محمد الحمامصي من القاهرة: أصابت الوسط الثقافي المصري حالة من الغضب والاستياء فور الإعلان عن المصادرات التي جرت لكتب دار البستاني، ودار العين، حيث قامت إدارة الرقابة على المطبوعات بمصادرة كتب، منها رواية للمخرج السينمائي المصري رأفت الميهي والأعمال الكاملة لجبران خليل جبران، ورواية أبناء الجبلاوي لإبراهيم فرغلي.

وصدر بيان على شبكة التواصل الاجتماعي ـ فايسبوك ـ وقع عليه مئات المثقفين، جاء فيه ما نصه quot;إيمانًا منا بحرية التعبير كحق لكل مواطن وفقًا لما يكفله الدستور المصري، والإعلان الدستوري، وتأكيدًا لكل مطالب ثورة 25 يناير في مصر، التي كان أول شعار رفعته في مواجهة النظام المخلوع بكل ما جسده من استبداد وفساد هو شعار quot;حريةquot;، فإننا ندين كل أشكال الرقابة ومصادرة الأعمال الأدبية والفنية، كما ندين منع دخول الأعمال الأدبية الذي تمارسه حتى اليوم جهات من الرقابة على المطبوعات الخارجية التي منعت دخول نسخ من رواية أبناء الجبلاوي للكاتب ابراهيم فرغلي ورواية هورجادا لرأفت الميهي، وكتاب quot;النبيquot; لجبران خليل جبران، خصوصًا أن هذه الجهة الرقابية كانت تتبع وزارة الإعلام، التيتم حلّها بعد الممارسات المضللة التي مارسها وزير الاعلام السابق أنس الفقي ضد ثورة يناير والثوارquot;.

وتابع البيان quot;إن القوانين المصرية لا تنصّ على مصادرة أي عمل أدبي أو فني إلا وفقًا لحكم قضائي من المحكمة المختصة، وبالتالي، فكل مصادرة هي مجرد عمل مخالف للقانون، ينبغي أن يضع من يقوم بها تحت المسائلة القانونيةquot;.

ورأى البيان quot;أن الجهات الرقابية على ما يبدو لا تزال لا تعي أن مصر تعيش عهدًا جديدًا بعد سقوط النظام السابق بكل ما استقر فيه من ممارسات ضد الحريات السياسية والقانونية وحقوق الإنسان، وبينها حرية التعبير عن الراي بكل الوسائل، ونحن ندين أي مظهر من مظاهر العودة للخلف، ونؤكد على حق المصريين جميعا في أن يتمتعوا بكافة حقوقهم المدنية والإنسانية، وبينها الحق في المعرفة من دون وصاية من أحد ايًا كان، تأكيدًا لاستعادة الثورة المصرية أهلية المواطنين كافةلأن يقرروا مصائرهم بأنفسهمquot;.

البيان كذلك شدد على ضرورة quot;الإفراج عن أي أعمال أدبية تم منعها أخيرًا بلا قيد أو شرط، كما يطالبون بحل الجهات الرقابية كافة،التي لا تزال تخضع إلى قيم العصر البائد التي انتهت ولن تعود، في عصر جديد من حق الجميع أن يعيشوا فيه بلا رقابة أو وصاية، عصر الحرية والشفافية وحق تداول المعلومات، وحق المواطنين جميعًا في تقرير مصائرهمquot;.

وقدرأى الكاتب الروائي أحمد أبو خنيجر أن الثورة لم تصل إلى الصميم، لطريقة التفكير والتوجه، quot;لا يمكن في حال النظر لفكرة الرقابة إلا داخل الأنظمة الاستبدادية، ذلك أن تلك الأنظمة وبسبب إدعاءاتها بحماية القيم وأخلاق المجتمع، والتي تحرص هي على انتهاكه، تخوّل لنفسها حق تقرير ما هو ممنوع وما هو مسموح، بمعنى آخر، تجعل تلك الأنظمة من نفسها مرجعية شاملة، وتستطيع أن تفكر نيابة عن الشعب، وبالتالي لا يمكنها أن تسمح بما يحاول أن يهدد هذه العلاقة، لأنه في الأصل يهدد رسوخ تلك الأنظمةquot;.

ويستغرب أبو خنيجر المصادرة التي جرت quot;لا أفهم كيف يتم هذا في مصر، والآن تحديدًا، أضيف لهذين الكتابين رواية أبناء الجبلاوي لإبراهيم فرعلي، والصادرة من دار العين، وهي أيضًا متداولة في مصر قبل ذلك، أي منذ وقت نشرها في 2009، وفى ظني أنه يتوجب على المثقفين أن يقفوا وبصرامة أمام تلك الردة التي تريد أن تعيدنا إلى عهد الاستبداد أيًا كانت مصادره، التي تقف وراءه، سياسية أو دينية أو غيرها من القوى الرجعية التي لا يمكن أن تزدهر أفكارها إلا في ظل قمع كافة الأفكار الأخرىquot;.

وتذكر د.فاطمة البودي صاحب دار العين للنشر أن إحدى أهم الروايات الصادرة من دار العين وهيرواية quot;أبناء الجبلاويquot; للكاتب إبراهيم فرغلي، تعرضت للمصير نفسه/ المصادرة، quot;علمًا أنها تباع في مصر، وتحمل رقم إيداع مصري ومطبوعة في القاهرة، الحقيقة في مثل هذه الظروف وفي عصر الانترنت والسماوات المفتوحة أي رقابة هذه التي تمنع وتراقب؟quot;. وطالبت البودي وزير الثقافة د.عماد أبو غازى التدخل لإنهاء هذا العبث وإلغاء الرقابة على الإبداع.

