إيلاف - الكويت: أورد تقرير لبيت الاستثمار العالمي quot;غلوبلquot; أن الاقتصاد العُماني شهد زيادة كبيرة في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2008، وذلك بفضل ارتفاع أسعار النفط الخام العُماني، الذي سجل متوسط سعر بلغ 101.1 دولار أميركي للبرميل خلال العام 2008. ووفقاً للتقديرات الأولية الرسمية العُمانية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي مستوى 23.04 مليار ريال عماني خلال العام 2008، بالمقارنة مع 16.01 مليار ريال، أيّ بمعدل نمو بلغ 44 %. وعلى أساس معدل النمو السنوي المركب، سجّل الناتج المحلي العماني نمواً بنسبة 22.7 %، خلال الفترة الممتدة ما بين العام 2003 والعام 2008. ونتيجة للنمو الاقتصادي الكبير الذي شهدته البلاد خلال هذه الفترة، اتّبع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مسار النمو عينه، مسجلاً معدل نمو سنوي مركب مرتفع بلغ 17.6 %. وارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بدرجة كبيرة، حيث ارتفع من 9.190.4 دولار أميركي خلال العام 2003، ليصل إلى مستوى قياسي، بلغ 20.648.6 دولاراً أميركياً بنهاية العام 2008.

وسعياً منهم إلى المحافظة على النمو الاقتصادي خلال السنوات المقبلة، بحسب تقرير غلوبل، عمل صانعو السياسة العُمانية على إصلاح الاقتصاد العُماني وتنويع مصادره، من خلال سن قوانين جديدة للضريبة والخصخصة، وتحسين القطاعات غير النفطية، وتوفير البيئة المناسبة لاقتصاديات السوق. ونتيجة لذلك، لعبت القطاعات غير النفطية دوراً مهماً في نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، حيث نما بمعدل 27.9 %، ليصل إلى 11.2 مليار ريال عماني في العام 2008.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، يتابع التقرير، اتّبعت الحكومة العُمانية سياسات حصيفة، سواء على الصعيد المالي أو النقدي وذلك بهدف المحافظة على النمو الاقتصادي للبلاد ودعم نظاميها النقدي والمالي. لذا، وعلى غرار ما فعلت الحكومات الأخرى في مختلف أنحاء العالم، أعلن وزير الاقتصاد الوطني العُماني أن عُمان سوف تمضي في تنفيذ سياستها المالية التوسعية من أجل تحفيز النمو الاقتصادي. علاوة على ذلك، أعلنت الحكومة العُمانية عن تنفيذ حزمة من الحوافز الاقتصادية من خلال تقديم 2 مليار دولار أميركي للقطاع المالي. إضافة إلى ذلك، وفّر البنك المركزي العُماني التمويل للبنوك، من خلال تسهيلات تبادل الاحتياطي وإنشاء صناديق توازن السوق، برأس مال مقداره 391 مليون دولار أميركي، لدعم سوق مسقط للأوراق المالية. ومن ثمّ، بالإشارة إلى الوضع المالي القوي الذي تتمتع به الحكومة والدعم الذي قدّمته للنظام المالي، أبقت مؤسسة ستاندرد آند بورز على التصنيف الائتماني السيادي للسلطنة عند درجة quot;Aquot; على المدى الطويل و quot;A-1quot; على المدى القصير.

وعلى الصعيد المالي، يوضح تقرير غلوبل، أقرّت الحكومة الموازنة الجديدة لعام 2009، والتي أُعدت في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وتوقّعت حدوث ركود اقتصادي عالمي، يصاحبه تراجع كبير في أسعار النفط. ومن هذا المُنطلق، واصلت الحكومة العُمانية تطبيق سياستها المالية التوسعيّة، بهدف دعم النمو الاقتصادي للبلاد. ومن ثمّ، أشارت المصادر الرسمية إلى أن quot;الموازنة الجديدة قد أعادت ترتيب أولويات الإنفاق إلى حدّ ما، ولكن بدون التخلي عن تنفيذ المشروعات الأساسية، لتبقى في نطاق الخطة الخمسية السابعة للتنمية (2006-2010). ووفقاً لبيانات وزارة المالية، يتوقّع أن تسجل الموازنة الجديدة عجزاً بقيمة 810.0 مليون ريال عماني، بالمقارنة مع عجز مقداره 400 مليون ريال في موازنة العام السابق.

ورغم ذلك، يضيف التقرير، ترى الوزارة أنّه من الأهمية بمكان التصدي لدورة الانكماش الاقتصادي، من خلال زيادة الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية الكبرى، بهدف تنويع مصادر الاقتصاد، حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى عجز في الموازنة. وتعدّ زيادة الإنفاق الاستثماري الذي قررته الحكومة ضمن السياسة التي تتبعها لمواصلة تنفيذ مشروعات البنية التحتية والمشروعات التنموية الكبرى. وتعتبر هذه السياسة، سياسة طويلة المدى، وهي مبنية على المتطلبات التنموية المستقبلية للبلاد.
ويشير تقرير غلوبل إلى أنّه نظراً إلى أنّ الموازنة مبنية على افتراض سعر متحفظ لبرميل النفط مقداره 45 دولاراً أميركياً، فمن المرجح أن تحقق الحكومة العُمانية فائضاً كبيراً في العام 2009. وعزت ذلك بصفة أساسية إلى أنّ أسعار النفط قد بدأت في الانتعاش بدرجة كبيرة خلال العام 2009، متجاوزة التقديرات المتحفظة لسعر النفط في الموازنة. ومن ثمّ، في حالة إذا حافظت أسعار النفط على مستوياتها الحالية حتى نهاية العام 2009، فمن المحتمل ألا يقع الوضع المالي العُماني تحت وطأة الضغوط، بل قد يسجّل فائضاً.

