إعداد عبدالاله مجيد: كثيرا ما تبدو اعمال الفنان ليوناردو دافنشي مقدمة لما هو آت. ويلاحظ باحثون ان فنان عصر النهضة ينتحل عابثا دور العراف في سلسلة من النصوص المبهمة التي أدرجها في دفاتره تحت عنوان quot;نبؤاتquot;.
ومن تنبؤاته اللافتة التي يستخدم فيها التورية والتلاعب بالكلمات قوله في هذه الدفاتر quot;ان حيوانات ستظهر على الأرض تكون في اقتتال دائم فيما بينها، ملحقة أبلغ الضرر والكثير من الخسائر في ارواح الجانبين.... أيها العالم! لماذا لا تفتح افجاج شقوقك ومغاراتك العميقة وتلقيها فيها، ولا تُري السماء بعد الآن مثل هذا الوحش الضاري والمفترسquot;.
ويكشف تفسير هذه النبؤة بأن دافنشي يتحدث هنا عن قسوة الانسان.
ويبدو ان دافنشي في مناسبات متكررة يتوقع عصورا ما كان بمقدوره ان يعرف شيئا عنها سلفا. ويصح هذا على تخطيطاته لآلات مثل الدبابات وآلات طائرة وحفارات آلية. وأصبحت هذه الأفكار المتقدمة على عصرها حقائق في القرن العشرين. ومن الرسوم الأخرى التي قد يكون لها مغزى مخيف بعد الزلزال والتسونامي اللذين ضربا اليابان في آذار ـ مارس سلسلة من الرؤى التي تصور غضب الطبيعة وقوتها المدمرة تحت عنوان quot;طوفاناتquot;.
نظر ليوناردو دافنشي بعين الشك الى كثير من معتقدات زمنه ساخرا من فكرة الأشباح والأطياف السيارة ولكنه في موقف مناقض كان يؤمن بوجود علامات تنذر بما سيحدث. ويروي دافنشي كيف قرع جرس البهو في مجلس فلورنسا الكبير حين شرع لتوه في رسم جدارية ضخمة ثم انقلب دلو الماء الذي كان يستعمله وبدأت السماء تمطر quot;وسرعان ما تحول النهار ليلاquot;. ففي عام 1503 كُلف دافنشي برسم معركة انغياري لتوثيق فصل من تاريخ فلورنسا. وفي رسوم تقطر عنفا وتحفة ناقصة تركها على الجدار انجز دافنشي صورة للحرب قل نظيرها بسعة المخيلة التي تعبر عن بشاعتها. وتبدو هذه الجدارية رؤية للحروب القادمة حتى أعمق أثرا من quot;طوفاناتهquot; التي صور بها عربدة الطبيعة.
يقول الناقد الفني جونثان جونز الذي اصدر كتابا ضمَّنه quot;معركة انغياريquot; ان الكونية هي السمة التي تطبع اعمال دافنشي، يلخص فيها الفنان كل ما يعرفه ويحدسه ليبين تناغمات العالم واهواله بأبعاد ملحمية.
العالم يدور والتاريخ يركض لكن اعمال دافنشي باقية في مكانها لا تعكس حياة عصره فحسب بل حياة البشر في كل مكان وما يمكن ان يؤول اليه الانسان هي يفقد انسانيته.