ولا يتوقع الشاعر علي عطا أن تزدهر حرية التعبير في مصر بين ليلة وضحاها في أعقاب ثورة 25 يناير، ويرى أن الثورة نفسها لا تزال مهددة من قوى شرسة لا تريد لمصر النهوض. وquot;بما إننا لم نغادر بعد مرحلة ما قبل ولادة تلك الثورة، فإن واقعة مصادرة كتاب هنا وكتاب هناك، سواء كان من إصدارات دار البستاني أو دار العين أو غيرهما، تعد من الأمور المعتادة بين الحين والآخر في مصر، وتؤكد في الوقت نفسه ضرورة اليقظة التامة والإصرار على اكتمال الثورة، التي لا يصح في ضوء ما حققته حتى الآن أن نتشاءم في ما يتعلق بالمستقبل عمومًا وبما ينتظر حرية التعبير على وجه الخصوص.

ويقول عطا quot;كان يقال في السابق كثيرًا على لسان رأس النظام المترنح إنه لا يحق مصادرة كتاب إلا بحكم قضائي، وثبت كثيرًا كذب هذا الإدعاء والأمثلة ربما تفوق الحصر، وعليه يجب الإصرار على وضع حد لتلك الظاهرة السخيفة من خلال الدستور الذي ننتظر وضعه ليحلّ محل دستور 1971 سيء السمعةquot;.

ويتابع quot;الخلاصة تتمثل في أنني لا أتوقع أن تنتكس حرية التعبير في مصر في المرحلة المقبلة، بل على العكس أتوقع لها ازدهارًا حقيقيًا بقوة الثورة التي لا ينبغي لها أن تخفت أبدًا على الأقل من أجل ألا تذهب دماء من ضحوا في سبيل أن تتحقق أهدافها هباء وسدىquot;.

يتمثل الناشر والشاعر أحمد الجميلي صاحب دار وعد قول نزار قبانيquot;من جرب الكيّ لا ينسي مواجعه، ومن رأى السمّ لا يشقي كمن شرباquot;، ويقول quot;الموضوع يجعلني أعود بذاكرتي إلى الوراء قليلاً، فأنا واحد ممن ذاقوا مرارة المصادرة التي كانت متبعة أيام النظام السابق، ليس لكوني ناشرًا فقط، بل لكوني كاتبًا مصريًا، كان ككل كاتب مصري وعربي قلمه مكبل والخطوط الحمراء أمامه كثيرة، كنا نرتجف عندما نسمع كلمة مصادرة، التي تستدعي معها بطبيعة الحال ذالك الجهاز القامع أمن الدولة، وليست تجربتي مع رواية كاتبنا الراحل quot;ادريس عليquot; ببعيد ودون خوض أو تذكرة لها، فهي مازالت في عقول الجميع، وخاصة النخبة من أهل الثقافة والإعلام.

لكن الأمر لابد وأن يكون قد تغير بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولكوني أسمع تلك الكلمة تتردد الآن، فهذا ما يقلقني كثيرًا ويطرح سؤالاً واحدًا - أليس ما حدث في مصر ثورة اعترف بها العالم كله أم إنها كانت حركة لخلع الرئيس السابق فقط ،هذا يجرني إلى التمرد أكثر وأكثر، ويجعلني أقول إن الثقافة العربية ما زالت بعيدة عما حدث وما يحدث للشعوب العربية الآن، بل ويقودني تمردي للدعوة إلى ثورة ثقافية ضد جحافل الأنظمة القامعة للكلمة الحرة، سواء كانت في الدين أو السياسة أو في غيرهماquot;.

ويؤكد الجميلي أن حرية الفكر والإبداع تحتاج نظامًا قويًا لا يخشي الكلمة، ولا يقيد الحريات في التعبير ولا في الاختلاف، quot;أليس من الغريب الآن أن نسمع عن مصادرة كتاب كما كان في السابق، إن ما حدث وما يحدث الآن في مصر والعالم العربي يحتاج دور المثقف أكثر من دور السياسي الذي يلهث وراء مطلب وحيد، وهو بلا شك السلطة، ليمارس من خلالها القمع نفسه الذي استخدمه غيره من قبل طالما اختلف معهquot;.

ويقول الشاعر عمر حاذق quot;أشعر أنه يتأكد لي دائمًا أن النظام السابق يؤكد يومًا بعد يوم أنه لا يريد أن يغادر، وأنه يذكرنا بنفسه من حين إلى آخر، باعتباره آلة للقمع ونسقًا منغلقًا على نفسه، يعادي كل ما هو جميل وحر وصادق ومتسقquot;.

يتساءل حاذق مستنكرًا ما يجري: إذا كانت وزارة الإعلام نفسها قد تم حلّها، أو تفتيتها إلى أجهزتها الأصغر حجمًا، مثل المجلس الأعلى للصحافة واتحاد الإذاعة والتلفزيون، فكيف يمكن أن تعمل هذه الأجهزة الرقابية؟ ولماذا لا يتم إلغاؤها أو إعادة هيكلتها، بحيث لا تمارس دور الرقيب quot;الأمنيquot;؟، بشرط أن يكون تغييرها جذرياً، وألا تعود أبدًا إلى دورها القامع؟.