الإقتصاد السوري المتعثر يمثل ضربة للحكومة

يرزح الاقتصاد السوري اليوم تحت وطأة العقوبات التي فرضها الغرب، في الوقت الذي تستمر فيه الانتفاضة الشعبية، مما يشكّل تحدياً متزايداً لحكومة الرئيس بشار الأسد في معالجة الأزمة التي تضرب كل الطبقات الاجتماعية في سوريا.


لميس فرحات: مع ضعف العملة السورية، والركود الاقتصادي والشلل، الذي أصاب قطاع السياحة، في ظل العقوبات الدولية التي تؤثر على معظم القطاعات الأساسية، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتقلّص الاقتصاد السوري هذا العام بنسبة لا تقلّ عن 2%.

وخلال ما يقرب السبعة أشهر من الاحتجاجات والقمع الوحشي، الذي أودى بحياة أكثر من 2900 شخص، أثبت الأسد وأنصاره السياسيونقدراً من التماسك فاجأ الجميع، ومن ضمنهم منتقدو النظام السوري.

أما الخلافات، وفي حال كانت موجودة، فقد بقيت داخل الدائرة الحاكمة التي تقتصر على المقرّبين من الأسد، في حين ينتظر أن تحدث انشقاقات في الأجهزة الأمنية.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;نيويورك تايمزquot; عن محللين في المنطقة ومسؤولين في تركيا والولايات المتحدة، قولهم إن الاقتصاد المتعثر يمثل ضربة مزدوجة للحكومة، التي تعتمد على نجاحاتها الاقتصادية كمصدر لاكتساب شرعيتها.

ويشعر كثير من السوريين، الفقراء والأغنياء، بانعكاسات الثورة وتأثيراتها في حياتهم اليومية، في حين يطغى شعور باليأس في الشوارع، حتى في دمشق وحلب، المدينتين الأكبر في البلاد ومركز الثقل الاقتصادي.

وفي حين أن مدينتي دمشق وحلب لم تشهدا أية حركات احتجاجية إسوة بغيرهما من المدن السورية، يعتقد مسؤولون أميركيون وأتراك أن الشكاوى تتزايد بين الناس في المدينتين، وأن النخبة التجارية سوف تنقلب في نهاية المطاف ضد الأسد.

ويقول ابراهيم نمر، المحلل الاقتصادي المقيم في دمشق: quot;لم يعد باستطاعتي تحمّل تكاليف احتياجات أسرتي، لا أملك المال، ولا أستطيع أن أعمل لتأمينه. أواجه صعوبات جمّة، ولا أعرف ماذا أفعلquot;.

وقال رجل أعمال آخر في دمشق: quot;الناس لا يشترون أي شيء لا يحتاجونه في هذه الأيام. بالكاد يتمكنون من تأمين الضرورياتquot;.

وعلى الرغم من الصعوبات، يقول مسؤولون أميركيون وأتراك إن انهيار الاقتصاد السوري ليس وشيكاً، وإنه يمكن للحكومة البقاء على قيد الحياة على الأرجح حتى نهاية العام. لكنهم يعتقدون أن ارتفاع وتيرة الاحتجاجات والعقوبات في آن واحد يمكن لهاأن تطيح بالأسد خلال 6 و18 شهراً.

وقال مسؤول أميركي في إدارة أوباما، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته: quot;نحن جميعاً ننتظر اللحظة التي ينكسر فيها نظام الأسد وينهارquot;، وأضاف quot;تعثر الاقتصاد هو الأزمة الوحيدة التي يمكن أن تطال الجميع في سوريا، سواء أولئك الذين يدعمون الرئيس، والأسد وحاشيته أيضاًquot;.

أما العائدات من صادرات النفط والغاز، والتي تمثل ما يصل إلى ثلث إيرادات الدولة، وهي أكبر مصدر للعملة الأجنبية، فمن المتوقع أن تجفّ في بداية شهر تشرين الثاني، عندما يدخل فرض الحظر على واردات الاتحاد الأوروبي من النفط السوري حيز التنفيذ بشكل كامل.

