تحولت قمة الكويت من قمة اقتصادية عادية، وبالرغم من تعمد أدراج قضية غزة الملحة على مقدمة أعمالها، إلى قمة غير عادية بل وتاريخية أيضاً من ناحية أهمية الدور الذي من الممكن أن تلعبه عبر وضعها حجر الأساس لرأب الصدع العربي المستفحل على مدى نيف وعقد من الزمن. وهو تشرذم وتنافر بين الأقطار العربية، تنامي، وتفاقم، وأفرز شرخاً على مستوى البلدان العربية كافة، انعكس اصطفافاً بين ما ُعمد إلى تسميته بدول الممانعة من ناحية، ودول الاعتدال بالمقابل. وكان قد أعلن خلال القمة وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آلا ثاني، أن مصالحة قد تمت في مقر العاهل السعودي بين السعودية ومصر وسوريا وقطر، إذ دعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى quot;إنهاء كافة الخلافات بين الأشقاء العرب من دون استثناءquot;. وفي حال تحققت تطلعات وأمنيات العاهل السعودي وصفيت النيات واستكملت بوادر هذه المصالحات بالمراحل المطلوبة والضرورية، قد تزلل كل العقبات أمام التقارب بين أخصام الأمس، وتتحول قمة الكويت التي انعقدت بحضور معظم قادة ورؤساء العرب، إلى حدث تاريخي عظيم.


ولقد شكلت بشرى لم الشمل العربي التي زفها العاهل السعودي من الكويت، أكثر من بلسم للجراح التي ما زالت تنزف على أرض غزة، بل أفضل وأثمن هدية يقدمها للشعوب العربية، التي أنهكتها الخلافات العربية، ودفعت الغالي والنفيس فدى هذا الشقاق. ولا بد من الإشارة إلى أن حصول التقارب ولقاء المصالحة في مقر العاهل السعودي بالذات، قد يكون مؤشراً لضمان استكمال مراحل هذا التقارب نظراً لما يتمتع به العاهل السعودي من ثقل وتأثير ومصداقية في العالمين العربي والإسلامي. هذا مع العلم أن بعض النوايا السيئة كانت قد توقعت وقبيل انعقاد هذه القمة في الكويت، انفجار الخلافات العربية نظراً لتنامي النفور والتباعد اللذان ظهرا على مستوى البلدان العربية خلال القمتين السابقتين.


ولكن الأخبار الآتية من الكويت كانت إيجابية، وكل الأمل أن يبنى على الأمر مقتضاه فتنعكس هذه المساعي المباركة، مصالحة على مستوى العلاقات المتشنجة، والتي أدت فيما أدت إلى الشرخ الذي مهد لكل المصائب والكوارث التي ألمت بالعالم العربي خلال العقود الماضية. ومنها وليس أقلها ارتماء بعض الأقطار العربية في أحضان دول غير عربية، مما أدى إلى انحرافها فإتباعها استراتيجيات لا تصب في مصلحة العرب ولا في مصلحة تضامنهم. وهو أمر ساهم في تشريع الأبواب أمام التدخلات الخارجية المخربة، وأمام أهواء ومطامع باتت جلية وغنية عن التعريف. تدخلات استغلت التباعد بين العرب، ليس فقط لزرع بزور الفتنة بينهم، ولكن أيضا داخل البلد الواحد وداخل الطائفة الواحدة وذلك من أجل تنمية النفور وروح التقاتل بين الأشقاء في الدين الإسلامي الواحد، من أجل استغلاله ضمن أهداف ومرامي سياسية معروفة. والفتن المذهبية المفتعلة في لبنان والكويت والبحرين، والحروب الأهلية المفتعلة أيضاً في فلسطين قد تكون خير دليل، على مدى ترددات وانعكاسات هذه الخلافات، والتي إن كان شكلها عربي، تظل تشكل ستاراً لخلاف آخر أعمق وأبعد. وغني عن الذكر أن المساعي الحثيثة والتي دعمتها بعض البلدان من أجل زرع الشقاق بين الأقطار العربية، وأيضا بين مختلف شرائح المجتمع داخل البلد الواحد، شكلت أفضل هدية دعم للكيان الإسرائيلي. ومن المتوقع أن لا ترتاح هذه الجهات التي كانت وراء الحربين المدمرين اللذين أصابا لبنان وفلسطين لمحاولات التقارب هذه وأن تعمل على دكّها. وسوف تحاول الصمود بوجه هذه المصالحة، لآن في التقارب يختفي دورها وينعدم ميدان عملها. لذا قد يكون من الضروري أيضا الاحتياط لهذا الاحتمال من أجل تداركه. فإيران مثلا والتي غيبت عن هذه المصالحة سوف تحاول مناهضتها بطريقة ما وصولاً إلى تفشيلها. إذا أمام العرب اليوم خيارين، وهما إما تجاهل نوايا إيران، وإكمال المصالحة من دونها، وإما أشراكها بعملية المصالحة. وقد يكون عن طريق إشراكها إفادة، نظراً لما تتمتع به إيران من مونة وتأثير على حزب الله في لبنان، وعلى حركة حماس في فلسطين. ويكون من نتائج هذا التنسيق معها تخفيف من نسبة الضغط الذي تمارسه على حزب الله في لبنان، فيتحول إلى حزب ينسق مع الدولة اللبنانية، ويلتزم بقرارها، وعلى حماس في فلسطين عن طريق حملها على توحيد نضالها مع الحكومة المركزية. لأن لا قطر ولا سوريا يمكنهما أن يحلا محل إيران اليوم كون اعتبارات كل من هاتين الدولتين هما مختلفتين إلى حد ما عن الأهداف الإيرانية، بالرغم من مواقف التحالف والتنسيق التي تظهر بينها وبين إيران في بعض الأوقات.


