هكذا هي إذن القوى التي تتحدّث عن السيادة والحريّة والغد الأفضل والكرامة والشهامة والنخوة، لا يكفي شراء الذمم في الوطن الأم لبنان، وقد يجد المنباع في لبنان عذراً أنّه فقير الحال وعائلته جائعة وابنه أو إبنته مريض أو مريضة ولا يملك ثمن دواء الشفاء، ولكن ما هو مبرِّر المنباع ضميره في سوق النخّاسة الإنتخابيّة اللبنانيّة وهو في أستراليا المتحضِّرة التي تعطي بسخاء كل محتاج مهما كان دينه أو لونه أوعرقه، وإذا تهاونت الحكومة هبّت للنجدة مؤسّسات خيريّة أهليّة عريقة سبّاقة إلى عمل الخير؟. وماهو مبرِّر المنباع ضميره في سوق النخاسة الإنتخابيّة اللبنانيّة وهو في أستراليا الرؤومة صاحبة النظام الطبّي الإنساني النبيل بامتياز الذي يستنفر كلّه إذا شكا مواطن من علّة، ولا يرسل سيّارة إسعاف تشرقط دواليبها على الأرض للوصول إليه ونقله إلى المستشفى بل حتى يرسل طائرة إسعاف لنقله إلى أقرب مستشفى؟. وماذا يدفع العليل مقابل ذلك؟. يدفع خمسين سنتاً فقط لا غير، أي ثمن المخابرة إلى المستشفى، وكان الله يحبّ المحسنين، هذا إذا لم تبادر الحكومة عبر هيئاتها المتفرّعة وتعوّض عليه ما دفعه ثمن مهاتفته لها لكي تهبّ وتنجده وتسعفه وتزيل عنه علّته، وهذه ليست مبالغة بل حقيقة يدركها كل مواطن في شبه القارّة الأستراليّة كلّها. حقّاً ما هو مبرِّره في هذه الناحية أيضاً؟. كان حوار لا ينقطع بين أبناء الجالية اللبنانيّة حول وجوب أن تتعامل الحكومة اللبنانيّة مع المهاجرين والمهجّرين والمغتربين والمنتشرين ممّن يحملون الجنسيّة اللبنانيّة كمواطنين لهم حقّ مقدّس، وليس هو منّة من أحد، في أن يكون لهم تمثيل في البرلمان اللبناني من خلال آليّة يمكن اجتراحها، وحول وجوب أن تكفّ الحكومة اللبنانيّة عن التعامل مع المهاجرين والمهجّرين والمغتربين والمنتشرين ممّن يحملون الجنسيّة اللبنانيّة وكأنّهم فقط بقرة حلوب. وكثير من الناشطين في سبيل هذه الدعوة ناشطون للأسف الشديد في تأييد وتبرير شراء الذمم التي لم تسمع بنذالتها وخسّتها وقرفها وحقارتها الجالية اللبنانيّة بتاريخها الذي يرجع إلى أكثر من قرن في أستراليا. ما أسوأها بداية في إشراك الجالية اللبنانيّة الأستراليّة في التمثيل البرلماني اللبناني.
