باشرت الجزائر قبل فترة إحصاء اقتصاديا شاملا، إلاّ أنّ تعامي الإحصاء عن السوق الموازية المصنّفة كاقتصاد غير رسمي يستوعب 1.3 مليون تاجر، ويسير خارج الجباية والرقابة الرسمية، يجعل العملية بمنظور خبراء ومتابعون تحدثوا لـquot;إيلافquot; مبتورة وغير دقيقة النتائج.


تغييب السوق الموازية يجعل نصف الحقيقة الاقتصادية غائبة

كامل الشيرازي من الجزائر: إذا كانت الحكومة تهلل لفضائل الإحصاء الاقتصادي، فإنّ الخبير الاقتصادي المعروف صالح موهوبي يستغرب عدم انفتاح الاحصاء المذكور على ما يحدث في السوق الموازية، ما يجعل العملية ككل فاقدة لجدواها بمنظوره.

ويسجل د. موهوبي أنّه من غير المعقول تجاهل الإحصاء الاقتصادي لسوق تمثل 40 % من الوعاء المحلي، ويذهب محدثنا إلى أنّ الفحص الاقتصادي ليس شاملاً، ما يرهن نجاح كبرى ورش المخطط الإنمائي المتعثر للعام الثاني على التوالي.

بدوره، يبدي رضا حمياني رئيس منتدى رؤساء المؤسسات (هيئة نقابية)، استياء لاستبعاد السوق الموازية من الإحصاء، معتبرًا أنّه كان الأجدر بدوائر القرار توظيف الإحصاء الاقتصادي لإصلاح أعطال النشاط الصناعي الضعيف، وما يحدث من بطء وتعقيدات على مستوى المؤسسات الاقتصادية، رغم توافر الجزائر على إمكانات ضخمة، لكن أسواقها غير منظمة، وتفتقد الكوادر والتنويع، ما يجعل النوعية رديئة، ولا تحقق الايرادات المطلوبة، وهو ما يُفترض أن يلتفت إليه الإحصاء.

وإذ نعت السياسات الحكومية بـquot;الانتحاريةquot;، ينتقد حمياني عدم إيلاء الإحصاء الاقتصادي الاهتمام الكافي بظاهرة السوق الموازية وأسباب تحوّل عديد المستثمرين إليها، مركّزًا على أنّ الجزائر لا يمكنها الاستمرار بالصيغة الحالية القائمة على تصدير النفط فحسب، واستيراد آلاف الأطنان من الحبوب، في وقت يتعين على السلطات بناء اقتصاد قوي ينتصر للتنافسية والتنويع والابتكار الخلاّق.

ويشير المتخصص مراد بولنوار إلى لاغية عدم اعتناء المعنيين باستكشاف الاقتصاد غير الرسمي رغم كونه يشكّل رقمًا صعبًا في المعادلة، كفضاء مستقل صار يفرض نفسه عبر سبعمائة موقع في البلاد، ويستقطب 3 ملايين مستهلك.

والأحرى برأي بولنوار، كان بتحري المسؤولين لحيثيات واقع السوق الموازية، فهو غريب من حيث انطوائه على مفارقات أفرزت حياة اقتصادية تتميّز بمناطق شعبية تشبه الدول، تبيع وتشتري كما تشتهي، ولا تعرف مفهوم الضرائب وإتاوات الدولة.

رضا حمياني

ويمكن للمتجول في مدن جزائرية عديدة بدءًا من الأحياء الشعبية كبلوزداد وباب الوادي وساحة الشهداء وباب الزوار مرورًا بمحافظات داخلية كالعلمة وتاجنانت، وصولاً إلى مدن الجنوب الكبير، أن يلحظ عشرات التجمعات الاقتصادية المتناثرة التي تتداول المليارات خارج سلطة الضرائب.

على طرف نقيض، لا ترى الجهات الرسمية الأمور بالعين نفسها، حيث يشدّد منير خالد براح المدير العام للديوان الجزائري للإحصائيات، على أنّ العملية الحالية تتطلع إلى إجراء تحقيق احصائي على مجموع الهيئات الاقتصادية والأنشطة ومختلف القطاعات القانونية، وستسمح بتوفير معطيات احصائية دقيقة للغاية.

ويعتبر براح أنّ حجر الزاوية يكمن في وضع بطاقية عامة للمجموعات الاقتصادية، والوقوف على مكامن القطاع الخاص الذي يحتل مكانة مهمة على مستوى القيمة المضافة خارج المحروقات، بجانب إقراره بأنّ الصياغة الجديدة للنسيج الاقتصادي المحلي لم تدرس بشكل جيد من طرف جهازه الاحصائي.

ويلّح براح على أنّ العملية تهدف أيضًا إلى اعداد قائمة واضحة وناجعة للأشخاص الماديين والمعنويين وكذا للهيئات الادارية والجمعوية تسمح بالتوافر على قاعدة لسبر الآراء حول مجموع التحقيقات لدى المؤسسات، فضلاً عن المتابعة والتحكم في المقاييس والمؤشرات الخاصة بمختلف القطاعات، وتجاوز غياب ثقافة الأرقام الغائبة نسبيًا في الجزائر.

صالح موهوبي

من جهته، يرى سيد علي بوكرامي كاتب الدولة المكلف بالإحصائيات، بأولوية الاعتناء بالنسيج الاقتصادي القانوني، منوّهًا بكون الإحصاء سينتج بيانات واضحة عن 1.6 مليون متعامل اقتصادي.

وشدّد بوكرامي على أنّ الإحصاء الاقتصادي فريد من نوعه، حيث لا يكتفي بمختلف مناحي الاقتصاد ومسح المداخيل والنفقات فحسب، بل يمتد إلى التشغيل والصحة والتربية وغيرها، مشيرًا إلى أنّ عملية الإحصاء ستتوزع على ثلاث مراحل، أولها ستختص بالمسح وتحديث الفهارس الاقتصادية، على أن تتلى بمرحلة فحص شامل من خلال استمارات سيجري توزيعها على آلاف المجموعات الاقتصادية، لتختتم عملية الإحصاء بتدقيق الحسابات وتحليل العيّنات.