فؤاد ناصر: صدر مؤخراً عن دار لارسا للنشر، لندن ndash; بيروت، كتاب تحت عنوان quot;عندما غزا صدام الكويت ndash; مذكرات جندي عراقيquot; لنزار ياسر الحيدر. يستعرض الكتاب عبر فصوله الستة عشر المأساة التي تعرض لها العراق: انساناً وارضاً خلال الفترة الزمنية التي سبقت احتلال الكويت ولغاية طرد قوات صدام منها، عبر عملية عاصفة الصحراء، وما تبعها من احداث جسام شكلت مفاصل هامة في مسيرة العراقيين ابتداء من فرض وقف اطلاق النار وفقاً لقوانين المنتصر، مروراً بالعقوبات الاقتصادية ولغاية سقوط نظام صدام في التاسع من نيسان (ابريل) 2003.
يؤكد الحيدر في كتابه ان قرار النظام العراقي البائد باحتلال الكويت فتح الباب على مصراعيها للكثير من الازمات، شارحاً بسرد قصصي الاحداث الحقيقية التي عاشها، برفقة الاف الجنود على الحدود العراقية ndash; الكويتية، في الايام التي شهدت توتراً ملحوظاً بين الطرفين لتعلن ختامها باحتلال اهوج، ما زال العراق يدفع فاتورته لغاية الآن.
ويتساءل المؤلف في مقدمة كتابه: هل استوعب العراقيون الدرس وما جره من ويلات على ارض العراق ومستقبل شعبه، وهل هم بحاجة الى نكبات اخرى كي يستفيقوا؟
في الفصل الاول المعنون quot;اليوم الاولquot; من الكتاب يسلط الحيدر الضوء على وجوده في موقع الدريهمية المتأخم للحدود العراقية ndash; الكويتية quot;شاء القدر أن اكون عشية غزو صدام للكويت على مشارف حدوده البرية (جندي احتياط كاتب) بسبب وشاية من قبل احد المنافقين والتي نقلت بسببها من بغداد الى البصرة... ثُبت في هذا الموقع العسكري كجندي كاتب، حيث كان يتمحور العمل فيه على تقديم الخدمات الادارية لقطعات الجيش في منطقة البصرة...quot;.
وبعنوان quot;الفرهودquot; يكتب المؤلف عن حملات السرقة المنظمة التي تعرضت لها الكويت quot;كنا في موقع الدريهمية نراقب ما يجري من مأساة عجيبة غريبة، لاننا كنا على طريق بين الكويت والعراق، وكنا نتساءل في قرارة أنفسنا: ألم يقولوا أنها ثورة شعبية في الكويت، والعراق ذهب لمناصرتها؟.. كنا نسمع الكثير من القصص الغريبة ما يحصل في الكويت، خاصة عندما عيّن علي كيمياوي محافظاً على الكويت ودخول قطعان الجيش الشعبي اليها..quot;
يستعرض الحيدر في الفصل السادس المعنون quot;ليلة ليلاءquot; الساعات الاخيرة قبل تسارع الاحداث باتجاه الحرب quot;ما ان حانت الساعة الثالثة الا ثلثاً بعد منتصف الليل، حتى قفز الجميع من افرشتهم مذعورين على صوت القصف الجوي المريع الهائل، وبدأ الكل يصرخ: غارات.. قصف، وركض الجمع متجهاً الى الملجأ الكونكريتيquot;.
quot;الرشقات الصاروخيةquot; هو عنوان الفصل السابع الذي يتحدث عن اندلاع لهيب الحرب التي شهدها العراق quot;بعد أن استعر أوار الحرب في 17 - 1 - 1991 واستمر التحالف بدك الوحدات العسكرية البرية العسكرية بعد أن حيدت القوة الجوية العراقية كلياً منذ الساعات الاولى واصبحت السماء ملعباً تصول وتجول فيه طائرات التحالف، أستخدم صدام الورقة التالية بحرق آبار النفط في حقل الرميلة المشترك بين العراق والكويت وأشعل النيران بمئات الآبار النفطية وحوّل سماء البصرة والكويت الى قطعة من الدخان الاسود لعله يحجب الرؤية عن طائرات التحالف لكي لا تستطيع ان تحدد مواقع الجيش العراقي!! فتحول نهار البصرة الى ليل دامس غير مبال بالجنود الذين وضعهم ليدافعوا عن الوطن بخطر استنشاقهم لهذا الدخان الذي نغص حياتهمquot;.
