لم يكن الرئيس السابق صدام حسين لوحده ذلك النموذج الدكتاتوري والشخصية النرجسية التي تحكم في العراق وغيره من دول المنطقة على أقل تقدير، وربما ليس وحده أيضا في من تبعوه على دفة الحكم منذ احتلال العراق وإسقاط نظامه المنخور.
وربما لا أكون متطرفا إذا ما قلت إنه قد يكون أفضل من الكثير من أقرانه أو مِن مَن هم أقل درجة من وظيفته السابقة، والذين أنتجهم أو سهل إنتاجهم عبر العقود الأربعة الماضية بثقافته التي أشاعها عبر ما يقرب من أربعين عاما، لو أنهم امتلكوا ربع ما كان يمتلكه من مال وقوة؟
وهذا لا يعني إن النموذج أعلاه قد تم إنتاجه وتصنيعه خلال هذه الحقبة، بل يمتد في جذوره إلى عقود عديدة من النظم التربوية المغلقة والبناء الأحادي للمجتمع القائم على إلغاء الآخر وعدم قبول الرأي المضاد أو المختلف واعتماد القوة والعنف في التغيير أو الإلغاء ابتداءا من الأسرة والمدرسة ووصولا إلى مستويات الإدارة العليا في المجتمع والدولة.
فلم يكن البعثيون لوحدهم ممن أتيحت لهم فرصة سرقة الحكم والسلطة أصحاب هذه المدرسة في العنف والإرهاب وإلغاء الآخرين، بل هم نتاج منظومة فكرية وتربوية متراكمة عبر مئات السنين، ربما كانوا مبدعين في ترجمة تلك الأفكار والأهواء إلى الحد الذي لم ينافسهم أحد فيما مضى من الأيام.
أقول قولي هذا وأنا أراقب نماذج أخرى يفترض أن تكون بديلة لذلك الذي ننزف دما بسببه حتى هذه الأيام، فمنذ سنوات تحقق ما كنا نصبو إليه عبر عقود طويلة ( بصرف النظر عن آلية التغيير ومشروعيته ) وكان يفترض أن تكون النماذج البديلة ( في الحد الأدنى ) متناقضة تماما في ما كنا نعاني منه من إستأثار للسلطة وتشبث بالمناصب سواء رضي الناس أم لم يرضوه، وتسخير إمتيازات السلطة وأبوابها من أجل ذلك الكرسي وصلاحياته وسحره الأخاذ.
كنا نتوقع جميعا ( ربما حتى ضحايا السقوط ) أن يكون البديل مغايرٌ تماما لما كان أيام ( القائد الضرورة ) و ( الحزب القائد ) وتنتهي والى الأبد مصطلحات ( البيعة ) و ( أنريدك يا صدام أنريدك ) وتسيير عشرات الآلاف من ( الجماهير المناضلة ) في مظاهرات التأييد من البصرة حتى الموصل ( لتأييد القائد ) واستنكار من لا يريد القائد.
إن ما يحدث اليوم في استنساخ ما كان يفعله الرئيس السابق في اجتماعاته المهلهلة مع العشائر وهتافاتها وزغاريدها وشيوخها الذين لم يتبدلوا منذ قيام الدولة العراقية وحتى يومنا هذا باستثناء من تذكرهم عزرائيل، فهم على طول الخط مع كل الرؤساء والملوك ودائما هم سيوف بتارة بيد الرئيس أو الملك ( طبعا أي رئيس كان أو ملك )، والغريب إن الرؤساء والملوك تغيروا وقتلوا وهربوا وبقت طوابير الشيوخ والأغوات هي هي مع كل الأنظمة والرؤساء تؤدي دوما فروض الطاعة والولاء المستميت؟
كنا نتوقع جميعا أن ( نخلص ) من هذه الاحتفالات البائسة وأن تنتهي دائرة إنتاج وترميم الشيوخ في ديوان الرئاسة وتتوقف القنوات الإعلامية الحكومية عن تمجيد الحكومة وإيهام ( الشعب المناضل ) بعظمة القائد ومنجزاته!
ولكي لا أطيل سلسلة التوقعات فقد كنا ( أيضا ) نتوقع ( أن تكون الشورى بينهم ) وأن تختفي الكواليس والمؤامرات وجر الحبال طولا وعرضا على افتراض إن ( الأخوة ) جميعهم من ضحايا ( النظام البائد ).
إذن هي ليست مشكلة ( الرئيس صدام حسين ) بشخصه وحتى بنظامه، بل هي مشكلة سلوك تربوي وأخلاقي وممارسات فعلية لا تتفق مع ( معسول الكلام ) وشعارات الاستهلاك العاطفي والغريزي للجماهير المناضلة بقدر ما هي تعبير عن الأحادية والنرجسية والدكتاتورية وعقلية المؤامرة والاعتقاد بأن كل مخاليق الله إنما خلقت لخدمة الرئيس وأهدافه المقدسة!.
حقيقة؛ كانت التوقعات كبيرة بكبر أوجاعنا وعمقها ولكن ما حدث وما ( أخشى أن يحدث ) كان صغيراً لا يتلاءم مع عظمة ما حصل قبل سنوات ( بصرف النظر عن كيفيته ).
فقد استطاعت عقلية النظام السابق وفلسفته أن تشق طريقها عبر منافذ تلك الجوانب غير المرئية في تكوين الكثير من الشخصيات والأحزاب المؤثرة والساندة بأطرٍ وأشكالٍ مجملةٍ وذات نفس المضمون.
ربما لم نصب بالإحباط لحد الآن، والخشية في تراكم ( الأخطاء ) وتقزيمها بما لا يتناسب وحجمها مبدئيا، ففي ذلك مؤشر خطير قد يهدد بالعودة إلى الوراء وإضاعة فرصة تاريخية لبقاء كيان كان ذات يوم يسمى العراق.
كفاح محمود كريم
التعليقات