تغيب الشفافية ويسود الفساد الإداري في معظم مؤسسات الدولة اللبنانية الاقتصادية، فلا من يحاسب المسؤولين ولا من يعطي المواطن حقه، فهل يفقد المستثمر ثقته مع غياب تلك الشفافية في لبنان؟.

بيروت: يقول الخبير المالي الدكتور غسان عيّاش ( نائب حاكم مصرف لبنان سابقًا) لـquot;إيلافquot; إنه بشكل عام، يؤدّي فقدان الشفافية لدى المؤسّسات الاقتصادية إلى فقدان ثقة الأسواق بالاقتصاد ككل، مما يعني كلفة أكبر لتمويل القطاعين العام والخاص على حد سواء. فالأسواق تتردّد في تمويل اقتصاد مؤسّساته غير شفافة، وهو بالتالي مهدّد بالوقوع في أزمات تبدأ فردية وتتحوّل إلى أزمات شاملة.

ولكن الأسواق تهتم إجمالاً بشفافية المؤسّسات ذات الوزن والتأثير الكبيرين، ولا تهتمّ بمقدار الشفافية لدى كل الشركات العاملة. في البلدان المتقدّمة ذات الأسواق المالية المتطوّرة تتأثر نظرة الأسواق بالشركات الكبيرة أو العملاقة، التي تلعب دورًا رئيسيًا في البورصة، إضافة إلى الدولة، بالطبع لأن أية أزمة جوهرية تواجهها إحدى هذه الشركات قد تؤثر على سائر اللاعبين في السوق المالية.

إذا انتقلنا إلى الواقع اللبناني، يتابع، عياش، من حيث تأثير غياب الشفافية على الاقتصاد، وانطلاقًا من القاعدة نفسها، يمكن أن نميّز بين أوضاع الشفافية في كل من القطاعين الخاص والعام. وما يهمّ هو الشفافية لدى الدولة والمؤسّسات الأخرى الكبرى التي تعرّض البلد لظاهرة quot;الدومينوquot; في حال انتكاستها أو انهيارها.

وعلى سبيل الإيجاز، يمكن القول إن نسبة الشفافية في القطاع الخاص اللبناني مقبولة وتحول دون تعرّض اقتصاد لبنان لهزات مقلقة، أما الشفافية المالية لدى القطاع العام فهي متدنية.

الشفافية والقطاعات

ويضيف عياش:quot;لا تهتمّ معظم شركات القطاع الخاص اللبناني بالتزام الشفافية بسبب الطابع الفردي والعائلي المهيمن عليها. ولكن الظاهرة الإيجابية أن أكثر المؤسّسات الخاصّة تأثيرًا على الاقتصاد، وهي المصارف، ملزمة باحترام أقصى درجات الشفافية بفعل القوانين المالية وسياسات وتعليمات مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف.

ويتابع:quot;المصارف ملزمة بتزويد مصرف لبنان شهريًا بمعلومات مفصّلة حول تطوّر أوضاعها، إضافة إلى نشر البيانات السنوية التي تخضع لرقابة مصرف لبنان. كذلك، يفرض على المصارف الالتزام بقواعد الحوكمة الرشيدة في إدارة نشاطاتها، وهي تشكل لجانًا بينها أعضاء مستقلون، ويفرض أيضًا عدم حصر الصلاحيات الحساسة بيد الأشخاص أنفسهم.

من هنا يمكن القول إن نسبة الشفافية في القطاع المصرفي تطمئن إلى عدم احتمال تعرّضه لهزات تؤثر على الاقتصاد ككل.

ويلفت عياش الى أنهquot; بعكس ذلك، فإن مستوى الشفافية متدنٍ على صعيد مالية الدولة، وهذا يظهر من جوانب عدة.

اذ إن الدولة اللبنانية تنفق وتجبي الضرائب منذ ثماني سنوات دون إجازة برلمانية، أي دون موازنة، وهذه حالة فريدة في العالم، ناجمة عن الانقسام السياسي في البلاد.ولا شك بأن غياب الموازنة يحدث فوضى لا شبيه لها في الجباية والإنفاق، ويضيّع الصورة الحقيقية للمالية العامّة لدى الأسواق والرأي العام، ويحجب النشاط المالي الحكومي عن رقابة البرلمان، ومن خلاله الرأي العام. من جهة أخرى، يجري تمويه الأرقام الحقيقية للدين العام وعجز الموازنة، عن طريق عدم إعلان كل التزامات الدولة في مستند موحد، كما تقضي الأصول. وهناك تعمّد لتحسين صورة الوضع المالي أو عدم إظهاره على حقيقته بدقة، ويجري ذلك بأشكال متعدّدة.

ويرى عياش أنه من هنا يمكن القول إن المشكلة في لبنان تتعلق بغياب الشفافية لدى الدولة، أما القطاع الخاص فالمؤسّسات الكبيرة فيه، المصرفية بالتحديد، تتقيّد بنسبة عالية من الشفافية، أما المؤسّسات الأخرى، التي تتعمّد عدم إظهار أوضاعها الحقيقية لأسباب ضريبية في غالب الأحيان، فلا خوف من تأثير عدم شفافيتها على الاقتصاد لأنها، في حال تعرّضها لأية أزمة فإنها لا تنقل مشكلتها إلى الاقتصاد اللبناني ككل، بل تبقى أزمتها محصورة بها، خصوصًا لكونها خارج البورصة.