يواصل الكاتب عبر فصول كتابه سرد الاحداث التي لامسها شخصياً وعاشها، خاصة بعد عودته من جبهات القتال اثر السماح للجنود والمراتب بالاجازة، خاصة اولئك الذين تأخرت اجازتهم بسبب اشتعال الحرب، يصل بغداد التي خلت من سكانها بسبب الهلع الذي اصابهم، اذ لم يمر رعب على سكان بغداد في العصر الحديث كالرعب والخوف الذي شعروا به بعد الضربة الجوية لطيران التحالف.
يسرد الحيدر الاخبار الواردة من المحافظات اثر اندلاع الانتفاضة الشعبية في آذار عام 1991، اذ يقول في فصل quot;عود حميدquot;: quot;كنا نسمع من الجنود العائدين من الكويت قصصاً عجيبة غريبة يمكن ان تستوعبها مجلدات من الكتب، وكان كل جندي عبارة عن قصة وملحمة هائلة من المعلومات، كانوا يخبرونا بأن البصرة والمحافظات والمدن الجنوبية قد سقطت في يد الشعب العراقي المنتفض على حكامه بعد ان عاد الجنود سيراً على الاقدام من الكويتquot;.
يعرج الكاتب في الفصل الحادي عشر من كتابه على اثار العقوبات الاقتصادية التي اقرتها الامم المتحدة ضد النظام العراقي، خاصة بعدما اصدر مجلس الامن ولاول مرة سلسلة قرارات تصل الى 15 قراراً خلال مدة زمنية قليلة لتكبيل العراق اقتصادياً وسياسياً. بالمقابل فشل النظام بتوفير لقمة نظيفة للعراقين، فقد كانت يوزع موادا غذائية كانت سبباً مباشراً لكثير من امراض السرطان والجهاز الهضمي التي اصابت الكثير من العراقين.
وفي أكثر من فصل يسرد المؤلف العلاقة التي وشجت كل من العراق والكويت، خاصة خلال الحرب العراقية ndash; الايرانية التي دامت ثمانية اعوام، اذ اسهمت الكويت بدعم النظام العراقي في حربه العبثية، معدداً الكثير من الشواهد في هذا المضمار. وفي فصل quot;طيارون ألمان في بغدادquot; يكتب الحيدر عن المفتشين الاجانب الذين quot;يتجولون بسيارات رباعية الدفع مثبت عليها رمز الامم المتحدة بيضاء اللون ويثبتون على اعلى اذرعهم العلم الالماني وتحته شعار الامم المتحدة الدائري الازرق، في دولة كانت تمنع على وسائل الاعلام ان تعلن حتى درجات الحرارةquot;.
في الفصل الاخير quot;دبلوماسيون يتنبؤونquot; يعرض الكاتب اراء الكثير من الدبلوماسيين الاجانب في العاصمة العراقية والذين التقاهم بحكم عمله quot;كنت التقي بعض الدبلوماسيين العرب والاجانب الذين عادت وافتحت دولهم سفاراتها في العراق، لان أغلبهم كانوا زبائن لي بمحلي في فندق فلسطين ميريديان وسط بغداد وكانوا يزورونني بانتظام هم وزوجاتهم للتبضع وكنت أدعى الى اغلب احتفالات هذه السفارات التي تقام في فنادف بغداد الكبرى بمناسبات تلك الدول كالاعياد الوطنية، مما فتح المجال للحوار وتبادل الافكار بيني وبينهم بصراحة، كانوا متذمرين ومتألمين بنفس الوقت على الاحوال المتردية التي وصل اليها العراق على جميع الصعدquot;.
يمكن القول ان الكتاب هو بمثابة تسجيل لمعاناة حقيقية شهدها جندي احتياط إبان تلك الأحداث، كذلك يمكن اعتباره ايضاً درس عن مرحلة زمنية حصد العراق خلالها ويلات من العسير معرفة اثارها.. والتي لا تزال متجسدة في كل تفاصيل الحياة العراقية.
يقع الكتاب في 138 صفحة من القطع الوسط.