أما في حال نجاح مبادرة المصالحة قد ينعكس ذلك إيجاباً على الساحات الأكثر تشنجنا ولا سيما في فلسطين ولبنان. إن في توحيد الموقف على مستوى القضية الفلسطينية عن طريق توحيد الكلمة والتوصل إلى قواسم مشتركة يمكن البناء عليها من أجل إعادة اللحمة بين مختلف التيارات والفصائل الفلسطينية، من شأنه أن يساهم في قطع دابر التدخلات الغريبة المسيئة لهذه القضية المحقة أمام العالم، وأمام المحافل الدولية، حيث كانت ترفع إسرائيل دائما حجة الشرخ بين الإخوة الفلسطينيين، كلما طالبها العالم والمجتمع الدولي بالالتزام بالقرارات الدولية والكف عن التعدي على حقوق الفلسطينيين...... إن في توحيد الكلمة الفلسطينية سوف يعطيها من دون شك دفعا على المستوى الحقوقي ويعمل على التركيز على القضية الأساس، ألا وهي إعادة الحقوق المسلوبة وتحقيق العدالة الدولية عبر تطبيق القرارات الدولية الصادرة بحق الدولة الاسرائيلية المعتدية. إما بالنسبة للبنان فقد تنعكس المصالحات العربية في حال إتمامها انفراجا في الأجواء السياسية المتشنجة، كما بإمكانها المساهمة في حلحلة المشاكل العالقة، والتخفيف من الشحن المتبادل بين فريقي 8 و14 آذار والذي بات ارتباط كل فريق منهما بمواقع عربية متخاصمة، أمراً ليس خافياً على أحد.


وكل الأمل أن تحمل فعلياً قمة الكويت بوادر المصالحة، ويكون تصويب البوصلة على يد العاهل السعودي، لمصلحة إيصال السفينة العربية إلى بر الأمان إنقاذاً لها من الرياح السامة التي تهددها والتي تهب عليها اليوم من البوابة الاسرائيلية، والتي قد تأتي غداً من مداخل أخرى غير متوقعة. وتكون فلسطين الجريحة والدامية قد ساهمت وبشكل غير مباشر بلم الشمل العربي. وإذا كان لا بد من إقامة مبادرة سلام مع إسرائيل، فليكن سلاماً شاملا وتاما مع كل العرب، وإن كان لا بد من الحرب فلتكن حرباً واحدة، لا حروب وجبهات، تفتح تارة ضد العدو وتارة ضد الشقيق.


مهى عون
كاتبة لبنانية
e.mail:[email protected]