وعن أي حريّة وكرامة وسيادة وعنفوان سيتحدّث البائع صوته وكرامته وضميره بعدُ؟. ما أجمل المنباع ببطاقة سفر وبخشيش كمصروف جيب واستضافة quot;يومينquot; في فندق وهو في مجلس ثقافي أو أدبي روائي أو شعري ويحدّثنا في مبادئ الثورة الفرنسيّة وشرعة عصبة الأمم ثمّ هيئة الأمم أو يحدّثنا هكذا على نحو مباشر وأحمديّة عن الحريّة والسيادة والإستقلال والأخلاق الرفيعة الحميدة السامية، مثلما ما أجمل الخائن العميل يتحدّث بالوطنيّة والنخوة والشرف، سواء بسواء، وهذه هي الحقيقة التي لا يكتم عليها إلاّ المنباع مهما تقنّع بأقنعة يحسبها تحجب فيما هي تفضح كأشعّة الشمس. ومنذ فترة وممثّلون عن طرف لبناني في حزّك مزّك إلى أستراليا ما أن يغيب واحد حتى يطلّ الآخر وما هو المراد؟ إنّ المراد يا طويل العمر هو شراء الضمائر ببطاقات سفر وبخشيش كمصروف جيب...أي نسمّنكم شهراً ونذبحكم دهراً. ولكن اللعبة صارت على المكشوف، من دون أدنى شعور بالأخلاق من أي مستوى، فالمخاتير ـ الأختام في الجيبة، يتم رفعهم منها، والختم بهم، قبل إعادتهم إلى الجيبة، وتسليم الوثائق اللازمة لإتمام سندات البيع والشراء في سوق نخّاسة الإنتخابات اللبنانيّة. وإذن، صار المختار، الذي كان له سمعة طيّبة وأشفّ من العطر في أيّام زمان لبنان، صار ختماً يُرفع من الجيبة، أو حقيبة سفر في اليد فيها عدّة الشغل، أو مثل الفانوس السحري تحكّه فيهبّ مختار منه ويقول لك:quot;شبّيك لبّيك عبدك الذليل بين يديك وتحت قدميك، أنت تشير وأنا أختم فقط الورقة التي أشرتَ إليها وهي طبعاً سند البيع والشراء في سوق نخاسة الإنتخابات اللبنانيّةquot;. ويقول لك منباع أنّ هذه هي السياسة في لبنان، ثمّ يقف كالأبله فاغراً فاهاً جاحظ العينين عندما تذكِّره بضميره وأخلاقه وحريّته التي يدّعيها وكرامته الأعلى من جبل صنّين ودينه إذا هو يتبع ديناً.
أمّا الفضيحة بشناشل فستكون يوم يزدحم مطار سيدني، مثالاً لا حصراً، على أيّام متتالية، بالمسافرين الميامين الغيارى الأستراليين اللبنانيين دون غيرهم من باقي خلق الله في أستراليا، متوجّهين إلى إداء فريضة التصويت في لبنان الأشمّ، بدليل بطاقة سفر بخسة الثمن إلى درجة التفاهة تلوّح بها اليد كعلامة أنّ البيع والشراء قد تمّ، والفضيحة بشناشل إذا تناولت وسائل الإعلام المحليّة هذا الحدث المفجع بالتشريح والنقد والتحليل والتعليل وتطلع النتيجة أنّ الأستراليين اللبنانيين أحفاد العظيم جبران خليل جبران هذا هو مستواهم. وتبدأ النكات في الصحف والمجلاّت والإذاعات المسموعة والمرئيّة، ويصبح كل أسترالي من أصل لبناني محلّ شبهة أنّه بحفنة من الدولارات البائسة يبيع صوته الذي هو ضميره، وهل الصوت هو غير الضمير ذاته؟. وبالمناسبة، أنا المواطن شوقي مسلماني، القاطن في بانكسيا ـ سيدني ومتأهّل، أُلفت نظر الحكومات الأستراليّة في الولايات المختلفة والحكومة الفيدراليّة في العاصمة كانبرا إلى أن طرفاً لبنانيّاً يأخذ فيزا دخول إلى أستراليا يسمّم مواطنيها من أصل لبناني بسمّ لا يقلّ خطراً عن السمّ المعروف وهو سمّ الرشوة وقبول الرشوة وتقديم الرشوة وحتى الإيحاء بالرشوة التي تكافحها أستراليا بالسجن لمن يُضبط متلبّساً بها. ولكن من لا يردعه ضميره لن يردعه لا دينه ولا حكومته ولامعتقده عن ارتكاب الموبقات، ومنها ان يبيع صوته ـ ضميره ـ كرامته لقاء بطاقة مجّانيّة إلى الوطن الأم الذي يُزنى به جهاراً نهاراً خصوصاً في مواسم سوق نخاسة الإنتخابات النيابيّة اللبنانيّة، والمقبلة منها لن تكون استثناء.
شوقي مسلماني
Shawki1amp;optusnet.com.au
التعليقات