وعلى الصعيد النقدي، تتابغ غلوبل، تبيّن أن انخفاض أسعار النفط كان له بعض الإيجابيات على الاقتصاد العُماني، وكذلك الاقتصاديات الأخرى في العالم، خاصّة في ما يتعلُق بمستوى التضخّم، الذي يُنظر إليه على اعتباره مصدراً رئيساً للقلق. فقد شهد العام 2008 تسجيل التضخّم معدلات نمو مزدوجة للمرة الأولى منذ العام 2000، ليستقر عند ما متوسطه 12.4 % للعام 2008. بالرغم من ذلك، يتوقع تقرير غلوبل انخفاضاً في معدلات التضخّم خلال العام 2009؛ حيث سجّلت البيانات الأوليّة لمؤشر أسعار المستهلكين للشهور الأربعة الأولى من العام 2009 انخفاضاً في معدل التضخم، بلغ 6.1 %، بالمقارنة مع 11.6 % المسجّلة خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وبالمضي قدماً، يتوقّع التقرير أن يسلك معدل التضّخم اتجاهاً تنازلياً حتى نهاية العامين 2009 و2010، مدعوماً في ذلك بصفة أساسية بالضغوط الانكماشية العالمية. علاوة على ذلك، سوف يكون لانخفاض أسعار النفط، وكذلك تراجع أسعار واردات الأغذية والتبغ، تأثيراً بالغاً على خفض معدلات التضخّم حتى نهاية العام الحالي. ونتيجة لذلك، يتوقّع أن ينخفض معدل التضخّم للعام بكامله، مسجلاً معدل تضخّم أحادي الرقم، يتراوح بين 7 و 8 ُ%.

وقد ألقى هذا التراجع في الضغوط التضخّمية بتأثيره على السياسات النقدية التي يتّبعها البنك المركزي العُماني لتتحوّل من سياسة انكماشية، تستهدف السيطرة على التضخّم إلى سياسة حرّة تستهدف توفير السيولة النقدية. فقد اتّبع البنك المركزي العُماني، بحسب غلوبل، سياسة نقدية انكماشية لاحتواء التضخّم خلال النصف الأول من العام 2008، حيث تعّين علي البنك احتواء الزيادة في المعروض النقدي والائتماني.

ولهذا السبب، قرر البنك المركزي العُماني رفع نسبة متطلبات الاحتياطي النقدي للبنوك التجارية من 5 % إلى 8 % من الودائع. علاوة على ذلك، قرر البنك خفض نسبة الإقراض من 87.5 % إلى 85 %، ثم إلى 82.5 %. ومع ذلك، لم تستمر هذه التعديلات إلى أن تتحقق الفائدة المرجوة منها، بسبب الاضطرابات المالية العالمية والأزمة الائتمانية بنهاية العام. لذا، تحوّلت سياسة البنك إلى سياسة توسعية لضمان توفّر السيولة الكافية لتيسير أداء النظام المصرفي، والذي بات الشغل الشاغل لجميع البنوك المركزية في سائر أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، خفّض البنك المركزي العُماني نسبة متطلبات الاحتياطي للبنوك مجددًا إلى 5 %. وعلى نحو مماثل، رفع معدلات الإقراض إلى 87.5 % مرة أخرى، لتفادي انكماش الائتمان.

وبالتطلّع إلى المستقبل، ترى غلوبل أنه من المحتمل أن يواجه الاقتصاد العُماني تحديّاً، يتمثل في الحفاظ على استدامة النمو الاقتصادي خلال العامين 2009 و2010. ولكن، من المنظور الإيجابي هناك السياسات الحكومية الحصيفة على الصعيدين النقدي والمالي. وتعتبر كلتا السياستين توسعية في ظل حالة الركود، التي تخيّم على اقتصاديات العالم كافة. علاوة على ذلك، سوف يساعد جني فوائد خطط التنويع الاقتصادي على الحفاظ على معدل نمو اقتصادي هامشي. وأخيراً، يلفت التقرير إلى أن انخفاض معدلات التضخّم يُشكّل عاملاً آخر، من شأنه أن يساعد على التخفيف من حدّة تأثير الأزمة المالية. ومن ثمّ، يقدّر أن يسجّل الاقتصاد العُماني نمواً حقيقياً هامشياً بنسبة 1.9 % خلال العام 2009، وذلك قبل أن يستعيد عافيته بحلول نهاية العام 2010.