يعنى تقرير quot;الفقر، النمو، وتوزيع الدخل في لبنانquot; بتسليط الضوء على النتائج الإحصائية والدراسات التي توصلت إليها وزارة الشؤون الإجتماعية منذ عام 1990 بالتعاون مع مديرية الإحصاء المركزي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP). ركزت الوزارة في تقريرها على أن الفقر لا يعتمد على قواعد إحصائية صعبة، بل على أسس معيشية للأفراد يجب وعيها وتنظيمها.


يعتبر التقرير الصادر عام 2007 quot;الفقر، النمو وتوزيع الدخل في لبنانquot; الأول من نوعه في لبنان؛ إذ أنه يحدد خصائص الفقر الأساسية مرتكزاً على مقياس الفقر المادي و يحدد خط الفقر الوطني معتمداً على النفقات المنزلية (السكن / المعيشة). بالإعتماد على معطيات المسح الوطني لعامي 2004/2005، تحدد الدراسة نظرة شاملة وعامة لخصائص الفقر وثغراته. وجدت الدراسة أن نسبة ثمانية وعشرين بالمائة من الشعب اللبناني تعتبر فقيرة، ونسبة ثمانية بالمائة تعتبر فقيرة جداً. ذلك على الرغم من التقارير غير الرسمية ترسل أكثر من واحد وستين بالمائة من سكان لبنان تحت خط الفقر، واثني عشر بالمائة تحت خط الفقر المدقع، ويعود ذلك إلى أن التقرير الرسمي قد اعتمد في تحديد الحاجات الأساسية التي ابتنى عليها خط الفقر فيه معايير قدرة الصرف لدى المواطن، لا قدرته على تأمين الحاجات الضرورية الملحة لحياة كريمة، حيث قدّر خط الفقر بالقدرة على الإنفاق اليومي بمعدل 2.4 دولار أمريكي لكل مواطن لبناني.


أما أهم إنجازات الدراسة فكان تحديد الفروقات بين كافة المناطق اللبنانية. فإن نسبة الفقر في العاصمة اللبنانية بيروت quot;غير محددةquot; بالمقابل فإنها مرتفعة جداً في مناطق شمال مدينة عكار، بينما مستويات الفقر في مناطق جنوب لبنان تعتبر فوق المعدل وهذا ما لم يكن متوقعاً، والذي سيكون غير ذلك وفق قدرة المواطن على تأمين الحاجات الضرورية لحياة كريمة، فيما لو اتخذت كمعيار.


لخصت إحدى توصيات التقرير الرئيسية بالتركيز على تقنيات الموارد في المناطق الفقيرة من لبنان. وبناءً عليه، يحدد التقرير أهمية تعديل السياسة المالية وذلك بهدف تحريك الموارد بما يناسب زيادة تمويل النفقات المرتبطة بالحماية الاجتماعية والاستثمار الرسمي في الخدمات الاجتماعية التي تعتبر أحد أهم أجزاء برنامج تقليص الفقر في لبنان. كان يتوقع أن تساهم هذه الدراسة بشكل مباشر على عمليات الإصلاح التي أطلقتها الحكومة اللبنانية في مؤتمر باريس 3 في كانون الثاني 2007، فقد اعتمدت الحكومة اللبنانية لأول مرة في برنامج الإصلاح على المدى المتوسط، خطة عمل اجتماعية تهدف إلى الحد من الفقر وتأمين العدالة الاجتماعية كجزء أساسي في عمليات الإصلاح. يتضمن التقرير الصادر بالانكليزية عناوين عدة تطرح مشكلة الفقر، نتائجه وأسبابه مرفق بنتائج إحصائية صادرة عن مديرية الإحصاء. كما أنه مرفق بجداول ونتائج تتناول المستوى التعليمي للفرد، عدد العاطلين عن العمل والعاملين، الحالة الاجتماعية ونسبة الفقر في كل منطقة وقضاء.

بعد الأزمتين

تأثر لبنان بأزمة الغذاء العالمي بشكل كبير، فقد ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية بشكل غير مسبوق ما أدى إلى تقلص قدرة المواطنين على شراء السلة الاستهلاكية نفسها التي كانت بمتناولهم، وخاصة أولئك الذين كانوا تحت خط الفقر وقت صدور هذا التقرير، وقدّرت بعض المصادر الاقتصادية الأكثر تفاؤلاً أن القدرة الشرائية للمواطن قد تدنت بنسبة تتراوح بين 15 و25 بالمائة. لم تبادر الجهات الرسمية المعنية بشبكات الأمان الاجتماعي المزعومة بتحريك ساكن تجاه الازدياد المضطرد، غير الخاضع لآليات إحصائية مباشرة. إن دراسة quot;خارطة الفقر البشري وأحوال المعيشة في لبنانquot; المتضمنة لأرقام 2004، وتقرير quot;الفقر، النمو وتوزيع الدخل في لبنانquot; المتضمن جزئياً لأرقام 2007، يعكسان مدى قصور الأجهزة المعنية عن استمداد الأرقام الصحيحة وفق إحصاءات موثوقة يمكن أن تعتمد لبناء شبكات أمان اجتماعية، قد تؤسس لتنمية شاملة في لبنان؛ أما عدم وجود أرقام موثوقة بعد تدني القدرة الشرائية للمواطن بنسب عالية، وخضوعه للاحتكار، ومزاجية التجار الكبار المرتبطين عضوياً بالطبقة السياسية الحاكمة بغض النظر عن تموقعها في الموالاة أو المعارضة، يعكس عقم آليات الجهات الرسمية عن متابعة مراكمة التوثيقات الإحصائية، التي ينبغي أن تصدر دورياً، وليس أن يتم إغفالها لسنوات. أما ما يمكن أن يواجهه لبنان من أزمة حقيقية على صعيد التنمية البشرية، والتنمية الشاملة بعد بداية تأثره بالأزمة الاقتصادية العالمية، سواء على صعيد التقلص الكبير الذي تشهده البرامج التنموية الممولة بالواسطة من قبل دول تأثرت بشكل مباشر وكبير بهذه الأزمة، أو على صعيد النزوح القسري لعدد كبير من أبناء لبنان الذين يفقدون تدريجياً فرص عملهم في دول أكثر تأثراً بالأزمة، ما سيخلق أزمة داخلية جديدة، فمتى يمكن أن تقوم الجهات الرسمية برصدها؟ وأي أرقام سينتج عن هذا الرصد؟


عماد الدين رائف