وشلت الاضطرابات التي تشهدها سوريا قطاع السياحة الذي يدرّ 7.7 مليار دولار في السنة. وأعلن عدد من الفنادق في دمشق عن عدم وجود أي حجوزات في الوقت الحالي أو في أي وقت في المستقبل، كما قال أصحاب الفنادق إنهم أغلقوا أبوابهم هذا الصيف، لأنهم لم يعودوا قادرين على تحمّل دفع رواتب الموظفين والفواتير.

لكن الشكوك لا تزال قائمة بشأن الاستراتيجية الدولية للضغط على الاقتصاد السوري، ويتخوف المسؤولون الأميركيون والأوروبيون من أن تؤدي العقوبات في نهاية المطاف إلى إحداث الضرر بالطبقة السورية المتوسط أكثر من القيادة.

وعلى الرغم من الاقتصاد المهترئ، الذي تشهده شوريا اليوم، يبدو أن الحكومة تشعر بالثقة في قدراتها لتمكنها من إضعاف وقمع بعض الاحتجاجات الجماهيرية هذا الصيف في مدن مثل حماه ودير الزور.

ويبدو أن المسؤولين السوريين يواجهون العقوبات، ويحاولون التكيف مع الأوضاع الجديدة، خاصة في ظل الدعم الذي تلقاه سوريا من الصين وروسيا، اللتين تستخدمان حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يدين القمع العنيف للمتظاهرين المناهضين للحكومة خلال الأسبوع الماضي.

في الأشهر الأخيرة، أنكر مسؤولون سوريون في وزارة الاقتصاد والتجارة ووزارة المالية وجود أية آثار للعقوبات على الاقتصاد واحتياطيات العملة الأجنبية. وقال وزير المالية السوري محمد جليلاتي إن الدولة تملك 18 مليار دولار من احتياطيات العملة الأجنبية، وإن هذا الرقم يكفي لتأمين واردات لمدة عامين.

لكن يبدو أن الأثر الاقتصادي يصبح أكبر من السابق، خاصة وأن المسؤولين في تركيا، الشريك التجاري المهم بالنسبة إلى سوريا، يستعدون لفرض عقوبات خاصة بهم على نظام الأسد.

وتراجعت الأصول في البنوك الخمسة الكبرى في سوريا بنحو 17 % في النصف الأول من عام 2011، في حين أن الودائع في المصارف اللبنانية العاملة في سوريا قد انخفضت بنسبة 20 % من عام 2010، وفقًا لتقرير صادر من بنك بيبلوس في لبنان.

واتخذ المسؤولون السوريون سلسلة من التدابير لمحاولة حماية الاقتصاد، غير أن معظم الخبراء يقولون إنه من المرجّح أن تعمّق هذه التدابير الأزمة السورية.

من بين هذه الخطوات كان اتخاذ الحكومة السورية في الشهر الماضي قراراً لحظر الواردات من السلع الاستهلاكية لحماية احتياطي سوريا من العملات الأجنبية، غير أن هذه الخطوة خلقت ضجة محلية وإقليمية، وأدت إلى ارتفاع أسعار السلع المحلية، فاضطرت الحكومة إلى إلغائها بعد أسبوع واحد من تنفيذها.

وكان آخر قرار الموافقة على ميزانية 26530000000 دولار، أي بزيادة 58 % على موازنة العام الماضي، وهي أعلى نسبة في تاريخ سوريا.

ويسأل نبيل سكر، وهو مسؤول سابق في البنك الدولي، ويدير اليوم مؤسسة بحثية مستقلة في دمشق: quot;من أين سيأتون بهذا المال؟ إنه سؤال كبير في ظل الإيرادات القليلة. لن يساعدنا أحد من الخارج. صحيح أن لدينا احتياطيًا، لكنه يجفّ شيئاً فشيئاًquot;.