كنت بصحبة بعض الأصدقاء تلبية لدعوة كريمة على الغداء الذي زادت من نكهته وعذوبة الجلسة عاملة المطعم الأمريكية.. كانت أمرأة ساحرة بجمالها ودفء روحها الآسرة، قالت لي: صنعت لك السلطة بنفسي... فشعرت كأنها نثرت فوق رأسي أطناناً من الزهور، وتمنيت لو أستطيع القفز من مكاني ومعانقتها شاكرا لها هذه الروعة الأنسانية التي تفوه منها !
أصدقائي أحدهما ملحد صريح، والأخر يؤمن بوجود قوة عليا خالقة لهذا الكون وكلاهما من ديانة غير أسلامية، وكنا نناقش مشاكل العرب والمسلمين في أمريكا، وكيف ان العربي والمسلم المتدين يكون سلوكه مع المسلم في غاية الأمانة والصدق، ولكن حينما يتعامل مع ألامريكي والمؤسسات الأمريكية يستبيح كل شيء ويعطي لنفسه الحق لفعل كل شيء من مخالفات واحتيال وسرقات، وربما تفجيرات وقتل!
فالعربي والمسلم حينما يتعامل مع المسلم غالبا ما يستحضر أحكام الحلال والحرام والأخلاق انطلاقا من الأطار العام للدين، فهو تعاليم دينه تحرم عليه سرقة دولار واحد من جاره المسلم، بينما التعاليم الفقهية للمسلمين - ماعدا أستثناءات بسيطة - مازالت تتعامل مع الأخر غير المسلم بأحكام أيام الحروب والغزوات ومفاهيم: (( دار الحرب ودار السلام )) الغابرة، اذ ان ما يؤسف له فعلا هو ان - غالبية - المسلمين لديهم ثقافة مشوهة خاطئة ترى ان أموال ونساء غير المسلمين مباحة لهم حيث يتعاملون مع الحضارة الغربية ومنجزاتها العلمية بهذه العقلية الهمجية!
أخبرني احد الاصدقاء أن شخصا عربيا مسلما يعيش في داخل أمريكا ويأكل من خيراتها ويتنعم في نعيمها هو وعائلته، يقول حينما وقعت جريمة خطف الطائرا وتفجيرها في 11 سبتمر وراح ضحيتها بحدود 300 انسان... يقول همس في أذني هذا العربي واخبرني انه وأولاده البارحة بعد التفجيرات أقاموا أحتفالاً داخل بيتهم فرحا بهذه المناسبة... تصوروا المشاعر العدوانية الحقيرة تفرح لمقتل آلاف البشر، وهذا الفرح يستمد دوافعه ومشروعيته من ربط الاخلاق بالدين!
ففي الثقافة العربية الاسلامية كل شيء يمر عبر بوابة الدين ويخضع لتفسيراته وتأويلاته، بينما القيم الأخلاقية هي سابقة على الدين فهي مزيج من الفطرة الأنسانية النقية وحصيلة الجهد المعرفي الحضاري للبشرية ورقيها الانساني الذي أوجد هذه القيم الاخلاقية التي ترفض الخطأ وترحب بالصواب، استنادا الى معايير المنطق والعقل والضمير والعدالة والأعتراف بحق الأخر في الوجود.
كنا ثلاثة من ديانات مختلفة، وأتفقنا على أدانه الأحتيال على القوانين والخداع والتسبب بأي ضرر للولاديات المتحدة الأمريكية انطلاقا من التزامنا الأخلاقي نحو هذا البلد الذي نعيش فيه ونشعر بفضله بأنسانيتنا وكرامتنا وحريتنا... أتفقنا بسرعة لأننا لم نربط الاخلاق بالدين والحلال والحرام، ولو كنا جميعا من المسلمين لأختلفنا حتماً ولأتى كل واحد منا ببعض الحجج الفقهية والعقائدية حول شرعية وعدم شرعية الأحتيال والسرقة والإرهاب وقتل الناس من أصحاب الديانة الأخرى.
خضير طاهر
[email protected]
التعليقات