زواج نيتشه من سالومي مجرد مشهد
فهد الشقيران من الرياض: في فيلم صدر عام 2007 عن نيتشه (When Nietzsche wept) تسوّق الأحداث لإمكانية quot;زواج نيتشهquot; من الفتاة الفنلندية اليهودية quot;لو سالوميquot; وهي الفتاة التي أحبها عباقرة عصرها، الموسيقار ريتشارد فاغنر، والشاعر ريلكه، والفيلسوف نيتشه، لكن quot;إمكانية زواج نيتشهquot; ليست أكيدة من ناحية علمية، ذلك أن كتبه تنضح بالسخرية من quot;التأهّلquot; بالنسبة للشخص المتفوق وذلك في مواضع من كتابه (هكذا تكلم زرادشت) في مقولة كررها كثيراً (لأن تميد بي الأرض خير من أربط مصيري بامرأة)،وهي الفكرة نفسها الموجودة لدى شبنهور، بل ذهب شبنهور في هجومه على المرأة بعيداً حينما كتب: (المرأة أقل من الرجل-إنها من فصيلة أخرى غير فصيلة الرجل-إن الرجل تلفت حوله فلم يجد من بين إناث الحيوانات سواها فاتخذها زوجة له-إنها مختلفة عن الرجل تماماً-إنها أنثى لحيوانٍ آخر انقرض) وهي رؤية تتنوع عن المرأة لدى الفلاسفة، فالموسيقار بيتهوفن لم يتزوج لأنه قال بصوت مرتفع: (الحرية هي ديني) ولم يتزوج أبو العلاء المعري، وبرناردشو، ونيتشه، وعمانويل كانط وكيركجارد.
كيركجارد والفلسفة الوجودية والزواج:
من أشد قصص العشق لدى الفلاسفة، قصة عشق كيركجارد لقد سلبتْ (رجينا أولسن) لبّه، وضح عشقه لها حينما تقدم اشليجيل لخطبتها، أقضّ هذا النبأ مضجع كيركجارد فسارع هو إلى خطبتها لكنه سرعان ما احتقر هذه الخطبة ذلك أن محركها الحقيقي شعور quot;الغيرةquot;، حتى وصل إلى نتيجة ستؤثرفي حياته طولاً وعرضاً وهي أن الرسالة الروحية لا يمكن أن تجتمع مع حياة quot;التأهيلquot;، ذلك أن مراتب الناس عند الوجوديين ثلاث: -رجل جمال، -رجل أخلاق، -رجل دين.عند رجل الجمال: لا عبرة إلا بالمتعة، على قاعدة تمتع بيومك، أو أحب ما لن تراه مرتين، لذا فالمرأة عند رجل الجمال أداة للغزو وليست غاية للتملك، وقيمة الغزو في الغزو نفسه، حتى إذا انقضى لم يعد يعنيه مما غزاه شيء وعلى حد كتابة كيركجارد: (والمرء إذا صعد الرابية لا يرى إلا الشيء الآخر، وإذا هبط كان عليه أن يسهر على نفسه، على الصلة الدقيقة بين نقطة الارتكاز وبين مركز الجاذبية).أما رجل الأخلاق: فيرى معنى الحياة والوجود في العيش تحت لواء المسؤولية والواجب وهذا يقتضي quot;التكرارquot; ويستلزم quot;الذكرىquot;. أما رجل الدين: فلايحيا بالزمان لأنه أشاح بوجهه عن هذه الدنيا وولى وجهه عنها، وقد تحدث كل تلك المدارج للرجل الواحد نفسه. أما كيركجارد فلم يتزوج من خطيبته، وبقي متألماً طول حياته، يصف عبد الرحمن بدوي هذا الانصراف والجرح بقوله: (لقد دلته هذه الخطبة إلى سبيله السوي، سبيل النبي إسحاق، سبيل التضحية والاستشهاد في سبيل الرسالة الروحية العليا، فلم يمض عام حتى ردّ إلى رجينا خاتم الخطوبة، دون أن يتقدم بين يديها بمعاذير، وهذا هو quot;سره الرهيبquot; هذه هي quot;الشوكة في لحمهquot; هذا ما سيحمله وحده صليباً عاتياً على عاتقه الهزيل وهو يسير على درب الحياة) (بتصرف من كتاب دراسات في الفلسفة الوجودية-عبد الرحمن بدوي).
