أقرب... ما تكون الخطوة من الطريق
حينما يتساوى الصمت مع الكلام
وتتساوى الظلمة مع النور
ويتساوى النبض النازف مع المشاعر المجهولة
ويتساوى البشر مع الشجر
والنهر مع البرك الآسنة
والغبار الطافح من أفواه الناس
مع الحرير النائم في أحضان السدنة
وبكاء الأطفال والنساء والعجزة
بعض انقشاع غيمة الحرب
مع ضحكات السماسرة
وهم يحصلون على عمولتهم الباهظة
من صفقة سلاح مشبوهة
وأقرب ما تكون الضحكة من البكاء
حينما يستيقظ الشاعر من نومه
في ساعة متأخرة من الليل
فلا يجد الوطن الذي يحبه
ولا الأصدقاء الذين شاركهم الهم والدموع
ولا الشارع الذي كان يقطعه كلما نهضت المسافة
من بين أوجاعه
ولا النهر الذي كان يتسع لأحلامه
ولا الأطفال الذين أنجبهم
بعد طول غياب
ولا يجد في المنزل أمه وأبيه وإخوته
وصاحبته التي حمته من الموت
بمشاعرها الرهيفة

وأبعد ما يكون الجسد عن روحه
حينما لا يصدق الناس
أن غيمة ستهطل على الأرض
بعد بضعة أعوام مقبلة
وسينبت من مائها الأسود كائنات
تشبه القردة
غير أنها مدركة للوقت
تنفث الدخان على الوجوه
فتتحول الملامح إلى أشباح
وتقبض بأيدها شديدة السواد
على التراب
فيتحول ذهبا وأحجارا كريمة
تشتري به الناس والأسواق المهجورة
والأجنة في أرحام أمهاتهم
وتشتري الذمم الفاسدة والضمائر المثقوبة
والمدن الملعونة في كل مسافة
وفي كل لحظة تمر
بينما الحرب لا تزال ملتصقة
بأجساد القتلة الغاصبين
وأشد مرحلة ستمر بها القصيدة
حينما تتمسك الدمعة بأثواب البسطاء
وتتمسك المنازل بجدرانها قريبة السقوط
ويتمسك الجلاد بحقده
والمعركة بغبارها
والدم بشرايينه
والربابة بأوتارها الحزينة
و الأرض بغضبها
وتتمسك الغابة بوحوشها
والمحيطات بأسرارها!
وأشد الأوقات صعوبة
تلك التي تُحسّ فيها
أنكَ تسير على أرض ٍ
لا تملك فيها سنتيمترا واحدا
وتقابل وجوها لا تستطيع أن تحفظها في ذاكرتكَ
وتتكلم من دون أن تجد لكلامكَ
طريقا تستطيع أن تصل به إلى الناس!
[email protected]