمهوري حيث حصلت اجتماعات عدة مغلقة بين مختلف الشخصيات الموجودة هناك، وعند العاشرة والنصف طرح إمكان تأليف حكومة عسكرية، لكن المشاورات بقيت دائرة لتأليف حكومة مدنية، وطلب الى مدير عام القصر الجمهوري جوزف جريصاتي تحضير أوراق المراسيم في انتظار اعلان الأسماء.واتصل الوزراء بالعماد عون واعلنوا موافقتهم على الدخول في الحكومة لكنهم طلبوا اعطاءهم بعض الوقت لإجراء الاتصالات بالمحيطين بهم واقناعهم بالأمر. لكنهم ما لبثوا أن اعلموه بعدم الموافقة، وتابعت الحكومة العسكرية مسيرتها بوزرائها المسيحيين فقط. وهكذا ذهب أمين الجميل الى منزله وبدأ ميشال عون مسيرته في بعبدا، وها هو الآن يتربع فيه رئيسًا للحكومة الانتقالية. وكان يعتبر أن الوزراء الثلاثة أعضاء المجلس العسكري في المنطقة الغربية سيعودون ويلتحقون بالحكومة، وكان يعتقد أن دمشق ستفتح أبوابها له، وأن الاميركيين سيؤيدونه وستبدأ مسيرة جديدة، الا ان مرحلة أخرى بدأت مع بداية 23 أيلول (سبتمبر). وهكذا فان العماد عون هو ثاني رئيس حكومة انتقالية، وثاني رئيس حكومة عسكرية، ورابع قائد جيش وزيرًا للدفاع، وثامن ضابط وزيرًا، والرئيس الرابع والعشرون للحكومة.

مع الحكومة الحصية

على أثر تعيين العماد ميشال عون رئيسًا لمجلس الوزراء قامت بوجهه حكومة واقعية برئاسة الدكتور سليم الحص وبتأييد من السوريين.
وتسهيلًا للعمل جرى تفاوض مع الرئيس الحص يقضي بأن يصار الى تنفيذ جميع القرارات التي تتخذها حكومة العماد عون، والمتعلقة بالشؤون اليومية والإدارية دون المساس بهيكلية الوزارات أو تعيين موظفين كبار من رتبة مدراء عامين، باستثناء التعيينات الامنية في الجيش، ومقابل ذلك لا تقدم حكومة الرئيس الحص على تعيين قائد للجيش من جهة واحدة. وبالفعل تم العمل بمقتضى هذا الاتفاق الا انه خرق مرتين، الاولىعندما عين الجنرال عون مديرًا عامًا للامن العام هو العميد نديم لطيف، والثانية عندما قبل الرئيس الحص بتعيين قائد موقت للجيش في المنطقة الغربية هو "العميد" اللواء سامي الخطيب، وبما ان الرئيس الحص كان وعد بعدم التعيين، ترك هذا الأمر لوزير الدفاع في حكومته آنذاك الرئيس عادل عسيران لاتخاذ ما يراه مناسبًا. وظلت الامور تسير على هذا النمط الى أن بدأت حرب التحرير.

حرب التحرير

في 7 آذار (مارس) أطلقت النار على طائرة هوكر هنتر لبنانية من قبل الحزب الاشتراكي اثناء تحليقها فوق خلدة، واعتبر إجراء الحكومة الانتقالية بشأن المرافىء والمعابر بمثابة اعلان الحرب، ثم أعلنت قيادة اللواء سامي الخطيب اقفال معبر المرفأ، وانفجر الوضع العسكري على جبهة سوق الغرب، وذلك في اليوم الذي اعلن فيه العماد عون ، عودة الدوائر العقارية في الجديدة وجونية الى عهدة الدولة. ثم أعلن العماد عون بدء "حرب التحرير" بعدما رفض السوريون اجراء أي حوار لترتيب الوضع، كما اتهمهم العماد بوضع "دمى" وأدوات كحكومة الحص وقيادة الخطيب.

وكانت اتصالات اميركية وعربية مكثفة عملت لتحقيق هدنة، وطالب عون بتأليف لجنة لبنانية – سورية لأن المشكلة هي بين اللبنانيين والسوريين وليست لبنانية – لبنانية، بدليل ان الرئيس الحص رحب بخطوة فتح المعابر واقفال المرافىء وكذلك السيد روبير فرنجية، كما ان اللواء السادس رفض اطلاق النار على رفاقه في الجهة المقابلة مما تسبب بتنحيته واستبداله بمسلحي حركة أمل.

لجنة أمنية

في هذا الوقت بلغ الاهتمام الدولي بلبنان ذروته نتيجة لاستمرار الحصار والقصف المدفعي والصاروخي العنيف، وبفضل التحركات المكثفة التي قامت بها سياسة العماد عون الخارجية، والتي اعتمدت على التحركات الشعبية في الداخل والمسيرات والرسائل والضغوطات التي قام بها المغتربون اللبنانيون المنتشرون في القارات الخمس، وهكذا برز اتجاه اندفاعي جدي لعرض المسألة اللبنانية على مجلس الامن الدولي، لا سيما بعدما وجه العماد عون عددًا وافرًا جدًا من الرسائل الى الرؤساء العرب ورؤساء العالم، لا سيما الى البيت الابيض والكرملين والفاتيكان ومجلس الامن الدولي والجامعة العربية، وبات اللبنانيون يعيشون اجواء الحل الدولي الآتي بين ليلة وضحاها.

قمة فاشلة

في 24 آيار ( مايو) عقد مؤتمر قمة عربي مصغر بشأن لبنان لكنه فشل في جمع الرئيسين السوري والعراقي، وسقط اقتراح تقدم به الملك الاردني بتأليف قوة عربية الى لبنان بسبب الرفض السوري. وكانت نتائج هذه القمة التي عقدت في الدار البيضاء: عودة مصر الى الجامعة العربية وتأليف لجنة ثلاثية عليا لمتابعة حل المشكلة اللبنانية قوامها الملكان فهد والحسن والرئيس بن جديد على ان تنجز مهمتها في تأمين الانتخابات والاصلاح في خلال مهلة ستة اشهر.

وفيما استمر التدهور الامني جدد الاخضر الابراهيمي طرحه بتأليف لجنة امنية عسكرية لبنانية- لبنانية وكان من الطبيعي ان يرفض الجنرال هذا الطرح الذي يستبعد الجانب غير اللبناني من المشكلة وحيال بروز عزم اللجنة على دعوة النواب الى الطائف بهدف "اعداد ومناقشة مشروع وفاق وطني"حذر العماد النواب من ان "يذهبوا" هناك "بالخجل" وتبويس اللحى والضغوطات والاغراءات ...

(في الحلقة المقبلة مؤتمر الطائف وازاحة الجنرال)

عون في بيروت السبت
عون ابن الحربية وقائدًا للجيش(2)