المفكّر العربي وفكرة الزواج:
لم يتفق عبد الرحمن بدوي مع عباس العقاد بأي فكرة سوى فكرة الهجوم الكاسح على quot;العائلةquot; وعلى مؤسسة الزواج، والعقّاد لم يعلم أنه بهذا إنما يجترح فكرة تشاؤمية بامتياز، في الفلسفة اليونانية لم يهاجم سقراط المرأة لأنه ضد quot;مؤسسة الزواجquot; وإنما لأنه كان quot;يحب الشبّانquot; أما دحض مؤسسة الزواج فهو قائم على فكرة تشاؤمية عميقة أسسها شبنهور، ومن ثم تواردت عند فلاسفة كبار. في كتابه (سيرة حياتي) يصر بدوي على صوابية عدم زواجه، لأن المرأة quot;عائقquot;، على القاعدة العربية الشهيرة (الأولاد مجْبنةٌ مبْخلة) لكن بدوي نفسه قال (لوكنت متزوجاً لتزوجت من امرأة ألمانية) هذا مع أنه هام عشقاً بفتاةٍ هولندية، وبفتاة ألمانية كانت هي جذوة الإلهام الذي سيّر كل كتاباته الباهرة. أما عباس العقاد فقد هاجم لدرجة الهوس المرأة فهو رأى أن المرأة (لها طبيعة معقدة لأنها محكومة ولأنها ضعيفة ولأنها آخر العبيد الذين لم يحررهم الرجل) ولأنها هكذا فهي تلف وتدور وتتحايل على الرجل وهي تخدع وتكذب، والذي قال إن وراء كل رجل عظيم امرأة.. هي امرأة) كما رأى أن (المرأة خائنة بطبعها، وأن المرأة والخيانة توأمان).
عن الزواج يقول عباس العقاد: (أرى العذاب في الدنيا كثيرا، وأنه ليس من الضروري أن أضيف له عذاباً جديداً وليس أقسى على الإنسان من أن يجد نفسه مرتبطاً أو مربوطاً بإنسانٍ آخر) (لا أعرف سبباً معقولاً للزواج وإن كنتُ أعرف أن الجنس غريزة، ولكن الزواج ليس غريزة، بدليل أن ملايين الناس ليسوا متزوجين، الزواج عادة) كما يرى العقاد أن المرأة لم تضف شيئاً للبشرية، فأمهر الطباخين، ومصممي الأزياء، والفلاسفة، والمخترعين، وعباقرة العلوم الذين أسسوا النظريات التي حرّكت السيارات والقطارات والطائرات وعلوم الذرات هم من الرجال، والمرأة لم تكن سوى quot;كومبارسquot; على خلفية الحياة.
استطراد:
في العالم العربي الكثير من المفكّرين لم يتزوجوا لأسباب فكرية مختلفة، من بينهم كما سبق عبد الرحمن بدوي وعباس العقاد، والكثير من تلامذتهما، كما لم يتزوج الإذاعي فكري أباظة، أما كبار المثقفين والصحافيين فقد وجد من بينهم من لم يتزوج من بينهم الكاتب والصحافي العريق عثمان العمير مؤسس إيلاف وفي لقاءٍ معه على قناة العربية رأى (أن الحياة قصيرة بالنسبة لمشروع كهذا) كما لم يتزوج الكاتب عبد الرحمن الراشد.
يبدو أن الإنسان يمرّ بالمراحل الوجودية ذاتها ، فهو في عنفوانه يظنّ أن بإمكانه تطبيق فكرة هيغل المثالية عن الزواج التي تقوم على إعمار الأرض، وتحسين مستوى البشر عبر الإنجاب، لكنه وفي مراحل لاحقة يعرف أن الزواج هو الآخر يصبح مجرد نزوة، وأنه لم ينجب سوى ما يضيف إلى الأرض مشاكل جديدة، لكن من جهة quot;المثقفاتquot; والمفكرات العربيات فالزواج لا يمكن أن يمسّ وفي الحكمة الشعبية الدراجة (الزواج، هو الشيء الوحيد الذي تتفق على ضرورته كل النساء).