لعل من يتابع تطورات الأوضاع و سير الأمور في دول الخليج العربي و العراق و النطاق الإقليمي المجاور يلمس على الفور من أن هنالك فورة حقيقية و نشاط ملموس لتحرك العمائم السياسية سوداء أم بيضاء أم ذات ذؤابة!!

ففي العراق الذي تحول بصورة شبه كاملة ( لدنيا المهابيل ) من العمائم المسيسة و التي تحولت لموديل اشبه بالوباء الشامل تتمركز و تتجمع كل محاور إنشاء الكيانات الدينية و الطائفية الممزقة لوحدة الوطن و الشعب و المعرقلة لحركة التقدم و البناء و العصرنة في ظل سيادة المفاهيم الفكرية العدمية و الأفكار الخرافية الطوباوية التي تم إعطاؤها أبعاد مقدسة في واحدة من أكبر المهازل في تاريخ الشعوب، فليس سرا إن عملية إسقاط النظام العراقي السابق التي قادها التحالف الغربي كان عنوانها الرسمي و المعلن ( تحرير العراق من جلاديه و الأفكار الفاشية )!! إلا أن النتيجة كانت مغايرة بالكامل للهدف المعلن بل و متصادمة معه في تضاد غريب و لكنه مبرمج و مخطط له سلفا و أعد ليكون مشروعا تسويقيا قابلا للتصدير لدول الجوار، فالمرحلة القادمة تتطلب نفخ الغبار و التراب عن خرافات التاريخ و تشجيع المشاريع التقسيمية و دعم الجماعات الدينية المتطرفة وفق مبدأ صراع الضد النوعي و تمزيق الساحة الداخلية لشعوب المنطقة، ففي باكستان مثلا ظهر نجم ( إرهابي ) و بعبع سلفي جديد هو زعيم جماعة حركة طالبان الباكستانية هذه المرة!! و هو المدعو ( بيت الله محسود )!! لاحظوا نغمة الإسم الغريبة و دلالاته الإيحائية! و هو نموذج مشابه بالكامل لنموذج الملا الأفغاني الهارب ( محمد عمر ) الذي يسبغ عليه جماعته القداسة و الهيبة!!

و الملا ( بيت الله ) لا يختلف عن صاحبه في شيء بل أنه يرفض التصوير مثلا و يعتبره رجسا من عمل الشيطان!! لذلك لا توجد صورة فوتوغرافية واضحة له بسبب ذلك التحريم وهو نفس حال الملا عمر الأفغاني!! رغم أن حليفهم الكبير الملا أسامة بن لادن و رفيقه أيمن الظواهري لا يجدون بأسا من التصوير و بمختلف الأوضاع لا بل أن قناة الملا ( وضاح خنفر ) الجزيرية قد تخصصت في نشر البورتوريهات الفوتوغرافية لهم!! و لا أدري لماذا يحرم أولئك ما يحلله هؤلاء!! و على نفس النمط من هذا العبث تجري العملية السياسية في دول الخليج العربي التي أضحى فيها للعمامة وجود و حضور و بدون ذكر الإسماء سواءا في السعودية أو البحرين أو الكويت التي بإنتخاباتها التشريعية الأخيرة قد دخلت مرحلة متميزة من نمو الإستقطاب الديني و الطائفي سواءا من خلال نمو الجماعات السلفية أو جماعة نواب التأزيم و التأبين ( اللي بالي بالك )!

وهما النائبان السابقان و اللاحقان عدنان عبد الصمد و أحمد لاري! دون أن ننسى أن معارك الجماعات السلفية ضد قوى التنوير في الكويت قد بدأت قبل إنعقاد الدور التشريعي الجديد لمجلس الأمة عبر التلويح برفض توزير السيدة نورية الصبيح وزيرة التربية الحالية الكفوءة و المقتدرة!! إضافة لسلسلة أخرى من الشروط التعجيزية قد تؤدي قريبا لأزمة دستورية جديدة نتائجها واضحة من اليوم!! فهؤلاء القوم لا يستريحون حتى يخربونها ثم يجلسون على تلالها!!، و هي جميعها مؤشرات لا تنبيء بخير و نعيم ديمقراطي حقيقي أو إنفراج حضاري بقدر ما تعبر عن حالة إحباط حقيقية للشعوب، فالجماعات الدينية المتطرفة مهما كانت شعاراتها براقة و زاهية لا تعبر أبدا عن أي بارقة إنفراج أو تطور ديمقراطي حقيقي و سلمي بقدر ما تعبر عن مشاريع تأزيمية دائمة و خلق لمعارك هوائية ( دون كيشوتية ) و إشغال المجتمع بتوافه الأمور و بتحديد الحريات الشخصية و فرض رقابة محاكم التفتيش الشرعية على الناس و عباد الله رغم أن تجارب الأنظمة الدينية المتطرفة الحديثة كانت كارثية فالنظام الطالباني في أفغانستان لم يستطع أبدا قمع الفساد الإجتماعي رغم عمليات الإعدام الجماعي، و نظام آيات الله من أهل ولاية الفقيه الإيراني لم يستطع بسط العدالة الإجتماعية و الدفاع الحقيقي عن مصالح المستضعفين الذين يحكم بإسمهم زورا و بهتانا و الأفظع أن ذلك النظام الديني المتعجرف برؤاه الخيالية لم يستطع أبدا محاربة ظاهرة الدعارة و الفساد الأخلاقي المستشرية هناك ؟ فعن أي شعارات أخلاقية نتحدث بعد ذلك ؟.

ما يجري حاليا من سيادة لأفكار التطرف من طنجة حتى المنامة مرورا بتونس و ليبيا و الصومال و مصر و الأردن و لبنان و دول الخليج العربية ليس سوى سيناريو تقسيمي و دموي جديد لفصول متجددة من إدارة الصراع الدولي و الإقليمي بعد إنتهاء صلاحية الأنظمة الفاشية القومية و مجيء دور الجماعات الدينية المتطرفة، العمائم المسيسة لا تصنع التاريخ أبدا، بل أنها محطة في طريق الإنفجار القادم القريب في المنطقة.!!!

داود البصري

[email protected]