خالد سليمان
&
&
&
هل العراق ساحة للعراك؟ يضع هذا السؤال الذي صاغه فهمي هويدي في تتماته اليقينية التي نشرها في السفير بتاريخ 23/ 12/2003 بعنوان " العراك في العراق: السنة والشيعة "، يضع المرء أمام حالتين لا ثالث لهما من التفكير في الرد وهما البحث عن تفاصيل تاريخية لدحض تلك المعلومات الخاطئة التي كتبها حول الشيعة ورموزها في العراق أولاً، ولقراءة باطنيات المقال وملحقاته المنتشرة بين أجنحة " الفكر الاخواني " ثانياً. وما يهمني هنا هو هذه الثانية التي ركز فيها الكاتب على مقولات " عراكية " عن الشيعة، غاضباً عليهم ومشفقاً على تاريخ إنكسارات العروبة بسببهم!
&يقول الهويدي بعد شرح ممل عن الوضع العراقي و " تخوينـ " انته المتكررة للشيعة والأكراد وإستعارته لصورة مقتدى الصدر كمقاوم وحيد بين الشيعة:
( ثم أن هناك عنصراً مهماً اخراً في المسألة يجدر الانتباه إليه، وهو أن مراجع الشيعة العراقيين الأربعة الكبار ليسوا من أصول عربية. وهو ما ينطبق على آية الله العظمى علي السيستاني (إيراني) وآيات الله محمد سعيد الطبطبائي الحكيم (إيراني) وبشير النجفي (باكستاني) وإسحاق فياض (أفغاني). ولا يوجد من المراجع العرب الآن سوى آية الله محمد مهدي الخالصي الذي يقوم على مسجد الإمام الكاظم ببغداد، وهو محدود النفوذ. أما مقتدى الصدر فرغم انه ليس مرجعاً، إلا انه من سلالة المراجع الكبار من آل الصدر. ونفوذه واسع بين جيل الشباب خاصة، ويعتمد فيه على رصيد الأسرة برغم انه يتحرك خارج المرجعية، وأسس ما عرف باسم المرجعية الفاعلة او الناطقة في مقابل المرجعية الصامتة التي وصف بها المراجع التقليديين) ولا يتردد الكاتب هنا وعلى لسان مقتدى الصدر ايضاً عن إعلان قناعاته بأن المراجع الدينية الشيعية لا تعير اهتماماً بالشأن العراقي، " أهم من ذلك أن مقتدى الصدر الذي عرف برفضه للاحتلال انتقد موقف المراجع الأربعة الكبار علناً. وكان أول من جهر بحقيقة كونهم من غير العرب، وقال صراحة أن الشأن العراقي العام لا يدخل في صلب اهتمامهم ". يقع الكاتب ومن خلال هذه الجملة على كنز من المفردات لصياغة أبجديات الفكرة التي يريد الوصول إليها وهي التقليم الإجتماعي والثقافي كمُراد سياسي لدى أوساط اخوان المسلمين.
&لمناقشة الحلقات الثلاث من مقال " العراك في العراق " الذي يمكن تلخيصه بالمقطع أعلاه، هناك ثلاثة مستويات فكرية لها موطن القدم في التاريخ الإسلامي أولاً وفي النزعة القومية المعاصرة ثانياً، بالإضافة إلى المستوى الثالث الذي هو رؤية اخوان المسلمين ضمن "مجتمع اللاعيب ". أما بالنسبة للمستوى الأول، فهو ليس الاّ عودة هويدي إلى نوستالجيا روحية نحو تاريخ بعيد قريب أنتج الثقافة الشعوبية. ففي وقت أقتصرت الشعوبية فيه على فترة الخلافة الأموية، الوسط الأدبي خاصة، ونادراً ما نزع إليها أهل العلم والفكر من فلاسفة وعلماء ومتكلمين وفقهاء كما يرى المفكر الراحل هادي العلوي، يستعيدها كاتب موديرن كسلاح جاهز إلى واجهة سجال فكري وسياسي في القرن الواحد والعشرين. ولا بد أن يعرف أن ظاهرة التشيّع لم تكن موجودة عندما تأبطرت الخلافة الأموية وصارت خلافة قومية أمام المسلمين الجدد أو " الأعاجم " حسب المصطلح الإسلامي. في هذه العودة إلى ثقافة " الضاد " عند عقل موجه إلى أقسى حالات النقاء العرقي، لا نرى سوى نزعة قومية جديدة تعتمد وسائل عدة لتمثيل قولها التاريخي ولا تلجأ إلى روابط اللغة والعادات والموروث فقط، بل إلى العقيدة والعرق أيضاً. وهذا ما أعتمدته الحركات القومية المتعصبة لإحتواء المجتمع أو إعادة فرملته وفق صورة واحدة، صوت واحد، لغة واحدة، عقيدة واحدة، عرق واحد، وبإختصار شديد كلٍ واحد.
&أما المستوى الثاني والثالث فهو حالة واحدة من عجز الفكر القومي " الفاشي " والاخواني أمام التنوع البشري والاتني والتلاقح الحضاري بين العروق المختلفة. تجسدت هذه الحالة في بحث مستمر عن صورة مجتمع مُجرد من الأغصان والجذور، تمت من خلالها مقاربات متعددة من التنقيح والتقليم بغية الفرملة الجديدة للمجتمع.
&ولا بد من الإشارة إلى أن النزعة القومية المتعصبة والرؤية الاخوانية السلفية رغم بعدهما الشكلي عن بعضهما البعض، لكنهما تلتقيان في أشياء جوهرية في رؤيتهما للمجتمع والدولة. من جملة هذه الأشياء نجد النقاء والسلف وطرد العيوب والتقليم والتنقيح والكاريزما كتمرين نهائي لصورة الأمير أو القائد.
لا يمكن مناقشة فهمي هويدي خارج هذه المفاهيم التي ضّمنها في تحليله لشيعة العراق، محاولاً زرع رأي لا يعبر إلاّ عن الأوساط الاخوانية، مفاده أن المراجع الشيعية جاءت من خارج البلاد، وأن أي دخول إلى حيثيات سردية لإثبات العكس هو بمثابة الدفاع عن الذات الشيعية العراقية التي لا تحتاج إلى من يدافع عن عراقيتها. والأهم في المسألة هو تشريح تلك الآلية التي يصوغ فيها مقولات " مُرادية " لإستعادة مصطلح الشعوبية ضد الشرائح والمجموعات الإجتماعية التي لا تنسجم مع الآيديولوجيات الكليانية المتمثلة بقومية البعث المتعصبة وسلفية اخوان المسلمين.
&والنقطة التي تثير الإستغراب هنا هو إنسانية هويدي تجاه البوسنيين والتشيشانيين والأندنوسيين والأفغان أفغان العرب بشكل خاص وإشتراط الإنسانية ذاتها بمسألة النقاء العرقي تجاه العراقيين، وفرز الألوان الإجتماعية والأتنية والقومية وفق صياغات قومية إسلامية ديماغوجية سقطت في مستنقعاتها قبل هجوم "الآخر" عليها.