واشنطن- منذ مطلع أيار/مايو الماضي تتعرض قوات الاحتلال الامريكية في العراق لعمليات قتل بمعدل جندى أمريكي في عملية كل يومين.
وكان مقتل ستة من الجنود البريطانيين في يوم واحد في جنوب العراق هو أعلى معدل لخسائر القوات البريطانية في يوم واحد بما في ذلك الايام الاولى للحرب.
فإذا كان ذلك هو السلم.. فلم يبدو الامر وكأن الحرب لا تزال مستمرة؟ وحاول وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد التقليل من تأثير حجم الخسائر بمقارنة عدد الجنود الامريكيين القتلى في العراق بالعدد الكبير من القتلى في شوارع واشنطن وضحايا جرائم المخدرات والصراعات بين العصابات الاجرامية في الماضي.
ولكن الموقف في العراق بدأ يحدث دويا في الصحافة والتليفزيون، ويشير بعض المعلقين إلى أن قوات الجيش الامريكي غير مستعدة لهذا النوع من الفوضى العنيفة التي كان يتعين أن يتوقعها المسئولون عن التخطيط في وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون).
وبدأ بعض الامريكيين الذين عارضوا الحرب منذ البداية يطالبون بضرورة سحب القوات الامريكية قبل أن تزيد الخسائر في صفوفها عن ذلك.
بدأ تطور الموقف في العراق يماثل فشلا عسكريا سابقا وهو معركة مقديشو في الصومال عام ،1993 عندما قتل 18 جنديا أمريكيا في مصادمات مع آلاف الصوماليين.
وكانت هذه المعركة التي سجلها الصحفي مارك بودين في كتابه الذي يحمل عنوان "سقوط بلاك هوك" نتيجة للفجوة الثقافية الواسعة بين القوات الامريكية التي توجهت إلى الصومال في مهمة إنسانية لاطعام الشعب الصومالي وبين رجال القبائل المسلمين الذين اعتبروا الامريكيين مستعمرين جاءوا لاستعبادهم.
وكثيرا ما بثت صور جثث الامريكيين أثناء سحلها في شوارع المدينة الصومالية المزدحمة والاطفال يضربونها بالعصي ويركلونها بأقدامهم على شاشة شبكة سي.إن.إن. التلفزيونية الاخبارية. وصدم الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون مما شاهده في ذاك الوقت أثناء جولة سياسية له في ولايات الغرب الامريكي وتساءل: كيف يمكن لهذا أن يحدث؟
وكان المشهد الاول من المأساة التي أعقبت تلك الاحداث الانسحاب السريع للقوات الامريكية التي كانت تعمل رسميا تحت قيادة الامم المتحدة. وفجر ذلك موجة من الصراعات القبلية وتوقفت إمدادات الغذاء للصوماليين الذين كانوا على شفا مجاعة مؤكدة. ومن ثم كان الصوماليون هم أول الضحايا حيث توقفت إمدادات الغذاء.
وما أشبة اليوم بالبارحة فإدارة الرئيس كلينتون مثل الادارة الحالية للرئيس بوش في واشنطن كان تركيزها منصبا على إعادة انتخاب الرئيس. وأتخذ كلينتون قرارا بأن القوات الامريكية لن تتورط بعد ذلك في حروب قبلية أو ثقافية لا تكون مستعدة فيها للقتال.
ثم جاءت عمليات الابادة الجماعية في رواندا. ورغم أنه كان معروفا في واشنطن أن ما يجري في رواندا واحدة من أكثر المذابح العرقية دموية في التاريخ الحديث، فأن الولايات المتحدة وقفت في معزل عن الامر. وحذا الاوروبيون حذو الامريكيبن، ثم تلت ذلك حروب أخرى في الكونغو وليبيريا وسيراليون. ولم تتدخل الولايات المتحدة في كل تلك الاحداث.
وعندما تولت إدارة بوش المسئولية أصبحت العقيدة الجديدة هي أن العراق يشكل تهديدا وشيكا للولايات المتحدة وأنه يتعين التخلص من صدام حسين. ولكن البند الثاني من عقيدة بوش هو تذكر الصومال والتداعيات السياسية المدمرة لتلك الصور التي بثها التليفزيون وإن الولايات المتحدة لن تشارك في إصلاح أي بلد.
ومما يثير السخرية أن بوش غير رأيه تماما وأقتنع بأن إصلاح البلاد أمر ملازم تماما لتغيير النظام وهو ما حدث في أفغانستان ويحدث حاليا في العراق.
وتقف إدارة بوش الان في مرحلة اتخاذ القرار... إما أن تقلل خسائرها في العراق وتتجنب كارثة سياسية أخرى مثلما حدث نتيجة للتدخل في الصومال، وإما زيادة تورطها وزيادة المخاطر التي تتعرض لها في العراق. ومما يخاطر به بوش أيضا إعادة انتخابه مرة أخرى في عام .2004